جامعة أسيوط الأهلية تبدأ في استقبال الطلاب الجدد لإنهاء إجراءات القيد والتسجيل    الجريدة الرسمية تنشر 6 قرارات جديدة لوزارة الداخلية    وزيرا الكهرباء والبترول يبحثان العمل المشترك لتوطين الصناعة ونقل التكنولوجيا    صعود عالمي جديد.. سعر الذهب اليوم الثلاثاء 19-8-2025 وعيار 21 الآن (تحديث لحظي)    لليوم الثالث.. محافظ القاهرة يقود حملة لإعادة الانضباط لمدينة معًا بحي السلام ثان    ترامب: على الأمريكيين انتخاب رئيس جيد في المستقبل لتفادي تكرار الأزمة الأوكرانية    احترامًا له.. ترامب: اتصلت ببوتين بعيدًا عن القادة الأوروبيين    الجيش الاردنى ينفذ إنزالا جويا جديدا للمساعدات فى غزة    الأزمات تحاصر القطبين.. حريق في الأهلي وسحب أرض الزمالك    الدوري الإسباني.. "ثغرات تأمينية" تهدد عودة برشلونة إلى كامب نو    تقارير: وفاة رزاق أوموتويوسي مهاجم نادي الزمالك السابق    بسبب سافينيو.. مانشستر سيتي ينسحب من سباق رودريجو    مصدر ليلا كورة: الأهلي يقترب من إنهاء إجراءات رحيل وسام أبو علي بعد وصول القسط الأول    محافظ الإسماعيلية يعتمد نتيجة الدور الثاني للشهادة الإعدادية بنسبة نجاح 99.76%    شاهده 192 شخص فقط في 24 ساعة.. تعرف على الفيلم الأضعف في شباك التذاكر الإثنين    ما علاج الفتور في العبادة؟.. أمين الفتوى يجيب    هل تجوز الصلاة قبل الانتهاء من الأذان؟.. تعرف على رد أمين الفتوى    افتتاح مقر التأمين الصحي ب بلاط في الوادي الجديد    خطوة بخطوة.. طريقة الاستعلام عن المخالفات المرورية    سماع أسرة الزوج وفحص هواتف.. تحقيقات موسعة فى مقتل لاعبة الجودو دينا علاء    النقل: خط "الرورو" يفتح آفاقًا جديدة أمام الصادرات المصرية إلى أوروبا    وسط أجواء فنية ساحرة.. "صوت مصر" يعيد أم كلثوم لواجهة المشهد الثقافي    "فلسطين 36" ل آن ماري جاسر ممثلًا لفلسطين بجوائز الأوسكار عام 2026    أسرة عبدالحليم حافظ تكشف حقيقة بيع منزله بمقابل خيالي لملياردير مصري    الأمم المتحدة: الوضع في غزة فاق الكارثة ولن نشارك في أي نزوح قسري (تقرير)    إجازة المولد النبوي الأقرب.. العطلات الرسمية المتبقية في 2025    مدير أوقاف الإسكندرية يترأس لجان اختبارات القبول بمركز إعداد المحفظين    داعية إسلامية عن التعدد: «انتبهوا للخطوة دي قبل ما تقدموا عليها»    وزير العدل يزف بشرى سارة لأبناء محافظة البحيرة    شاهد.. مدير «الرعاية الصحية» ببورسعيد: حملة «صحتك أولًا» تهدف لتعزيز الوعي الدوائي    فنان شهير يفجر مفاجأة عن السبب الرئيسي وراء وفاة تيمور تيمور    رئيس الرعاية الصحية: بدء تشغيل عيادة العلاج الطبيعي للأطفال بمركز طب أسرة العوامية بالأقصر    جولة تفتيشية للوقوف على انتظام حركة التشغيل في مطاري الغردقة ومرسى علم    "بدلة أنيقة".. دينا الشربيني تتألق في أحدث ظهور (صورة)    وزير الثقافة ينعى الدكتور يحيى عزمى أستاذ الإخراج بالمعهد العالى للسينما    كامل الوزير: تشغيل خطوط إنتاج الأسمنت المتوقفة وزيادة القدرات الإنتاجية    الأرصاد: فرص أمطار رعدية على حلايب ونشاط رياح بكافة الأنحاء يلطف الأجواء    وزارة النقل تناشد المواطنين التوعية للحفاظ على مترو الانفاق والقطار الكهربائي    صعود جماعي لمؤشرات البورصة بمستهل جلسة اليوم    " ارحموا من في الأرض" هل هذا القول يشمل كل المخلوقات.. أستاذ بالأزهر يوضح    بلتون للتمويل العقاري تصدر أول توريق بقيمة 1.32 مليار جنيه    الأمم المتحدة تعرب عن قلقها إزاء هجوم مميت آخر على مخيم أبو شوك بالسودان    كييزا يغلق باب الرحيل ويتمسك بالبقاء مع ليفربول    قرار جمهوري.. ماجد إسماعيل رئيسًا تنفيذيًا لوكالة الفضاء بدرجة وزير    53 مليون خدمة.. ماذا قدمت حملة "100 يوم صحة" خلال 34 يومًا؟    الداخلية تؤسس مركز نموذجي للأحوال المدنية فى «ميفيدا» بالقاهرة الجديدة    هيئة التأمين الصحى: إشراك القطاع الخاص ركيزة أساسية للتوسع المستقبلى    رئيس الوزراء يلتقى وزير الدولة للاقتصاد والتجارة والصناعة الياباني    بعد إلغاء تأشيرات دبلوماسييها.. أستراليا: حكومة نتنياهو تعزل إسرائيل    الماريجوانا على رأس المضبوطات.. جمارك مطار القاهرة تحبط محاولات تهريب بضائع وأسلحة بيضاء ومخدرات    أبرزها 10 أطنان مخلل.. ضبط أغذية منتهية الصلاحية ومجهولة المصدر ببني سويف    "الجبهة الوطنية بالفيوم" ينظم حوارًا مجتمعيًا حول تعديلات قانون ذوي الإعاقة    «عارف حسام حسن بيفكر في إيه».. عصام الحضري يكشف اسم حارس منتخب مصر بأمم أفريقيا    فرصة لطلاب المرحلة الثالثة.. تعرف الجامعات والمعاهد في معرض أخبار اليوم التعليمي    وقت مناسب لترتيب الأولويات.. حظ برج الدلو اليوم 19 أغسطس    محافظ سوهاج يُقرر خفض تنسيق القبول بالثانوي العام إلى 233 درجة    عماد النحاس يكشف موقف لاعبي الأهلي المصابين من المشاركة في المباريات المقبلة    حقيقة إصابة أشرف داري في مران الأهلي وموقف ياسين مرعي من مباراة غزل المحلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قمة الكرامة
نشر في الأهرام العربي يوم 28 - 02 - 2019

مقاربات لحل الأزمات الإقليمية وتأثيراتها على الجانبين

العرب والأوروبيون يحصدون نتائج يومين من المشاورات والتفاعل على أرض السلام

لأول مرة يتفق العرب والأوروبيون على الحوار، وجاء التمثيل على مستوى الزعماء والقادة أكثر من مبهر، وكانت مصر جاهزة لهذا الحدث التاريخى بتنظيم أذهل العالم، وكلمات القادة والزعماء فى الجلسات العامة والافتتاحية والتفاعلية دليل على التحول الكامل نحو «مساحات جديدة من الاتفاق» بين الجانبين - العربى والأوروبى - فما المكاسب التى تحققت للعرب والأوروبيين فى أول قمة تجمع أعضاء جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبى؟
كيف يمكن البناء على ما تحقق للجانبين؟ وإلى أى مدى تستطيع الدول العربية أن تعزز مكاسبها المحلية والإقليمية والدولية من الحضور والتفاعل فى مؤتمر شرم الشيخ؟ ولماذا تعد أول قمة عربية أوروبية علامة جديدة على تحول فى الفكر والسياسة الأوروبية تجاه الدول العربية؟
المؤكد أن القمة العربية - الأوروبية كانت ضرورة ليس فقط لأن الجانبين لهما نفس «المغارم والمغانم» بحكم الجوار الجغرافى، لكن أيضاً كان الحوار ضرورة لاكتشاف مساحات جديدة من التوافق الأوروبى - العربى، بعد أن أجرت أوروبا حوارات وقمما سابقة مع الكتل السياسية والجغرافية حول العالم، فهناك القمم الأوروبية مع روسيا والصين واليابان والاتحاد الإفريقى، وربما شعرت أوروبا فى مرحلة ما سابقة، أنها ليست مضطرة لإجراء هذا الحوار على هذا المستوى الرفيع مع الدول العربية، خصوصا أن هناك دولا أوروبية كانت تشعر بعد ما سمى بثورات الربيع العربى أنها بعيدة عن مشاكل المنطقة العربية، لكن بعد أن أصبحت قضايا الشرق الأوسط والمنطقة العربية محور التفاعلات الداخلية فى الدول الأوروبية وداخل الأحزاب نفسها، شعرت أوروبا أنه حان الوقت للحديث مع الدول العربية من منطلق المخاطر المشتركة، وتعزيز الاستقرار فى المنطقة العربية بما يعود بالاستقرار على أوروبا، ولهذا تم الاتفاق على أن يكون شعار القمة «الاستثمار فى الاستقرار».
أكد الحضور القوى بأكثر من 20 قائدا وزعيما ورئيسا ورئيس حكومة من دول الاتحاد الأوروبى مع 20 آخرين من العالم العربى وجود إرادة سياسية لدى الجانبين للاستفادة من إمكانات الطرف الآخر السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية، لذلك حرض كبار قادة الدول الأوروبية على المشاركة فى القمة العربية - الأوروبية، وفى مقدمتهم رئيسة الوزراء البريطانية تريزا ماى، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والرئيس الرومانى، الذى تترأس بلاده الاتحاد الأوروبى منذ يناير حتى 30 يونيو 2019 لحضور القمة، على الجانب العربى كان حضور خادم الحرمين الشريفين لفاعليات القمة مع ملك البحرين وأمير الكويت ورؤساء تونس والعراق ورئيسى الوزراء فى لبنان والمغرب له معنى خاص، فهذا أرفع تمثيل لنحو 50 دولة من دول الاتحاد الأوروبى والدول الأعضاء فى الجامعة العربية منذ نشأة الجامعة العربية فى 1945 والاتحاد الأوروبى عام 1952، وشكل هذا الحضور الأوروبى والعربى القوى، رسالة للعالم بأن “مصر آمنة ومستقرة”، ولديها قدرات تنظيمية عالية، وأن مصر عادت مرة أخرى وبقوة لتلعب دورها المنوط بها فى نشر السلام والأمان، وأنها كما كانت فى الماضى، ها هى جسر للتواصل الحضارى والثقافى بين كتلتين من أكبر الكتل السياسية والجغرافية والاقتصادية على مستوى العالم، كما شكل هذا الحضور دعما علنيا للأجندة المصرية، سواء على المستوى المحلى والعربى أم على المستوى العالمى، والحضور الرفيع خير دليل على أن ما يجمع المنطقتين - العربية والأوروبية - يفوق بما لا يقاس ما يفرقهما، كما يعكس الحضور القوى من الجانبين - العربى والأوروبى - الاهتمام والحرص المتبادلين بين الطرفين على تعزيز الحوار والتنسيق فيما بينهما، تدعيما لقنوات التواصل القائمة على المستوى الثنائى، وأملا فى الوصول لرؤية وتصور مشترك لكيفية التعامل مع الأخطار والتحديات المتصاعدة.
نجحت مصر فى هذه القمة فى أن تقدم نفسها “كدولة مبادرات”، فمصر هى من اقترحت عقد القمة العربية - الأوروبية، وهى من نجحت فى جمع كل هذا التوافق العربى - الأوروبى حول أجندة المؤتمر، بل أشاد كل القادة العرب والأوروبيين بالرؤية المصرية فى طرح أساليب النقاش والحوار، حيث أبدعت مصر فى توفير مساحات لآراء الزعماء المشاركين، من خلال تخصيص ثلاثة أنواع من الجلسات، وهى الجلسات الافتتاحية والختامية، والجلسات العامة التى يلقى فيها المشاركون بياناتهم، والجلسات التفاعلية التى يتحدث فيها القادة بحرية وتفاعل ونقاش حر، أثمر عن نجاح غير مسبوق للقمة العربية - الأوروبية، وبرغم العدد الكبير من الزعماء المشاركين فى القمة، فإن هذا النمط الثلاثى من تفاعل القادة أسهم بشكل كبير فى تقارب المواقف، وتفهم كل طرف لاحتياجات الطرف الآخر.
نجحت القمة فى تحقيق رؤى مشتركة ومسار عمل متفق عليه بين الدول العربية والأوروبية، فالمعروف أنه ولوقت طويل كانت الدول الأوروبية، ترى أنها بعيدة كل البعد عن “ لهيب ودخان “ الشرق الأوسط، وأن هذه الأزمات لن تؤثر على أوروبا، وأن الرخاء والرفاهية الأوروبية، لا يمكن أن تصلها ألسنة اللهب من المنطقة العربية، لكن بعد معاناة أوروبا من ظواهر الإرهاب والهجرة غير الشرعية، والجريمة المنظمة شعرت أن عليها الانخراط فى حل أزمات المنطقة، لأن الأزمات القادمة من المنطقة أثرت بقوة على المشهد السياسى والاقتصادى الأوروبى، فنتيجة لموجات الهجرة غير الشرعية، خصوصا عام 2015 ووصول أكثر من 1.5 مليون لاجئ لأوروبا فى هذا العام، استغلت الأحزاب الشعبوية واليمينية المتطرفة السخط العام على هذه الظاهرة، فكان من نتيجتها الخروج البريطانى من الاتحاد الأوروبى يوم 29 مارس الجارى، ودخول حزب البديل من أجل ألمانيا للبرلمان الألمانى لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، بل احتل الكتلة الثالثة داخل برلمان أكبر اقتصاد فى أوروبا، وهو حزب شديد الكراهية للمهاجرين والأجانب، وبعد عدم تحقيق النتيجة التى توقعتها المستشارة ميركل فى انتخابات سبتمبر 2017، اضطرت لعدم الترشح لولاية خامسة، وتركت حزبها لقيادة كرينباور الجديدة، نفس المشهد فى إيطاليا وفرنسا، حيث وصلت مرشحة اليمين الفرنسى مارين لوبن للنهائى فى الانتخابات الرئاسية الفرنسية التى جرت فى مايو 2017، وفى العام الماضى وصلت حركة النجوم الخمس وحزب الرابطة الشعبويين إلى السلطة فى إيطاليا، ناهيك على مواقف متشددة ضد ظاهرة الهجرة فى غالبية الكتلة الشرقية من دول الاتحاد الأوروبى، هذا على مستوى تأثيرات الهجرة غير الشرعية، أما على صعيد الإرهاب فقد عانت كل الدول الأوروبية من تلك الظاهرة بما فيها ألمانيا التى استضافت أكبر عدد من اللاجئين، بالإضافة إلى تفجيرات باريس الدامية، وتفجيرات برشلونة وغيرها، لذلك شعرت الدولة الأوروبية، بأن عليها الانخراط فى حوار وعمل مشتركين مع العالم العربى، لمنع «الارتدادات السياسية» لظواهر الإرهاب والهجرة غير الشرعية والجريمة المنظمة، لذلك جاءت الكلمات الأوروبية داعمة لنظيرتها العربية فى كل هذه القضايا، بل رأينا لأول مرة حديثا أوروبيا عن ضرورة التعامل مع أصل هذه المشكلات وليس مع أعراضها.
أسست القمة لحوار أوروبى - عربى سوف يزداد تفاعلاً فى الفترة المقبلة، حيث اختفت “اللهجة الاستعلائية”، وكلمات النصح والوعظ من البيانات الرسمية التى ألقاها القادة الأوروبيون، وتحدثوا بتواضع شديد بأنهم والعالم العربى فى نفس المركب وذات التحديات، وأن قمة شرم الشيح ما هى إلا بداية لحوار صادق بين الجانبين، يقوم على تحقيق المصالح المشتركة وعدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول العربية، وكشفت القمة عن نجاح مصر فى بلورة مقاربات سياسية يجتمع حولها الجميع، فمصر قدمت رؤى ومقاربات تتعلق بمكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، ودعم الاستقرار فى الشرق الأوسط، وشكلت المقاربة التى طرحها الرئيس عبد الفتاح السيسى بشأن ضرورة محاربة الإرهاب بداية من إزالة الفكرة الخاطئة لدى المتطرفين، لأن مصر ترى أن الإرهابى قبل أن يحمل «بندقية وقنبلة» هو يحمل فكرة خاطئة، وإذا استطعنا من خلال خطاب معتدل ومستنير إزالة الفكرة الخاطئة، سوف يلقى الإرهابى بالبندقية والقنبلة من تلقاء نفسه، كما ترى مصر أنه لا توجد عمليات إرهابية بدون تمويل ودعم لوجستى ومالى ومادى من دول وأجهزة مخابرات، وأن تجفيف منابع التمويل هو الخطوة الثانية فى وقف ظاهرة الإرهاب، لذلك دعا الرئيس السيسى أثناء قمة شرم الشيخ، وكرر ذلك فى قمة ميونخ الأخيرة للأمن والقمة العربية الإسلامية الأمريكية، التى استضافتها المملكة العربية السعودية بتجفيف منابع تمويل الإرهاب.
ويتساءل الرئيس عبد الفتاح السيسى كثيراً، عن ضرورة تشكيل جبهة واحدة وصلبة ضد الدول التى تأوى الإرهابيين، وتقدم لهم الدعم المالى وعلاج المصابين منهم، بالإضافة إلى ضرورة أن تتكاتف الجهود الأمنية للدول من جيوش وشرطة مدنية وتبادل صادق وأمين للمعلومات الاستخباراتية، لأنه نظراً لأن العناصر الإرهابية عابرة للحدود، وهذا يتطلب أن يكون التعاون بين الدول لمكافحة ظاهرة الإرهاب عابراً للحدود أيضاً، ويجب - من وجهة النظر المصرية - أن يترافق كل ذلك «بعدم الانتقائية» فى مكافحة الإرهاب، بمعنى مكافحة كل الإرهاب وليس داعش فى سوريا والعراق فقط، فخطر الإرهاب مستشر فى قارات العالم بداية من بوكو حرام وحركة الشباب والقاعدة والمرابطون وغيرهم فى إفريقيا، والمجموعات المسلحة فى أفغانستان وشرق وجنوب شرق آسيا خصوصا فى جنوب الفلبين، وصولا ً للمجموعات الإرهابية فى أوروبا، حيث أشارت الأرقام إلى وجود أكثر من 45 ألف داعشى محتمل فى بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإسبانيا، وفق المفوض الأوروبى لشئون الإرهاب.
كما أن مصر من أوائل الدول التى طالبت بوجود رؤية دولية للتعامل مع العائدين من ساحات الإرهاب، حتى لا يشكل هؤلاء خطرا على الأمن العالمى خلال الفترة المقبلة، فى ظل وجود أكثر من 70 ألف إرهابى تحميهم تركيا فى محافظة أدلب وشمال حلب، وتحاول أن تبنى لهم منطقة آمنة لتجميع كل الإرهابيين هناك، لأن خطر الإرهاب البغيض بات يستشرى فى العالم كله كالوباء اللعين، سواء من خلال انتقال العناصر المتطرفة عبر الحدود من دولة إلى دولة، أو باتخاذهم بعض الدول ملاذا آمنا، لحين عودتهم لممارسة إرهابهم المقيت، أو من خلال حصولهم على الدعم والتمويل، مختبئين وراء ستار بعض الجمعيات المشبوهة، بالإضافة إلى توظيفهم لوسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، لتجنيد عناصر جديدة والتحريض على العنف والكراهية، وهو ما يؤكد الحاجة إلى وحدة العمل الأوروبى - العربى أمام هذا الخطر، والوقوف صفاً واحدا ضد هذا الوباء، الذى لا يمكن تبريره تحت أى مسمى.
نجحت القمة العربية - الأوروبية فى التأكيد على الموقف الأوروبى - العربى المشترك الذى يقف خلف حل الدولتين، وضرورة تقرير مصير الشعب الفلسطينى فى دولة على حدود 4 يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وقد تلاقت المواقف العربية، من خلال كلمات الرئيس عبد الفتاح السيسى وخادم الحرمين الشريفين، مع كلمات دونالد توسك رئيس المجلس الأوروبى، ويحسب للجانب العربى أن حافظ على تماسك الموقف الأوروبى الداعم للقضية الفلسطينية، من خلال عدد من الخطوات قام بها الاتحاد الأوروبى فى الفترة الماضية، أبرزها رفض قرار الرئيس دونالد ترامب بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب للقدس، واعتراف 18 برلمانا أوروبيا بدولة فلسطينية على حدود 1967، واعتراف دولتين أوروبيتين بدولة فلسطين هما اليونان والسويد، ورفض الدول الأوروبية استيراد المنتجات الإسرائيلية التى تم تصنيعها أو زراعتها فى المستوطنات الإسرائيلية فى الضفة الغربية والقدس.
كما تقاطع الجامعات الأوروبية، الجامعات والمعاهد الإسرائيلية فى الضفة الغربية والقدس، وبرغم أن الموقف الأوروبى هو موقف إيجابى من السلطة الفلسطينية، من خلال دعمها بأكثر من 4 مليارات دولار الفترة الماضية، وتعويض نقص الدعم الأمريكى لمنظمة الأونروا، فإن انتظار تحرك أوروبى منفرد بعيد عن الولايات المتحدة الأمريكية على المسار السياسى، يحتاج مزيداً من الوقت ومزيدا من التحفيز للجانب الأوروبى، حتى يكون محركا وقائدا للجهد الدولى بشأن القضية الفلسطينية، خصوصا بعد فشل المبادرة الفرنسية التى طرحها الرئيس الفرنسى السابق فرانسوا أولاند، بعقد مؤتمر دولى للسلام قاطعته إسرائيل ولم يتحمس له الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما، وقدمت مصر رؤيتها التى اتفقت وأجمعت عليها كل الدول العربية، بضرورة حل القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية على حدود 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وأن هذا الحل هو فقط ما ينزع الذرائع التى يتذرع بها الإرهابيون، وأن الحل العادل هو فقط ما يدوم للأجيال المقبلة، وأن فرض أى حلول جزئية أو اقتصادية أو حدود مؤقتة لن يساعد على استقرار الشرق الأوسط، وأن مفتاح الاستقرار فى حل القضية الفلسطينية، وهذا يؤكد موقف مصر والعرب الثابت من القضية الفلسطينية، وليس كما روجت قطر وإعلامها بأن هناك تنازلات بشأن القضية الفلسطينية.
من المكاسب التى يحق للدول العربية والأوروبية الاعتزاز بها فى القمة العربية - الأوروبية هو توافق وجهات النظر العربية - الأوروبية، والأوروبية - الأوروبية على ضرورة حل الصراع فى ليبيا بالطرق السلمية، خصوصا أن أطرافا مهمة فاعلة فى الملف الليبى كانت حاضرة منها وزير الخارجية الفرنسى جان ايف لودريان، ورئيس الوزراء الإيطالى جوزيبى كونتى الذى حرص خلال لقائه الرئيس السيسى على دعم الجهد المصرى لتوحيد المؤسسة العسكرية الليبية وقد قطعت القاهرة شوطاً كبيراً فى سبيل ذلك، كما كان هناك اهتمام لافت للنظر بالملف الليبى خلال المناقشات الجانبية التى أجرتها مسئول الخارجية بالاتحاد الأوروبى، فدريكا موجرينى، التى أشادت بدور مصر فى إعادة الاستقرار إلى ليبيا، وكان هناك اتفاق بين العرب والأوروبيين بأن استمرار الأزمة الليبية يعنى استمرار الهجرة غير المنظمة من الشواطئ الليبية باتجاه أوروبا، واستمرار تجار البشر فى الجريمة العابرة للحدود، وأن الأزمة الليبية قاسم مشترك فى أزمات عدة، تعانى منها دول المنطقة والدول الأوروبية على السواء، ولهذا اتفق الجميع على ضرورة تحقيق الحل السياسى فى ليبيا وصولاً لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وكانت القمة فرصة للتأكيد على محددات السياسة الخارجية المصرية فيما يتعلق بالملف الليبى، وهى رفض مصر للتدخلات الخارجية فى ليبيا، وترك الليبيين يقررون مصيرهم بأنفسهم، وأن الحل السياسى هو الحل الوحيد للأزمة الليبية وفق اتفاق الصخيرات.
اللافت للنظر كان هناك توافق بضروة حل الأزمة اليمنية بالطرق السلمية، من خلال إنجاح اتفاق السويد، واستنادا لمخرجات الحوار الوطنى اليمنى، والمبادرة الخليجية، والقرار 2216.
لم تناقش القمة قضايا حقوق الإنسان، باعتبار أن هذه القضية تخص كل دولة، ومن مبادئ القانون الدولى عدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول الأخرى، وأن تقام العلاقات على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، كما أن هناك منتديات لمناقشة هذة القضايا مثل المجلس الدولى لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ومصر عضو منتخب فى المجلس الدولى لحقوق الإنسان ومقره جنيف بسويسرا، لكن بعض الصحفيين تطرقوا لهذه القضية فى المؤتمر الصحفى الختامى الذى حضرة الرئيس عبد الفتاح السيسى، ونظراً لأن مصر ليس لديها ما تخفيه فى هذا الملف، كان المؤتمر الصحفى فرصة للرد على كل الادعاءات والأكاذيب التى تتعلق بحقوق الإنسان فى مصر، خصوصا الموجة الأخيرة من الانتقادات التى تتعلق بإعدام 9 من الذين قتلوا النائب العام السابق الشهيد هشام بركات، وكان رد الرئيس السيسى منطقيا وعقلانيا وينطلق من الحقائق، بأن هنا فى المنطقة العربية ثقافة تختلف عن الثقافة الأوروبية، وأن أول شىء يفكر فيه أهالى الشهيد هو كيفية أن يأخذوا حق ابنهم، وهناك طريقان لاستخلاص هذا الحق، إما عن طريق الثأر بين أهالى الشهداء والإرهابيين، وهذا سيشكل نوعا من الفوضى، والفعل ورد الفعل.
والمسار الثانى الذى تتخذه الدولة المصرية هو أن يأتى حق الشهداء بالقانون، وفق إجراءات قانونية وقضاء مصرى مستقل وعادل وطبيعى، فجميع القضايا تنظر أمام القضاء الطبيعى المصرى، وليس قضاء استثنائيا أو محاكم خاصة على غرار محاكم نورنبرج، التى خصصها الحلفاء لفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، بالعكس، الإرهابيون فى مصر تتم محاكمتهم أمام قضاء طبيعى ويتمتعون بكل الحقوق، والحكم يتم فى درجات مختلفة، وإذا تأكد الحكم بشكل نهائى وفى مختلف الدرجات القضائية يتم التنفيذ، بعض الدول الأوروبية لا تطبق عقوبة الإعدام، وهذا شأنها وثقافتها، لكن كثيرا من الولايات فى الولايات المتحدة الأمريكية نفسها تطبق عقوبة الإعدام، وهذا يرجع إلى ثقافة كل ولاية داخل الدولة الواحدة، الأمر الآخر فى قضية حقوق الإنسان هو النظرة الشاملة لهذه الحقوق، فالحقوق الاجتماعية والاقتصادية يجب أن تكون بجانب الحقوق الأخرى، كما يجب أن يكون معروفا للجميع أن “ الحق فى الحياة “ يجب أن يكون مقدماً على باقى الحقوق، فالإرهابى يقتل الشهيد دون محكمة ودون سابق إنذار، فكيف يكون هناك حديث عن «حقوق الإرهابيين» دون الحديث عن «حقوق الشهداء» .
ربما أبرز النجاحات التى شهدتها القمة العربية الأوروبية، هو وضع “خريطة طريق” للعمل الأوروبى - العربى خلال الفترة المقبلة وكيفية العمل معا لمواجهة التحديات المشتركة، والاتفاق على عقد القمة المقبلة، فى بروكسل 2022، لأن الآليات السابقة لم تضمن وضع مسار يجمع الجهد الأوروبى والعربى على طاولة موحدة تحقق أهداف الطرفين، لكن قمة شرم الشيخ والبيان الختامى الصادر عنها شكلا معالم طريق للعمل العربى - الأوروبى المشترك فى حل الأزمات، خصوصا أن بعض الدول والقادة طرحوا حلولا عملية للفترة المقبلة، عندما تحدث الرئيس السيسى عن ثلاثة محاور هى: الدولة الوطنية عندما قال: “لقد أثبت تاريخ منطقتنا الحديث، أن استمرارية كيان الدولة الوطنية وصيانتها، وإصلاحها فى الحالات التى تقتضى ذلك، هو مفتاح الاستقرار، والخطوة الأولى على طريق إعادة الأمن للشعوب، التى طالها الخوف والقلق على المستقبل، وبما يفتح الباب أمام جهود التنمية.
ومن ثم، فإنه يتعين تعزيز التعاون بين دولنا، بغرض تدعيم مؤسسات الدولة لمواجهة التحديات الصعبة، مع الاعتداد بمبدأ المواطنة فى مواجهة دعوات الطائفية والتطرف، وأن الدولة هى المسئولة بصفة أساسية عن ضبط حدودها، وضمان احترام حكم القانون، وصيانة أرواح وحقوق مواطنيها. ولذا فلا يمكن الاعتداد بأية دعوى، أياً كان مصدرها أو دافعها، من شأنها الدفع نحو هدم الدول ومؤسساتها، حيث إن ذلك وبكل بساطة، ينافى كل منطق، كما يتناقض مع التجربة التاريخية الحديثة التى عايشتها شعوب المنطقة، مع التأكيد بالتوازى على حق الشعوب، فى تلبية طموحاتها المشروعة، فى الديمقراطية والتنمية، فى إطار الدولة الوطنية المدنية الحديثة، ثانيا الحديث بكل صراحة عن الأطراف التى توفر غطاء سياسيا للإرهابيين، والمحور الثالث الذى طرحه الرئيس تحول المنطقة من منطقة ازمات وصراعات إلى منطقة نجاحات، وقال السيسى: لقد أصبح من الضرورة القصوى أن تتحول منطقة الشرق الأوسط من منطقة “للنزاعات” إلى منطقة “للنجاحات”، وهو ما يستلزم التعاون الصادق بين منطقتينا الأكثر تضرراً بهذه النزاعات، واللتين ستكونان الأكثر استفادة على الإطلاق من هذه النجاحات، مما يستدعى التغاضى عن المصالح الضيقة، والعمل مع أطراف النزاع، عبر التحفيز وأحياناً الضغط المحسوب، بهدف تنفيذ القرارات الأممية، التى تمثل نهجاً ملزماً متفقاً عليه، لتسوية تلك النزاعات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.