لا تزال الأزمة اليمنية تراوح مكانها، وما فتئ المبعوث الأممى مارتن غريفيث يدور فى حلقة مفرغة، نتيجة لتعنت الميليشيات المسلحة، ورفضها تنفيذ التعهدات التى التزمت بها فى اتفاق السويد الأخير، وفى مقدمتها الإفراج عن المعتقلين، برغم أنها أعلنت فى البداية موافقتها على ما تم التوصل إليه، وقدمت قائمة بأسماء عناصرها، وتسلمت من الشرعية قائمة مماثلة بأسماء المعتقلين الذين تحتجزهم فى سجونها، فإنها عادت وتنصلت من تنفيذ الاتفاق بذرائع واهية وحجج غير مقنعة، فى مقدمتها أن أعدادا كبيرة من الذين وردت أسماؤهم فى القائمة التى قدمتها الشرعية غير الموجودين لديها، وأن بعضهم قتلوا. كما رفضت الجماعة الحوثية الانسحاب من ميناء الحديدة وتسليمه للأمم المتحدة، حسب المقترح الأممى الذى ارتضت به فى البداية، ولجأت إلى حيلة ساذجة عندما جاءت بمقاتليها، وزعمت أنهم العناصر الذين سوف يتولون مسئولية حفظ السلام فى الميناء، وهى حيلة لا تكشف إلا عن قصور فى الفهم ورغبة فى بيع الوهم. وآخر التجاوزات التى ارتكبتها الميليشيات هو الاعتداء الآثم على قاعدة العند، الذى راح ضحيته عدد من قادة الجيش الوطني. هذه التصرفات غير المسئولة تنسجم تماما مع طبيعة الجماعة المارقة التى استولت على السلطة بانقلابها المشئوم، ورفضت التعاطى الإيجابى مع جميع المحاولات الدولية الرامية لوضع حد للمأساة الإنسانية التى يشهدها اليمن، لأنها غير معنية فى الأساس بها، ولا تلقى بالا لمعاناة الشيوخ المرضى، ولا تهتم ببكاء الأطفال الجوعى، لسبب بسيط هو أنها تتصرف بذهنية الميليشيات وعقلية العصابات. لذلك فإن المجتمع الدولى يرتكب خطأ كبيرا عندما يتمسك بالتعامل معها على أنها «سلطة أمر واقع»، كما وصفها أحد بيانات الأممالمتحدة، بينما يفرض واقع الحال النظر إلى الأمور على حقيقتها، وتغيير أسلوب التعاطى مع طرفى النزاع فورا، والتعامل مع الحوثيين على أنهم سلطة غاصبة، وجماعة مارقة على إجماع المجتمع الدولي، حسبما وصفهم مضمون القرار 2216 الذى أصدره مجلس الأمن الدولى بالإجماع، ودعا إلى ملاحقتهم، وفرض حظرا على أموال قادتهم. السلوك الحوثى غير المسئول لم يفاجئ المراقبين المتابعين لسير مفاوضات السلام السابقة، سواء فى جنيف أو الكويت، لأنهم رأوا بأعينهم العراقيل التى كان الحوثيون يضعونها أمام سير التفاوض، ومساعيهم المتواصلة لإبقاء الأمور على ما هى عليه، تنفيذا لأجندة إيرانية تريد استخدام الأزمة فى اليمن كورقة ضغط سياسي، لتحقيق أجندة خاصة بساسة طهران. حتى مشاركتهم فى المفاوضات، لم تكن بهدف التوصل إلى حلول مرضية للجميع، بل كانوا يهدفون منها إلى وقف العمليات العسكرية، ريثما يحصلون على أسلحة يهربها لهم نظام الملالى عبر ميناء الحديدة، حتى يحصلوا على فرصة لالتقاط الأنفاس وتنظيم الصفوف، خصوصا بعد التقدم المستمر لقوات المقاومة الشعبية والجيش الوطني، بدعم كبير من طائرات التحالف العربي. لذلك فإن المصلحة تستلزم من القوات الموالية للشرعية وقوات التحالف العربى أن يكونوا على أهبة الاستعداد لشن المعركة الفاصلة باستعادة مدينة وميناء الحديدة، والتقدم نحو دحر الانقلابيين فى العاصمة صنعاء وجميع المحافظات الأخرى، بمجرد أن يعلن المبعوث الدولى فشله فى إلزام الحوثيين بتنفيذ اتفاق ستوكهولم – كما هو متوقع – ويعلم الجميع أن الاستعدادات كانت قد وصلت ذروتها قبيل بدء جولة مفاوضات السويد، وأن الشرعية كانت قاب قوسين أو أدنى من بدء معركة التحرير الشاملة، وأنها توقفت عن استعادة الميناء الإستراتيجية نزولا عن رغبة المجتمع الدولى، الذى أراد منح المتمردين فرصة أخيرة للحل السياسى السلمي، وهو ما وافقت عليه حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي. أما إذا ثبت فشل تلك الجهود، واستمر المتمردون فى عنادهم وتصلبهم، فإن الحل الوحيد هو التعامل معهم بالأسلوب الذى يعرفونه، وطردهم بالقوة، وإرجاعهم إلى جحورهم التى كانوا عليها فى السابق، فالأزمة الإنسانية فى اليمن لم تعد تحتمل المزيد من الانتظار وإضاعة الوقت.