د. أحمد الدوينى: الاستخدام المبالغ لأجهزة السونار فانتازيا ليس لها لزوم د. أحمد عارف: بعض القنوات الفضائية أحد أسباب استغلال المرضى
على الرغم من أن تخصص أمراض النساء والتوليد لا يدخل ضمن التخصصات التي تتطلب المبالغة في الرفاهية، فإنه في السنوات الأخيرة أصبح من أكثر الأسباب التي ترهق الأسرة المصرية، وذلك بدءا من ارتفاع كشف الطبيب مرورا بأجهزة الكشف والأشعة المبالغ فيها وانتهاء بالولادات القيصرية التي فرضت نفسها علي غرف العمليات أخيرا، لا سيما عمليات الحقن المجهري بداع أو بدون داع وكله بأمر الطبيب.
كانت البداية مع جيداء ربيع 37 سنة قائلة: كنت أتردد على طبيبى الخاص منذ أكثر من خمسة عشر عاما لم أكن أعرف غيره حتى بعد أن تزوجت وأنجبت ثلاثة أولاد، وخلال هذه السنوات كنت أتابع مع الدكتور نفسه، ولكن على فترات، عندما كنت ألجأ إليه كنت أتفاجأ بأجره الذى يرتفع يوما بعد يوم، هذا بخلاف عدد الساعات التى كنت أقضيها فى عيادته لمقابلته، حتى وجدت نفسى أشعر بشقاء البحث عن موعد عنده، وكذلك إدخار ثمن «فيزيته» من الأكل والملبس حتى أستطيع توفير سعر الكشف الذى وصل لألف جنيه أخيرا، وروشتة علاج تتجاوز الخمسمائة جنيه، لذلك قررت البحث عن طبيبة أخرى عيادتها فى نفس المربع السكنى الذى أعيش فيه، ولكن الحقيقة كانت تجربة فى منتهى السوء، فعندما ذهبت إليها وكنت فى بداية شهور حملى لطفلى الرابع، وكنت أبحث عن طريقة للتخلص منه، وجدتها تقول لى إننى بحاجة لأشعة وتقبلت الموضوع بشكل طبيعي، لكننى فوجئت بعد السونار بأن سعر السونار لوحده ألفا جنيه، وعندما تعجبت من أنه مبالغ فيه قالت لى إن هذا السونار بجهاز أشعة رباعى الأبعاد المعروف ب (4d)، وأنه جهاز اشترته الدكتورة بأكثر من خمسين ألف جنيه، لأنه جهاز دقيق جدا، وبعيدا عن كون السونار مبالغا فى ثمنه، ولم يختلف الأمر شيئا عن طبيبى الذى هربت من زيارته تفاديا لارتفاع أجره، وجدت الدكتورة تقول لى أنت بالفعل حامل، ولكن كيس الطفل بداخل الرحم فارغ ولابد من عملية جراحية للتخلص منه، فتقبلت الخبر وحمدت الله لأننى فى الأساس كنت أبحث عن وسيلة للتخلص منه، ولكنها فاجأتنى بأنها ستجرى لى هذه العملية مقابل خمسة آلاف جنيه. وبصراحة شعرت بأنه رقم أيضا مبالغ فيه، وقبل أن أتخذ القرار فى كونى سأستمر معها أم أبحث عن طبيب آخر وجدت صديقة لى تطلب منى أن أذهب معها لطبيبة النساء الخاصة بها التى نصحتنى كثيرا بزيارتها، فوافقت وذهبت معها وعندما حكيت لها عن تجربتى مع الطبيبة الأخرى رفضت التعليق وقالت لى سأجرى سونارا ونتأكد من صحة كلام الدكتورة وكانت الصدمة بأنها وجدت الطفل، يتحرك فى بطنى ولا صحة لكلام الطبيبة الأخرى نهائيا التى كانت سترهقنى بعملية وأخذت تماطل فى الوقت حتى دخلت مرحلة الخطر ولا يمكننى التخلص من الطفل ولذلك لم ولن تتكرر زيارتى لها مرة أخرى وللأسف قلت لنفسى مادمت سأدفع مبالغ طائلة فى كل الحالات يصبح من الأفضل التردد على طبيب مضمون بدلا من تجارب قد تضر حياتي.
وتستكمل الحديث نشوى فؤاد: الولادة القيصرية هى الخيار الأوحد الآن عند أطباء النساء والتوليد وفى المستشفيات التى يتعاملون معها دون مراعاة الظروف المادية لأسرة تعيش ظروف صعبة منذ اليوم الأول الذى تكتشف فيه الزوجة أنها حامل، وأيضا تستعد لتكلفة إضافية لطفل جديد والكل يعرف كم أصبح بالفعل أمرا مكلفا جدا، فقد تتجاوز الولادة بمفردها الثلاثين ألف جنيه أجرة الطبيب والمستشفى فقط دون أية تفاصيل أخري.
والغريب أننى منذ ثلاثة عشر عاما، عندما كنت عروسا فى أول سنة زواجاً، كانت كل صديقاتى يخترن الولادة القيصرية خوفا من آلام الولادة الطبيعية ولكن الآن أصبح قرار الولادة القيصرية بيد الطبيب مهما كانت حالة الأم والجنين، وهو الأمر الذى يجعل كل من هى بحاجة لزيارة طبيب النساء والتوليد تفكر ألف مرة قبل زيارة الطبيب، وحتى لو كانت تتعامل معه منذ سنوات طويلة تكتشف أنه مع مرور الوقت بات لقاؤه آخر المطاف بعد المرور بمساعديه وتلاميذه، بينما هو يظهر فى نهاية الزيارة لتبرير المبالغة فى أجره، هذا بالإضافة إلى النصيحة الدائمة المتكررة لكل صديقاتى اللاتى تأخرن فى عملية الإنجاب وهى الحقن المجهرى دون أى خطوات أخرى وهى عملية تتكلف عشرات الآلاف من الجنيهات .
ويتحدث د. أحمد بهاء الدويني، استشارى أمراض النساء والتوليد ومؤسس جبهة الإصلاح الصحي، قائلا: هناك بعض الأطباء الذين يستخدمون أساليب للحصول على أكبر أجر ممكن لتعويضه المبالغ الكبيرة التى ينفقها على الأجهزة الغالية التى يحرص على توفيرها فى عيادته لاستقطاب المريضات، وأنه بذلك يقدم لهن خدمة غير موجودة فى عيادات أخرى سوى عيادته الخاصة، وفى رأيى الشخصى أن كل هذه النوعية من الأجهزة بداية من التشخيص بالسونار الأبيض والأسود إلى أجهة الأشعة رباعية الأبعاد ما هى إلا فانتازيا ليس لها لزوم، ولكن الطبيب يقنع بها المريضة أو المرأة الحامل نظرا لكونه جهازاً بالفعل مكلفا، ولكن لا يتطلب استخدامه سوى مرة واحدة كل عشرة أيام مثلا، فلا يلزم استخدامه أكثر من 2 فى المائة فقط من الحالات التى تتردد على عيادته، ومن هنا لا يكافئ الوضع شراء جهاز بكل هذه الآلاف، ومن هنا يجبر المريضة على المشاركة فى هذه الجريمة، ويقول لها إنها بحاجة لإجراء سونار ويفاجئها بسعره وهى لا تملك حينها الاعتراض فهى بالفعل بين يديه ويعتبره جزءاً أساسياً ومهم من الكشف وهو أمر طبيعى فكيف يعوض مبلغ شرائه لهذا الجهاز غير المبرر توفيره فى عيادة بسيطة، ومن المفترض أن يتم استخدام مثل هذه الأجهزة فى مراكز طبية كبيرة وليس فى عيادة طبيب خاصة، وذلك بالإضافة إلى الفندقة الزائدة التى قد تكلف الأسرة من عشرين إلى ثلاثين ألف جنيه فى عملية ولادة من المفترض ألا تتجاوز الستة آلاف جنيه فقط كتكلفة حقيقية لأدوات مستخدمة فعليا، ومن هنا يشارك المستشفى الطبيب فى استغلال المريض، وفى حالات كثيرة قد يستغل الطبيب ظروف المريضة فى تجربتها الأولى وقلة خبرتها وهو للأسف ما يؤكد أن البعض من الأطباء ليس لديه أمانة مهنية فيستغل الطبيب ثقة الأسرة فيه ويستنزفها ماديا لصالحه.
وأنا شخصيا عندما تأتى لى امرأة حامل ظروفها الصحية طبيعية وليست بحاجة للولادة القيصرية، أوضح لها ذلك وأصر فى حالات كثيرة على إقناعها بالطريقة الطبيعية، ولكن هناك حالات يكون لديها ذعر شديد من الولادة الطبيعية، وعندما أفشل فى إقناعها بأن الولادة الطبيعية الأفضل بالنسبة لها أحترم رأيها وأنفذه، ولكن بعد التوضيح لها وهى الأمانة التى لابد أن تكون متوفرة عند الطبيب منذ البداية، لأن هناك حالات يصبح الاستخدام المفرط لجهاز الأشعة والتعرض له أمرا خطيرا عليها، وتأتى لى المريضة مصممة على إجراء السونار وهى لا تزال حاملا فى شهرها الأول، ومن المفروض ألا تتعرض لجهاز السونار والمفترض أن أمانة الطبيب تحتم عليه ألا يستجيب لما تقوله المريضة، لأنه علميا يجب ألا تتعرض لجهاز السونار إلا بعد ثمانية أسابيع، وهذا لا يحدث للأسف، فضلا عن كون الطبيب دائما يصر على التدخل الجراحى للأورام الليفية مثلا، بينما الأسلوب الصحيح فى العلاج هو أننى عندما أرى المريضة لا تشكو ألما أو معاناة لذلك من المفترض أن نأخذ عينة ونطمئن على بطانة الرحم وأن تأخذ المريضة علاجا دوائيا وليس جراحي، ولكن فى أغلب الحالات للأسف القط يعشق خناقه، والطبيب يكون مبدعا فى الإقناع، ولكن من المفترض أن يكون رأيى بما يتوافق مع الأمانة المهنية واستخدام أسلوب مناسب لحالة المريضة التى تصبح الأحوج للقرار السليم.
ويشترك د. أحمد عارف، أستاذ النساء والتوليد بمستشفى قصر العيني، مع الرأى السابق، مؤكدا أن الأمانة والضمير المهنى لابد أن يكونا هما المتحكمين الأول فى مهنة الطبيب، ويضيف قائلا: اللهث وراء استنزاف المريض أمر فى منتهى الخطورة وينافى تماما أخلاقيات المهنة وتساعد على ذلك بعض القنوات التليفزيونية التى تستضيف الطبيب بعدما تحصل منه على آلاف الجنيهات وقد تتجاوز الثلاثين ألف جنيه لمجرد الظهور على الشاشة وتقديم نفسه للجمهور، وتصبح دعاية مباشرة له كطبيب، ومن هنا يدفع الطبيب كل هذا المبلغ عوضا عن برامج وأقمار صناعية يتكلفهما مالك المحطة الفضائية ويبحث عن وسيلة يعوض بها غرامته المادية، ومن هنا يبحث عن الأطباء التى تلهث وراء البرامج المدفوعة، وكل جهة تبحث عن تعويض التكلفة المادية التى تكبدتها لتحقيق مكاسب أكثر، ولكن أؤكد مرة أخرى على الرأى نفسه بأن الضمير هو المفترض أن يكون أهم ما يميز الطبيب، وفى حالات كثيرة أرى هناك حرمانية من أن يختار الطبيب أسلوب العلاج ويفرضه على مريضة ليست لديها خبرة، لمجرد الكسب المادي، لذلك أرى أن مهنة الطب لن تنصلح إلا عندما تنضبط المنظومة الصحية من خلال وزارة الصحة ونقابة الأطباء، وهى الجهات الموكلة بالتحقيق فى مخالفات الأطباء واستغلالهم للمرضي، خصوصا أن هناك أيضا منافذ يجد المريض نفسه مطالبا فيها أيضا بإنفاق آلاف الجنيهات مثل عمليات الحقن المجهرى مثلا لطبيب قد لا ينصح المريض بالبحث عن أسباب تأخر الإنجاب، بل يختار عملية الحقن المجهرى السهلة التى تزيد تكلفتها على الثلاثة عشر ألف جنيه وهناك مستشفيات تتجاوز هذا المبلغ . بينما كان المفترض أن يبحث الطبيب عن خطوات أخرى كالتأكد من سلامة الأنابيب وعدم انسدادها لدى المرأة، والتأكد من أن الزوج لا يعانى مشكلات صحية عن طريق تحليل السائل المنوى وغير ذلك.