كيف يمكن أن تؤثر الأحداث المشتعلة في باريس والاحتجاجات والتطورات السياسية في أوروبا على الأقلية اليهودية في القارة العجوز؟ وهل يمكن أن تستغل الحكومة الإسرائيلية تطورات هذا المشهد لصالحها ولدعم إسرائيل؟ أسئلة بات طرحها الآن في منتهى الدقة خصوصا مع دقة المشهد الأوروبي الآن وتوقع عدد من الساسة والمسئولين استمرار الأزمات في أوروبا في ظل التغيرات السياسية التي تعيشها المنطقة، ويعمل عدد من المراكز البحثية جاهدة باستمرار وخلال الفترة الأخيرة على إلقاء الضوء على ما تسميه بأزمة معاداة السامية في أوروبا، وهي الأزمة التي تدفع بالكثير من اليهود الآن للخروج من أوروبا والتوجه لمواقع ودول أخرى بعيدا عن هذه الأزمة.
وباتت إسرائيل بالطبع بمثابة وجهة مقصودة للكثير من هؤلاء اليهود، وهو ما يظهر في تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتانياهو من فترة لأخرى، حيث يدعو اليهود إلى دولة الاحتلال ولو بصورة مؤقتة.
ومع رؤية تصاعد مسار الأحداث في أوروبا، نجد أن هناك مسارا آخر متصاعدا تملثه عدد من الاستطلاعات الإعلامية التي تتناول ما يسمى بمعاداة السامية أو كراهية اليهود وتفشيها في أوروبا. والملاحظ عقب هذه الاستطلاعات دائما وجود كتابات ودعوات دولية تطالب اليهود بضرورة الحذر والسفر إلى دولة الاحتلال الإسرائيلى، مع التركيز على أن سفرهم إلى تل أبيب هو "عودة" وليس "هجرة" كما تسميها وسائل الإعلام العالمية.
وعلى سبيل المثال أشار استطلاع للرأي أجرته قناة CNN عما أسمته بالحجم "الهائل"، بحسب وصف القناة لمعاداة السامية في أوروبا. ووفق الاستطلاع يتضح أن ربع الأوروبيين يؤمنون بأن اليهود يتحكمون بمجالي الأعمال والاقتصاد، ويعتقد واحد من كل أربعة أوروبيين تقريبا أن اليهود يتحكمون أيضا بمناطق الاشتباكات والحرب في العالم.
ومع متابعة هذا الاستطلاع سنجد أنه يلقي الضوء على ما أسماه بمعاداة اليهود في كل من النمسا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا والمجر وبولندا وسويسرا. ويشير موقع المصدر الإسرائيلي الصادر باللغة العربية، أن الاستطلاع يكشف عن آراء معقدة ومتباينة، ومقلقة بشأن المعلومات عن اليهود. ويقول ثلث الأوروبيين الذين شاركوا في الاستطلاع إنهم يعرفون معلومات قليلة أو لا يعرفونها أبدا، عن ظاهرة الهولوكوست، أو ما يسمى ب" الإبادة الجماعية" لما يقرب من ستة ملايين يهودي على يد الحكم النازي في عهد أدولف هتلر، في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي.
اللافت للنظر أن ما يقرب من 28% من المشاركين بالاستطلاع قالوا: إن معاداة السامية في بلدانهم تأتي كرد فعل على أعمال إسرائيل، فيما يعتقد 40% من المستطلعة آراؤهم، أن اليهود معرضون لخطر العنف لأسباب معاداة السامية.
وبالطبع أدى هذا إلى عمل الجمعيات والمنظمات اليهودية على تنظيم المظاهرات والمسيرات من أجل التنديد بهذه الأحداث، والأهم الإشادة بتعاطف إسرائيل مع اليهود والعمل جديا على استيعابهم لعودتهم إليها.
وتعد مثل هذه المسيرة الحاشدة التي أجراها اليهود الأوروبيون في شهر إبريل الماضي في ألمانيا، وهي المظاهرة التي حرضت القوى المشاركة بها على أن يشارك المسلمون والمسيحيون بها أيضا، وحملت عنوان «برلين تعتمر القلنسوة». وجاءت هذه المظاهرة عقب الاعتداء على أحد اليهود بالبلاد.
من جانبه أشار التليفزيون الإسرائيلي إلى دقة هذه القضية، مشيرا إلى التصريح الأخير الذي صدر عن الاتحاد الأوروبي أخيرا، والذي أعرب رسميا عن قلقه بعد أن أظهر أحد استطلاعات الرأي أن تسعة من أصل كل عشرة يهود أوروبيين، يعتقدون أن معاداة السامية ازدادت سوءا في السنوات الخمس الأخيرة. ونقل التليفزيون عن مصادر في وكالة الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية، إن 85 % من اليهود الذين شملهم الاستطلاع يعتبرون معاداة السامية المشكلة الأساسية في بلدانهم، وإن 38 % يفكرون بالهجرة.
اللافت للنظر هنا في التعاطي مع هذه الأزمة، أن هناك سعيا إسرائيليا يتزامن مع الاستغلال الحكومي الإسرائيلي لحصد أكبر قدر ممكن من المكاسب لتحقيق نقاط سياسية، ودفع اليهود في أوروبا إلى الهجرة إلى إسرائيل سعيا للتصدي لأي آثار سلبية تحصل بالمجتمع الإسرائيلي، خصوصا بالهجرات المعاكسة من إسرائيل للخارج، فضلا عن محاولة استغلال العقول الأوروبية اليهودية لإثراء إسرائيل.
عموما فإن الواضح أن المظاهرات الأوروبية تجري في ظل أجواء من التغيرات التي تعم العالم وأوروبا، وهي الأجواء التي تسعى إسرائيل إلى حصد أي مكاسب من ورائها بزيادة تهويد الأراضي العربية في فلسطين.