كثيرا ما يتهم الزعماء السياسيون بالغطرسة، وباستخدام السلطة بغرور وبطرق تخدم مصالحهم الذاتية. ونادرا ما يتمكن هؤلاء من تفادي النقد عندما يتخذون قرارات لا تحظى برضى العامة، إذ يتهمون عادة بأنهم مصابون "بجنون العظمة." فهل يبتعد قادتنا وزعماءنا فعلا عن الواقع عندما يتصرفون بطرق تبدو وكأنها تنم عن جشع بالسلطة؟ يقول عالم النفس "غاي كلاكستون"، أستاذ العلوم المعرفية في جامعة ونشستر الإنجليزية، -في تقرير أوردته بي بي سي العربية-قد يكون "لخلل في ذكاء" هؤلاء دور في تصرفاتهم. وقال "كلاكستون" في محاضرة ألقاها أمام مؤتمر للجمعية الطبية الملكية البريطانية عقد الأسبوع الماضي تحت شعار "الانتشاء بالسلطة"، إن الذكاء الإنساني عبارة عن أربعة منظومات ذهنية تعمل بتوافق فيما بينها، وإنه في حال عدم استخدام واحدة من هذه المنظومات تصبح عملية اتخاذ القرارات غير موثوق بها وقد تقود الى مخاطر. واضاف أن الزعماء في هذه الحالة يعمدون إلى اتخاذ قراراتهم بطريقة انفعالية بدل أن يخضعوا العملية للتحليل العميق والتفكير في العواقب المحتملة ومناقشة ذلك مع مستشاريهم - وعند ذاك يمكن للغطرسة أن تنطلق. ويقول كلاكستون "ليست هذه المنظومات الاربع منزهة عن الخطأ، ولذا فالانسان يحتاج إلى أن تكون كلها تعمل بتناغم كامل من أجل أن يتمتع بذكاء كامل." أما التطبيق العملي لهذا الاخفاق العقلي، فيتمثل في ايجاد آليات من شأنها الحد من الاستخدام المفرط والمنفلت للسلطة؛ ففي بريطانيا على سبيل المثال، يقوم مجلس اللوردات بمراجعة القرارات التي يتخذها أعضاء مجلس العموم. ولكن كلاكستون يقول إن ثمة مخاطرة أخرى عندما يتبوأ الزعماء مراكز بالغة القوة، "فالسياسة عندئذ قد تصبح خطرة حقا، إذ سيكون بمقدور هؤلاء الزعماء إعلان الحروب." ويعمد هؤلاء الزعماء إلى اللجوء إلى ما يصفه كلاكستون "بالغطرسة الإلهية" عندما يواجهون معارضة لأسلوبهم في القيادة من جانب العامة. ويقول "إن هؤلاء يحولون اسلوبهم في القيادة إلى شكل من أشكال التواضع، وكأنهم يستمعون الى اله يسكن داخلهم أو قوة عليا عندما يتخذون قراراتهم." ويضيف أنه عند هذه النقطة يبدأ الزعماء بخداع انفسهم والنظر إلى قيمتهم بشكل مبالغ فيه. ويقول كلاكستون إن التمتع بروح نكتة يعتبر امرا مفيدا لمحاربة مخاطر الانزلاق في هذه المتاهات. ويمضي للقول "كان الأباطرة الرومان في الماضي السحيق حريصون على اصطحاب مهرج معهم ليسخر منهم ويذكرهم بذلك بأنهم بشر عاديون." ويعني ذلك أنه من الضروري أن يضع الزعماء نصب أعينهم حقيقة أنهم ليسوا معصومين. "لا تعاطف"هناك خطر آخر يواجهه الزعماء والقادة، يتمثل في ميلهم إلى عدم التعاطف مع الآخرين، وهو موضوع تم تناوله بإسهاب في مؤتمر الجمعية الطبية الملكية. فقد أظهرت دراسات أجريت في مجال علوم الجهاز العصبي أن الدماغ الإنساني يستجيب لرؤية شخص آخر يتألم بتحفيز الشعور بالألم في نهايات الأعصاب، وذلك ليتسنى للانسان الشعور بألم الغير. وتشير البحوث إلى أن هذه المشاعر تضعف في حال يشعر الإنسان بالنفور من الشخص الذي يعاني من الألم. ويقول الدكتور جيمي وورد، مدرس علم النفس في جامعة ساسكس بانجلترا، إن للسلطة نفس التأثير، حيث "إنه من غير المرجح أن يقلد الشخص شخصا أقل منه منزلة أذا كان الأول ذو منزلة عالية لأنه من غير المرجح أن يتعاطف معه أساسا، هذا يعني أن الزعماء والقادة الأقوياء أقل تعاطفا مع غيرهم من البشر العاديين."