انتقد أحمد أبو الغيط، الأمين العام للجامعة العربية، ما وصفه بغياب الإرادة السياسية وضعف الدعم المقدم من جانب الدول الأعضاء للجامعة في بعض الأحيان ورأي أن ذلك من شأنه أن يقلل من هامش حركة الجامعة العربية وفاعليتها في التعامل مع التحديات والمخاطر التي تواجه العالم العربي، خاصةً على الصعيد الاستراتيجي، مشددًا على أن جامعة الدول العربية ما زالت تمثل الإطار الوحيد الذي يمكّن العرب من مناقشة مشكلاتهم والتعامل معها بصورة جماعية. ولفت في محاضرة أمام المجلس المصري للشئون الخارجية، شارك فيها نخبة من السفراء المخضرمين والأكاديميين والخبراء في مجال الشئون الخارجية، اليوم الى أن الجامعة ستستمر في القيام بدورها رغم ذلك، من خلال السعي إلى تحقيق التكامل والتنسيق بين الدول العربية فيما يتعلق بالسياسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية معربا عن اعتقاده بأن الوضع العربي يمر بمرحلة مأساوية، وأنه يعاني حالة من التشرذم والتفتيت بما يجعله عاجزًا عن التعامل الفعّال مع التحديات الخطيرة التي يفرضها الوضع العالمي في المستقبل. ولفت إلى المخاطر غير المسبوقة التي يمر بها النظام الدولي خلال المرحلة الحالية، مؤكدًا أن الأوضاع العالمية تمر بحالة من السيولة والتغير السريع، كما تشهد عودة للصراع بين القوى الكبرى، وتآكلًا للقواعد المستقرة التي تأسس عليها نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية، مضيفًا أن التضافر بين ظواهر مختلفة مثل صعود التيارات اليمينية وعودة القومية في صورها المتطرفة تُنذر باضطرابات مقبلة، وأن ظواهر أخرى مثل التغير المناخي وتزايد الاعتماد على تطبيقات الذكاء الاصطناعي، قد تخرج عن السيطرة وتزيد من حال السيولة وانعدام اليقين. ومن ناحية أخري ،أوضح أبوالغيط أن الظروفَ الأمنية المحيطة بالمنطقة، والمخاطر المُحدقة بها تضع أعباءً هائلة على كاهل أجهزة الأمن وإنفاذ القانون في الدول العربية، مشددا على أن أحداث السنوات الست الماضية ضاعفت من التهديدات، وحملت للمجتمعات العربية أنواعًا جديدة من المخاطر. جاء ذلك في الكلمة التى وجهها للدورة الرابعة والثلاثين لمجلس وزراء الداخلية العرب التي عقدت اليوم بتونس تحت رعاية الرئيس التونسي محمد الباجي قائد السبسي. وأشار الي أن الجماعات الإرهابية تمكّنت من استغلال حالة السيولة السياسية التي مرَّ بها الإقليم لتوجه ضرباتٍ عنيفة، وغير مسبوقة في مداها وشدتها.وأضاف قائلا: شاهدنا الحدود تُقتَحم، والمُدن تسقط فريسة للعصابات الإجرامية، والأراضي يجري السيطرة عليها وتُنزع عنها أعلام الدول لترتفع مكانها رايات الخراب السوداء، في سابقة لم تشهد منطقتنا لها مثيلًا في تاريخها الحديث. وذكر أبو الغيط أن ظواهر الإرهاب والعنف تداخلت مع الجريمة المنظمة، والاتجار بالبشر، والتجارة غير المشروعة في الآثار، وغيرها من أشكال الخروج على القانون،حيث تكونت شبكاتٌ خطيرة ومعُقدة تمزج بين عالمي الإرهاب والإجرام، مشيرا إلى أن الأخطر من ذلك أن هذه الشبكات صارت توظف أحدث ما وصلت إليه تكنولوجيا الاتصال والمعلومات في تجنيد الأنصار، حتى اتسعت ساحة المواجهة لتشمل العالم من أقصاه إلى أقصاه.مشددا على أن هذا كله وضعَ المؤسسات والأجهزة الأمنية في العالم العربي أمام تحديات غير مسبوقة في شدتها أو مداها. وأكد أهمية الموضوعات المطروحة على جدول أعمال الاجتماع والتي تتناول باستفاضة وعمق كافة التحديات الأمنية التي تواجه بُلدان المنطقة مشيرا إلى أن تحقيق الأمن هو الغاية الأولى للحكومات جميعًا. وتابع قائلا: دون الأمن لا تنمية ولا عمران، ومن دون الأمن يستحيل أن تقوم حياةٌ ديمقراطية سليمة أو أن ينعم المواطن بحقوقه الإنسانية الأساسية، وعلى رأسها حقه في الحياة،وحقه في أن يعيشَ آمنًا على نفسه وأهله من الخوف. وأكد ابو الغيط أن توفر الأمن يُعد العامل الحاسم في جذب الاستثمارات الأجنبية التي تشتد حاجة البلاد العربية لها. وقال: إن هذا كله يضع على كاهل رجال الأمن مسئولياتٍ جسام، وأعباءً تفوق الطاقة حيث انهم مطالبين بأن يحققوا الأمن للمواطن والمجتمع دون أن يشعر بأنه مُقيدٌ في حريته أو مُحاصرٌ في معيشتِه ودونِ أن تتأثر حركة المجتمع الطبيعية فينعكس ذلك سلبًا على الانتعاش الاقتصادي، أو يسحب من رصيد الحيوية المجتمعية. وأوضح أبوالغيط أن النظرة الشاملة للأمن تقتضي تعاونًا وتنسيقًا وثيقًا ومتواصلًا بين أجهزة الضبط وإنفاذ القانون من ناحية، وبين عدد من المؤسسات والكيانات الرسمية وغير الرسمية من ناحية أخرى. وثمن في ذات السياق التعاون القائم بين مجلس وزراء الداخلية العرب والمجالس الوزارية العربية، خاصة مجلس وزراء العدل العرب وذلك فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة وإعداد قوانين نموذجية لمواجهة جرائم الاتجار بالأشخاص ومكافحة الفساد. وأشار أبو الغيط إلى أن هذا التعاون أثمر عن عقد الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب التي دخلت حيز النفاذ سنة 1999، والتي تعتبر سبقًا إقليميًا ومثالًا يحتذى به. وشدد على أن صلابة الإجماع العربي حول خطورة الإرهاب لا يفوقها سوى قوة الاقتناع بخطورة الفكر الذي يولده، وضرورة اقتلاع هذا الفكر من التربة العربية واجتثاثه من مُجتمعاتنا. وقال: إن المسافة بين الفكر المتطرف والعُنف أقصر مما نظن، ولا مجال لمُجابهة الإرهاب بينما جرثومته كامنة في ثنايا العقل، نائمة في خلايا المجتمع،مؤكدا أبوالغيط أن التحدي الحقيقي أمامنا ليس قاصرًا على مُلاحقة المُخططات الشيطانية للإرهابيين واستباقها، وإنما القضاء على النهج الذي يؤدي إلى تفريخ المزيد منهم. وقال: إن استقرار الأوضاع الأمنية في البلدان العربية لا يتحقق فقط بمُجابهة الإرهاب والفكر المتطرف، مشددا على أن الإرهاب هو نوع خاص وخطير من الإجرام ويتغذى على الجريمة بكل فروعها مشددا على أهمية أن تتواصل الجهود في مجال مُكافحة انتشار الجريمة، خاصة المنظمة منها والعابرة للحدود. ودعا إلى ضرورة وجود تنسيق وتعاون غير مسبوق بين الدول العربية بالنظر إلى تعقد أوجه النشاط الإجرامي في عالم اليوم، وذلك اعتمادًا على تكنولوجيا المعلومات والاتصال الحديثة التي أصبحت تُوظفُ لخدمةِ الإجرام بصورةٍ لم نعهدها من قبل.