احتفلت المملكة مؤخرا بيومها الوطني ال 88، واسترجع أبناؤها ذكرى توحيد بلادهم على يد الملك المؤسس المغفور له بإذن الله عبد العزيز آل سعود، الذي استطاع أن يجمع الشتات الذي كان سائدا، ويقضي على الفوضى العارمة التي كانت تضرب بأطنابها في كافة ربوع البلاد، ومن ثم مضى في مسيرة البناء والتنمية، بعد أن وضع الأسس المتينة لإنشاء الدولة، واختار لها كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم منهاجا للحكم. اللافت في الاحتفال أنه لم يقتصر على المملكة وأبناءها فقط، بل إن دولا عربية وإسلامية مثل الإمارات ومصر وغيرها شاركت السعوديين أفراحهم، وأفردت وسائل إعلامها مساحات واسعة للحديث عن المناسبة التاريخية العظيمة، وهو ما يؤكد أن ملحمة التوحيد وقيام المملكة العربية السعودية لم تكن مناسبة داخلية تخص السعوديين وحدهم، بل هي حدث استثنائي كبير في المنطقتين العربية والإسلامية، عطفا على المكانة التي تتبوأها المملكة في نفوس العرب والمسلمين، باعتبارها أرض الحرمين الشريفين، ومهوى أفئدتهم التي تهفو إليها النفوس، ويزورها الملايين سنويا لأداء شعيرة العمرة وفريضة الحج. لذلك كان تركيز الملك عبد العزيز واضحا على ربط بلاده بكافة الدول المجاورة، والسعي لتعزيز وتقوية الروابط التي تجمع بين الأشقاء العرب، وعلى ذات النهج الصائب سار أبناؤه الملوك البررة من بعده. كانت المشاعر التي عبر عنها الأشقاء العرب في ذكرى اليوم الوطني صادقة حارة، تؤكد قوة وشائج القربى التي تربطهم ببعضهم البعض، وأن حلم الوحدة العربية – وإن لم يتحقق على أرض الواقع – فإنه يداعب قلوبهم باستمرار ويلامس دواخلهم، وأن التنسيق الذي يوجد بين قادتهم في كثير من المواقف، وفي مواجهة العديد من الأخطار هو شأن يثلج صدورهم، ويشعرهم بالاطمئنان على بلادهم وعلى مستقبل أجيالهم. لاسيما بعد تأكيد قادتهم على وجود الكثير من المشاريع المشتركة التي ستعود حتما بالنفع على شعوبهم، والبدء فعليا في تجسيد تلك الأفكار إلى واقع، فمدينة المستقبل "نيوم" التي تمتد على أراضي السعودية ومصر والأردن هي مشروع جبار، سيكون نواة لمشاريع مشابهة. كما أن مواجهة خطر الإرهاب واجتثاث جذوره هو هدف تسعى إليه معظم الدول، وتتبادل بشأنه التنسيق والمعلومات، إضافة إلى التصدي للخطر الإيراني الذي يخطط لإضعاف الدول العربية وإشاعة الفوضى بين ربوعها، وإغراقها في لجة الفتن المذهبية، تمهيدا لابتلاعها. سيأتي العام القادم – إن شاء الله – ومواقف الدول الرافضة للإرهاب أكثر قوة، ومساعيها أكثر عزيمة لتحقيق أهدافها وبلوغ غاياتها المتمثلة في تخليص المنطقة والعالم أجمع من هذه الآفة التي استشرت وباتت تشكل خطرا يهدد الوجود الإنساني. وسوف تتسع آفاق التعاون والتكامل بينها لما فيه مصلحة شعوبها ورفاهية أجيالها، بحيث تشمل المجالات، وفي مقدمتها الاقتصادية، وسيجد الذين اختاروا الوقوف في الجانب المقابل أنهم باتوا أكثر عزلة وأشد انكفاء، لأن فجر الحق سيشرق وإن طال انتظاره، وصوت الباطل سيخبو ويتلاشى، وإن بدا عاليا ومرتفعا، كما الطبل الأجوف.