12 ساعة عاشها الوسط الفنى فى حيرة وتساؤل بسبب قرار الرقابة على المصنفات الفنية، بسحب تراخيص عرض فيلم «كارما» قبل الوقت المحدد للعرض الخاص بساعات ودون إبداء أسباب، لكن تم عرض الفيلم فى ميعاده المحدد، «الأهرام العربى» التقت المخرج خالد يوسف فى الحوار التالى ليجيب عن كل أسئلتنا بصراحته المعهودة.
ما سبب الأزمة التى حدثت قبل ظهور الفيلم ب 24 ساعة فقط وكيف حُلت؟ بدأت الواقعة عندما تلقيت اتصالاً من رئيس الرقابة المصرية د.خالد عبدالجليل يخبرنى أنه تلقى أوامر بمنع عرض الفيلم، لأن هناك تخوفا من أن يثير العمل مشكلة، خصوصا أن الإعلان الترويجى يتحدث عن العلاقة بين المسلمين والمسيحيين، لذلك سأقوم بسحب تراخيص عرض الفيلم، فسألته بناء على ماذا سيتم سحب الترخيص فأجاب بناء على الإخلال بشروط الترخيص، وهنا تأكدت بأن الفيلم سيعرض، لأن القانون يضع شروطا لسحب التراخيص أهمها إرسال إنذار والرد عليه، ثم الذهاب للمحكمة وغيرها من الخطوات غير المتوافرة فى حالة منع الفيلم، وهنا لجأت إلى مؤسسات الدولة ونجحنا فى إلغاء قرار المنع، لأننا فى دولة قانون ولا أحد فوق القانون .
هل إلغاء قرار المنع يعتبر انتصارا للحركة الثقافية؟ إلغاء قرار المنع يعتبر انتصارا لدولة المؤسسات التى ننادى بها، وقد أعطى أملا لكل صاحب حق أنه يستطيع الحصول على حقه فى مصر بالقانون، وهذا القرار خير دليل للرد على المتشككين الذين يقولون إن القانون فى مصر مغيب، وهذه الأزمة أثبتت أن لدينا ديمقراطية ثقافية.
نعود للعمل الفنى ..الفيلم به بعد فلسفى وبعد سياسى كيف جاءت الفكرة؟ الفكرة جاءت عندما قرأت مقالاً للأديب الأرجنتينى الأصل، الإسبانى الجنسية «خورخى لويس بورخيس» الذى كتب عام 1936 أن الإنسان من الممكن ألا يكون موجودا وممكنا أن يكون مجرد حلم لشخص آخر موجود فى مكان آخر تماماً، وقد حاول بورخيس أن يدلل على نظريته بكل الطرق، لكن بالنسبة لى أرى أنه فى البدء كان الإنسان وسيظل موجوداً إلى نهاية الخلق، ونحن كبشر من صنعنا فروق الجنس واللون والدين والثقافة والفوارق الطبقية، فالإنسان يولد متحرراً من هذه الفوارق لكن المجتمع الذى يعيش فيه يفرض عليه قيود هذه الفروق، لكن فى نفس الوقت من الممكن أن يقع الإنسان تحت تأثير بعض أعماله التى عاشها، فيحاول الهروب منها بأحلامه التى قد تتحول إلى كوابيس، لذلك عملت على الفكرة وحاولت بلورتها بشكل يتماشى مع المجتمع الذى نعيش فيه وهنا يأتى منطق الصراع الدرامى، حيث يختلف «وطنى» الشاب المسيحى الفقير عن «أدهم» المسلم الغنى، وهنا قررت أن أقتحم واحدة من أصعب المشكلات وهى اختلاف نظرة كل طبقة للأخرى، بمعنى أن الفقير ينظر للغنى على أنه شخص مرفه جداً طالما معه فلوس وقد وصل لما هو فيه الآن عن طريق الرشوة والتسهيلات التى حصل عليها، ونظرة الغنى للفقير على أنه شخص كسول لا يريد أن يتعب نفسه ويريد كل شىء يأتيه وهو نائم ولا يفكر خارج الصندوق، فهل من الممكن أن يشعر الاثنان ببعضهما البعض؟ وكيف ستصبح الحال لو جلس كل واحدة منهما مكان الآخر هل ستظل الحال كما هى عليه أم ستبدل؟ بمعنى آخر هل كل الأغنياء فاسدون وهل كل الفقراء حاقدون؟ بالتأكيد لا .
النصف الأول من الفيلم أحدث بلبلة للمشاهد هل البطل عبارة عن شخصية واحدة أم شخصيتين؟ الشخصيات داخل الفيلم تبحث عن الهوية الإنسانية، فكل من «وطنى وأدهم» بداخله أشياء ويفتقد أشياء أخرى، لكنه يبحث عنها فى الآخر، حتى يستطيع أن يجد هويته، لذلك فأدهم يرى فى منامه «وطنى» بكل تفاصيله ومحاولة هروبه من الفقر والبحث عن «الكنز» لأن الفقراء دائما ما يحلمون بخاتم سليمان، هموم ومشاكل أدهم أكبر بكثير، وعندما تحدث مع الطبيب النفسى الخاص به قال له اذهب إلى «وطنى» لعلك تجد ما تبحث عنه، وهنا حدث التحول الكبير حيث تم التبديل، فالغنى ذهب مكان الفقير والعكس، فكيف سيتصرف كل منهما فى الموقف الجديد؟ هذا هو السؤال الأهم لأنه لو ذهب الفقير مكان الغنى للبحث عن الملذات فقط لا غير، فلم يتغير المجتمع لأنه سينعم بما يريد ويصحو من نومه يوماً ما سيجد نفسه وقد عاد كما كان، لكنه فكر واتخذ قرارا بعدم دفع رشوة وتغير فكره تجاه سكان العشوائيات وطلب أن تبنى لهم مساكن أخرى بعدما طالب الشخص الغنى بإلقائهم فى النيل، هذا التغيير هو ما يحدث حالة الحراك فى المجتمع، فى نفس الوقت عندما ذهب الغنى مكان الفقير حاول أن يبدل من أسلوب حياته، فقال لزوجته لماذا لا تعملين أى شيء اشتغلى مفارش كورشيه نظفى المكان، حاولى أن تعملى أى شىء لا تركنى للراحة والاكتئاب ولطم الخدود، وهذه رسالة مهمة مفادها أن الفقراء يستطيعون أن يكونوا أغنياء إذا استخدموا عقولهم ويستطيع الأغنياء أن يكونوا شرفاء فليس كل رجل أعمال فاسداً .
كيف تعاملت مع التطورات التقنية الحديثة بعد ابتعادك لسبع سنوات عن الإخراج؟ هذه النقطة تحديداً كانت تسبب لى مشكلة أثناء التحضيرات للتصوير، لأنه منذ سبع سنوات كانت سينما الديجيتال فى بداية طريقها، وكنت أصور فيلم «كف القمر» الذى كان آخر فيلم يخرج من معامل مونتاج النيجاتيف فى تاريخ مصر، الآن الدنيا تبدلت والفيلم الخام «السيوليد» 35 مم أصبح من الماضى، ولا يستخدم، وكانت المشكلة الأكبر بالنسبة لى تتمثل فى تصحيح الألوان وعدسات الكاميرا التى تغيرت عما كانت عليه فى الفيلم الخام، لذلك درست كل التطورات الحديثة قبل دخول التصوير، لم أجد الفروق كبيرة بالشكل الذى كنت أتصوره، وأعتقد أن النتيجة ظهرت على الشاشة، وفى اعتقادى لا بد لجميع العاملين بالوسط الفنى من مواكبة التطورات التقنية الحديثة.
أنت متهم بمجاملة أصدقائك وتقديمهم كممثلين فى الفيلم؟ من وجهة نظرى لا أرى أن هذا اتهام لعدة أسباب، أولا أنا كمخرج عندما أتعامل مع أى شىء لمدة معينة، أستطيع أن أعرف إن كان بداخله فنان أم لا، وهذا ما حدث مع خالد تليمة ويوسف الحسينى فأنا أعرفهم جيداً، وأرى أن بداخل كل منهما فنان، لذلك كنت أقول لهم عندما أعود للإخراج سوف تمثلون معى فى فيلمى، وأعتقد أن التجربة نجحت لأن التعليقات التى جاءت عليهم كانت إيجابية، أما بالنسبه لعمرو سعد، فهو نجم موهوب، وأنا أعرف قدراته جيداً وقد عمل معى فى ثلاثة أفلام من قبل لذلك فضلت أن يقوم بالشخصيتين، لأنه يستطيع أن يبدع فى المنطقتين سواء فى الحارة أم فى القصر .
تجربتك فى العمل السياسى هل سنراها على الشاشة؟ بالتأكيد أفكر فى نقل هذه التجربة فى عمل سينمائى، لأنها بالنسبة لى تجربة ثرية ومليئة بالدراما، ومن حق المشاهد أن يتعرف على الأحداث المهمة التى مرت بتاريخ مصر، لكن حتى الآن العمل مؤجل فى هذه المرحلة.