لا أنكر أن فترة عملى فى قسم الفن، مع الراحل مجدى عبدالعزيز، أحد أصحاب الأقلام الشريفة فى عالم الفن، الذى ينال احترام النجوم والقراء فى منافسة دائمة لصالح ما ينشر، قد جعلنى أدخل هذا العالم من الباب الملكى، وبرغم أن مدة تدريبى لم تكن كبيرة، فإننى تقريبا رأيت كل الفنانين ونجوم الشاشة الصغيرة، بدءا من عبد الوهاب، نهاية بنجوى إبراهيم، مرورا بفاتن حمامة ومديحة يسرى وهند رستم، وصولا إلى يسرا وليلى علوى وغيرهن الكثير. مثل الأطفال وقفت وراء الكواليس أتابع مشاهدة تعليمات مخرج الفوازير الأول والأخير فهمى عبد الحميد، وهو يخلق شخصية «فطوطة»، و«سمورة»، وكأنه خلق ليصنع والت ديزنى خاص بالمصريين فى رمضان. وعكس ما توقعت وقرأت عن سمير غانم بأنك عندما تراه لا تمنع نفسك من الضحك، فهو إنسان جذاب وخفيف الظل للغاية، ويستطيع أن ينسيك همومك وهمومه، لأن الابتسامة لا تفارق شفتيه، وكل كلماته وحركاته تكاد تكون مشاهد فى رواية كوميدية، لكنها رواية حقيقية يعيشها، فقد رأيته هادئا وقورا، من مواليد برج الجدى، ومن الفيوم، ولد فى 1937، وصل إلى سن الأربعين ولم يتزوج، كان حلمه أن يتزوج واحدة حلوة، وأن يمثل فيلما استعراضيا كوميديا، وقد تحقق ما تمناه بزواجه من الفنانة الجميلة دلال عبد العزيز، أما الاستعراض الكوميدى فقد كان إبداعه فى فطوطة وسمورة. كان متعبا وهو يضع يده على كتف زميلى مجدى عبد العزيز، ويقول له: إنت عارف عنى وعن العمل كل شىء يا مجدى، وهى هتسألنى عن إيه زيادة؟ يقصدنى أنا، وقد نظر لى من بعيد نظرة لا مبالية، وكأنه يريد أن يقول: هو أنا ناقص وجع دماغ، كمان جايبين لى عيلة من الصحافة تتمرن فىَّ. ولم يكن يعلم أنى قابلت قبله توفيق الحكيم ونجيب محفوظ وأمثالهما ممن كتبت عنهم ثم سمعته يضحك ويقول: قل لها إننى أعشق الموسيقى العالمية، فهى تساعدنى على تهدئة أعصابى وتخرجنى من حالة التوتر والإرهاق فى العمل بين السينما والمسرح والتليفزيون، بجانب ممارسة الرياضة البدنية التى أمارسها للحفاظ على قوامى ورشاقتى. أصبت بخيبة أمل وأنا عائدة بالكاسيت «فاضى»، هذا الذى شهد صلاح جاهين ويوسف إدريس وغيرهما ممن هم بقامتهما. ونسيت الموقف والبروفسير مجدى عبد العزيز يطيب بخاطرى، ويقول بمزاحه السكندرى الكوميدى: وإيه يعنى، ما إنتى لسه مقابلة فاتن حمامة فى الإذاعة، مرة تصيب ومرة تخيب، ودارت الأيام. ....... لم أتصور وبعد عشر سنوات أننى سأقابل فطوطة سمير غانم ومعه «حاصد قلوب العذارى» فى وقتنا يوسف شعبان على متن طائرة من طائرات الشركات الخاصة التى حاولت فى التسعينيات الانتقاص من خطوط الشركة الأم. ولم أنس وقع الخبر على أبى، عندما علم أننى مسافرة على متن تلك الشركة وأنا أدافع أننى مجرد مدعوة رسميا فى رحلة إلى المغرب ضمن مهرجان كبير لعروض الأزياء والموضة. تركنى والدى وهو على وعيده لى، قائلا: إنت حرة إن شالله تروحى بطائرتهم المريخ! اشربى! وبالفعل شربت بل شربنا جميعا، ولولا وجود فطوطة لكنا ضعنا. وأخذت أمارس واجباتى الصحفية بالتعرف على أعضاء المهرجان، وعارضات الأزياء وفى رأسى خطة العمل لتغطية الحدث، مع الوضع فى الاعتبار بطلى المهرجان يوسف وسمير. وفجأة سمعت المضيفات يعلنون أننا نهبط هبوطاً اضطرارياً فى الجزائر!! هذا ما أتذكره «لأن كابتن الطائرة عبر دون استئذان"! وشعرت أننى وسمير غانم ويوسف شعبان وكل الركاب أصبحنا «فطاطيط» جمع فطوطة، ولم نفق إلا عند هبوط الطائرة ورجال أمن مكافحة الإرهاب يدخلون علينا الطائرة بالرشاشات، حد يقرصنى أنا فى حلم والا علم، واتقلبت الحكاية مسخرة والرشاشات موجهة لرؤوس الركاب، وهن حزمة من الجميلات من عارضات الأزياء وبينهن سمير غانم ويوسف شعبان. لم يستمر الصمت الرهيب أكثر من خمس دقائق، حتى تعرف ضباط الأمن الجزائرى على النجمين، فأعطانى واحد منهم الرشاش، ليتفرغ لحضن سمير غانم، وهات يا ترحيب بالفرنساوى والجزائرى، وأنا هات يا ترجمة وأنا أحمل الرشاش فرحة على نجاتنا بسبب نجوم مصر، مشهد "ميلودراما" عنيف انقلب إلى كوميديا سوداء وحمراء وبمبى مسخسخ، وأصبحت الحدوتة "ديكولتيه" على كالونات على إيفازيه، تلك المصطلحات الأزيائية التى رنت فى نافوخى وأنا أحمل الرشاش وأتابع أحضان رجال الأمن لسمير غانم ويوسف شعبان وكأنهما وجدا كنزا أو فتحا مغارة على بابا. وهكذا كان النجمان شفيعين لنا على الخطأ الفظيع، الذى ارتكبه الطيار الخاص للشركة الخاصة للطيران "الخاص خاص خاص"، تمهيدا للخصخصة الطيرانية واحتلال تلك الشركات الأم على سماء مصر. وهكذا استطاع فطوطة إنقاذنا من المكوث كركاب «رهاين» فى رحلة اخترقت الأجواء الجزائرية دون استئذان.