محافظ شمال سيناء: الانتهاء من صرف التعويضات لأهالي الشيخ زويد بنسبة 85%    محافظ شمال سيناء: منظومة الطرق في الشيخ زويد تشهد طفرة حقيقية    منسق مبادرة مقاطعة الأسماك في بورسعيد: الحملة امتدت لمحافظات أخرى بعد نجاحها..فيديو    التطبيق خلال ساعات.. طريقة تغيير الساعة على نظام التوقيت الصيفي (بعد إلغاء الشتوي)    وزيرتا "التعاون الدولي والتضامن" وسفير الاتحاد الأوروبي يتفقدون مشروع تأهيل السودانيين بأسوان    الهلال الأحمر: تم الحفاظ على الميزانية الخاصة للطائرات التى تقل المساعدات لغزة    القيادة المركزية الأمريكية: تصدينا لصاروخ باليستي مضاد للسفن أطلقه الحوثيون    عمرو أدهم: يجب محاسبة المسؤول عن قضية بوطيب.. وسنبشر جماهير الزمالك قريبا    الإسكواش، تأهل نور الشربيني ونوران جوهر لنصف نهائي بطولة الجونة    كرة السلة، ترتيب مجموعة الأهلي في تصفيات ال bal 4    في الجول يكشف موقف ياسر إبراهيم ومروان عطية من المشاركة أمام مازيمبي    إصابة 5 سائحين في انقلاب سيارة ملاكي بالطريق الصحراوي بأسوان    تيك توك تتعهد بالطعن في قانون أمريكي يُهدد بحظرها    "مربوط بحبل في جنش المروحة".. عامل ينهي حياته في منطقة أوسيم    بعد اختناق أطفال بحمام السباحة.. التحفظ على 4 مسؤولين بنادي الترسانة    مش بيصرف عليه ورفض يعالجه.. محامي طليقة مطرب مهرجانات شهير يكشف مفاجأة    ريهام عبد الغفور عن والدها الراحل: وعدته أكون موجودة في تكريمه ونفذت    30 صورة وفيديو من حفل زفاف سلمى ابنة بدرية طلبة بحضور نجوم الفن    يسرا اللوزي تكشف كواليس تصوير مسلسل "صلة رحم"|فيديو    دعاء في جوف الليل: اللهم أخرجنا من الظلمات إلى النور واهدنا سواء السبيل    كيف أعرف من يحسدني؟.. الحاسد له 3 علامات وعليه 5 عقوبات دنيوية    ثلاثة منتجات توابل مستوردة من الهند تسبب السرطان.. ما القصة؟    ما موعد انتهاء مبادرة سيارات المصريين بالخارج؟.. وزيرة الهجرة تجيب    ارتفاع عدد ضحايا قصف الاحتلال لمنزل عائلة الجمل شرق رفح إلى 5 شهداء    عاجل.. تصريحات كلوب بعد الهزيمة من إيفرتون ونهاية حلم البريميرليج    لبنان.. طيران إسرائيل الحربي يشن غارتين على بلدة مارون الرأس    حكايات النيل.. حملة لطلاب بإعلام القاهرة للحفاظ على المياه ومواجهة الظروف المناخية    واشنطن تطالب إسرائيل ب"إجابات" بشأن "المقابر الجماعية" في غزة    الآن.. سعر الدولار أمام الجنيه المصري اليوم الخميس 25 إبريل 2024 بعد آخر انخفاض    وزيرة التضامن: المدارس المجتمعية تمثل فرصة ثانية لاستكمال التعليم    مصير مجهول ينتظر "مؤتمر المصالحة الليبية" ..تحشيد عسكري روسي وسيف الإسلام مرشحا للقبائل !    مراقبون: فيديو الأسير "هرش بولين" ينقل الشارع الصهيوني لحالة الغليان    غادة البدوي: تحرير سيناء يمثل نموذجًا حقيقيًا للشجاعة والتضحية والتفاني في سبيل الوطن    إصابة أم وأطفالها الثلاثة في انفجار أسطوانة غاز ب الدقهلية    من أرض الفيروز.. رسالة وزير العمل بمناسبة ذكرى تحرير سيناء    «زى النهارده».. عيد تحرير سيناء 25 إبريل 1982    ارتفاع الذهب اليوم الخميس.. تعرف على الأسعار بعد الزيادة    تأجيل بيع محطتي سيمنز .. البنوك الألمانية" أو أزمة الغاز الطبيعي وراء وقف الصفقة ؟    وزير الرياضة يتفقد استعدادات مصر لاستضافة بطولة الجودو الأفريقية    رئيس تحرير «أكتوبر»: الإعلام أحد الأسلحة الهامة في الحروب    حظك اليوم برج الميزان الخميس 25-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    اختيارات النقاد.. بعد سيطرة الكوميديا ما هى الأفلام الأنسب لموسم العيد؟    جدول ترتيب الدوري الإنجليزي بعد خسارة ليفربول وفوز مانشستر يونايتد    خبر في الجول – الأهلي يتقدم بشكوى ضد لاعب الاتحاد السكندري لاحتساب دوري 2003 لصالحه    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    «زي النهارده».. بداية الحرب الأمريكية الإسبانية 25 إبريل 1898    الصحة تفحص مليون و413 ألف طالب ضمن المبادرة الرئاسية للكشف المبكر عن فيروس سى    مدير تعليم القاهرة: مراعاة مواعيد الامتحانات طبقا للتوقيت الصيفي    أحمد موسى: مصر قدمت تضحيات كبيرة من أجل إعادة أرض سيناء إلى الوطن    صور.. الطرق الصوفية تحتفل برجبية السيد البدوي بطنطا    في الموجة الحارة.. هل تناول مشروب ساخن يبرد جسمك؟    تجديد اعتماد كلية الدراسات الإسلامية والعربية ب«أزهر الاسكندرية»    بالفيديو.. أمين الفتوى: موجات الحر من تنفيس نار جهنم على الدنيا    خالد الجندي: الاستعاذة بالله تكون من شياطين الإنس والجن (فيديو)    متحدث «الصحة» : هؤلاء ممنوعون من الخروج من المنزل أثناء الموجة الحارة (فيديو)    10 توصيات لأول مؤتمر عن الذكاء الاصطناعي وانتهاك الملكية الفكرية لوزارة العدل    تضامن الغربية: الكشف على 146 مريضا من غير القادرين بقرية بمركز بسيون    القبض على 5 عصابات سرقة في القاهرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حرب «اصطياد الفئران» فى سيناء.. «الأهرام العربي» تكشف تفاصيل 15 يوما فى أرض المعارك|| صور

صور الشهداء تزين "حائط المجد".. والجنود يتناقلون الأحاديث عن بطولاتهم

جندى يتغنى ب "واه يا عبد الودود" فى قلب المعركة ويحكى لزملائه قصة والده فى حربى الاستنزاف وأكتوبر

العناصر التكفيرية باتت أمام خيارات محدودة تتضمن تنفيذ عمليات انتحارية أو زرع العبوات الناسفة واستخدام "القناصة"

تفاصيل الحياة لحظة بلحظة مع الأسود داخل أحد معسكرات الجيش بشمال سيناء

حصار القبضة الفولاذية برا وبحرا على سيناء لمنع تسلل الإرهابيين وهروبهم.. أو وصول دعم ومساعدات لهم

حرص كبير من القوات المسلحة على حياة الأبرياء رغم العمليات القتالية فى سيناء

الحرب فى سيناء غير ظاهرة معاركها ولا معروفة أماكنها فهى من الحروب غير النمطية والتى لم تخضها مصر من قبل

الملاحة فى قناة السويس مستمرة ولم تتوقف يوما برغم الإرهاب فى شهادة نجاح للقدرات المصرية

تطهير سيناء يجعل العريش وشمال سيناء كالمريض الذى تجرى له عملية جراحية بدون أن يتم تخديره.. فيشعر بالألم لكنه يحمل أملا أن تنتهى العملية بأسرع وقت ويستعيد عافيته

تنظيف سيناء من الإرهاب هو المعركة التى تدور رحاها بكل قوة وعنف، فخلال السنوات الأخيرة استطاعت الجماعات التكفيرية تكوين مناطق تمركز لها، وحصنوا أنفسهم وحصلوا على أسلحة عديدة ومتقدمة، ونجحوا فى استقطاب أعداد كبيرة وجندونهم بعملية "غسيل مخ".

فى قلب أرض المعركة، وطوال 15 يوما، فى العريش والشيخ زويد ورفح بشمال سيناء.. كانت الحياة مختلفة.. وكانت المعارك تختلف عن أى معارك سمعنا عنها من الأجيال العظيمة التى قهرت المستحيل، وأعادوا الأرض والكرامة فى أكتوبر 1973.. فالحرب الحالية فهى حرب "اصطياد الفئران"..

فطوال الأشهر الماضية كنا نسمع ونقرأ بيانات العمليات العسكرية للحرب التى تخوضها القوات المسلحة ضد الإرهاب فى سيناء، وكنا نسمع عن أسماء كمائن ومناطق فى سيناء، ولكن كانت الصورة غير واضحة فيما يحدث على الأرض، وكيف تسير الأمور؟ وكيف يعيش الأهالي؟ وكيف تسير الحياة فى رفح والشيخ زويد والعريش؟ وهل انتهت الأنفاق؟ ولماذا يلجأ التكفيريون إلى العبوات الناسفة والقناصة؟ وغيرها من الأسئلة التى كانت تبحث عن إجابات وافية، لتكوين صورة حقيقية عن الأوضاع فى سيناء و"الحرب الخفية" التى تجرى على أرض الفيروز، خاصة وأننا نعيش حلول ذكرى نصر العاشر من رمضان.


تلك الأسئلة كانت السبب وراء "أيام مع الأبطال فى أرض القتال"، والتى بدأت فى منتصف شهر إبريل الماضى مع الشهر الثالث من العملية الشاملة "سيناء 2018"، وبالتزامن مع احتفالات ذكرى تحرير سيناء فى 25 إبريل، لأن "ليس من رأى كمن سمع".

الانطلاقة بدأت من القاهرة إلى شمال سيناء، والهدف أن نصل منطقة القتال فى العريش والشيخ زويد ورفح..

قناة السويس

الطريق من القاهرة إلى الإسماعيلية "رائع" وباعث على الأمل، وشاهد على التطور الكبير الذى شهدته الطرق فى مصر خلال السنوات الأخيرة، وبينما بدت قناة السويس فى الأفق، كانت إجراءات تأمين القناة ملمحا لا تخطئه العين، وشهادة نجاح لمصر فى قدرتها على تأمين أهم مجرى ملاحى وشريان حيوى لحركة التجارة العالمية، فبرغم الأحداث التى شهدتها مصر بداية من 25 يناير 2011، وتصاعد الأحداث فى 30 يونيو 2013، فإن الملاحة فى قناة السويس لم تتوقف يوما واحدا، وظل تأمين السفن العابرة على مدار الساعة، بل إن الإرهاب لم يستطع أن يصل إلى قناة السويس، برغم محاولاته المستميتة، سواء فى أعقاب أحداث يناير أم ما بعدها، بسبب إجراءات التأمين الصارمة على طول قناة السويس، ولكل العابرين لها.


العريش تبوح بأسرارها

العريش عاصمة شمال سيناء، واحدة من المدن المحببة إلى قلبي، وقلوب المصريين، اعتدت زيارتها مع احتفالاتها بأعياد التحرير فى 25 إبريل، فكنت شاهدا على تطور المدينة وما يحدث بها، منذ سنوات آخر عهد مبارك، وتوقفت الزيارات مع ظهور الإرهاب فكانت آخر زيارة منتصف عام 2011، وأدركت يومها أن العريش وشمال سيناء وربما مصر بأكملها مقبلة على سنوات عصيبة، مع تضخم المجموعات المتطرفة وقوة شوكتها.

تطهير سيناء الذى يتم الآن يجعل العريش وشمال سيناء، كالمريض الذى تجرى له عملية جراحية بدون أن يتم تخديره.. فيشعر بالألم ولكنه يتحمل أملا أن تنتهى العملية بأسرع وقت ويستعيد عافيته.


مشاهد "الحرب الخفية"

الحرب فى سيناء غير ظاهرة معاركها، ولا معروفة أماكنها، فهى من الحروب غير النمطية والتى لم تخضها مصر من قبل، فكلنا قد اعتدنا سابقا فى الحروب مع إسرائيل على وجود عدو معروف ومحدد الأماكن، ومعروفة ملابسه ومركباته ومدرعاته، وكل شىء عنه، أما الحرب الحالية، فلا يعرف من هو العدو، فهو تكفيرى لا يمكن تمييزه، ويرتدى نفس ثياب كل الأهالى سواء الثياب المدنية أم حتى ملابس البدو، ولا يمكن التفرقة بينه وبين أى مواطن آخر، كما أنه يعيش بين الناس، وليس فى مكان ومنطقة محددة، كما أنه يخبئ أسلحته وذخائره فى مخابئ عديدة تحت الأرض، بل ويختبئ هو أيضا تحت الأرض، وبالتالى فإن عدم وضوح العدو تجعل المعركة معه شديدة الصعوبة، وتحتاج إلى جهد خاص، للتعرف عليه وتحديد أماكنه، وبالتالى تستحق الحرب الحالية ضد الإرهاب وصف "الحرب الخفية"، فالجماعات الإرهابية يندس أفرادها وسط الأهالي، ويعيشون حياتهم كالأهالي، يحترفون الاختباء، سواء فى المنازل وسط المواطنين، أم فى المخابئ التى لا يعرف أماكنها أحد.
دلائل تحسن الوضع الأمني

لكن هل تحسنت الأوضاع الأمنية فى العريش وشمال سيناء؟

الجميع فى العريش يؤكد ذلك، ويحكون عن معاناتهم والحياة الصعبة خلال الفترة السابقة، حيث كانت هجمات الإرهاربيين مستمرة على العديد من المبانى الحكومية، واختفى ذلك حاليا.
أما الدليل الأبرز على تحسن الوضع الأمنى فهو الإقبال الكبير من الأهالى على المشاركة فى الانتخابات الرئاسية التى أجريت شهر مارس الماضي، وكان مفاجأة لم يتوقعها الجميع، خصوصا فى منطقة مثل الشيخ زويد، حيث خرج المواطنون ليصطفوا فى طوابير أمام لجان الاقتراع، وذلك برغم التحذير الذى أطلقته الجماعات الإرهابية، قبيل الانتخابات، متوعدة ومهددة بتنفيذ عمليات عديدة خلال الانتخابات.

ومن أبرز دلائل تحسن الوضع الأمني، التحرك المستمر واليومى على الطرق الرئيسية مثل الطريق الدولى من العريش إلى رفح، حيث كانت الجماعات التكفيرية تنشر عناصرها لاستطلاع تحرك القوات ورصدها، ومن ثم استهدافها بشتى السبل، إلا أن عمليات الجيش استطاعت القضاء على غالبية الإرهابيين، والذين لم يجدوا إلا استخدام سلاح العبوات الناسفة لاستهداف القوات المسلحة والشرطة على الطرق، ولكن مع يقظة أبطال سلاح المهندسين، بات التحرك على الطريق الدولى أمرا أقل خطورة بكثير مقارنة بما كان الوضع عليه سابقا، وخلال جولاتنا من العريش إلى الشيخ زويد ورفح، ستجد سيارات الجيش تتحرك طوال الوقت صباحا ومساء على الطريق.


الحصار.. وخيارات الإرهابيين

الحصار الذى تفرضه القوات المسلحة يضيق شيئا فشيئا على التكفيريين، مع الضربات المتلاحقة التى تستهدفهم، فهم لا يستطيعون الهرب، أو الحصول على أية إمدادات منها، سواء إمدادات بالسلاح أم بمجموعات جديدة تساعدهم وتعوض النقص المتزايد يوما بعد يوم فى أعدادهم التى تتناقص بسبب ضربات القوات المسلحة.
الحصار الخانق يقلل خيارات مجموعات التكفيريين، إما محاولة الهروب إلى الوادي، وهنا سيكونون عرضة للوقوع فى أيدى القوات المسلحة عبر الكمائن العديدة المنتشرة فى الطرق والمحاور، أو الاستمرار فى البقاء فى نفس أماكنهم فى المنطقة المحصورة، ما بين رفح والمناطق المتاخمة لها جنوبا كالجورة وغيرها، وحتى العريش، ولكنهم سيعانون من الحصار الذى يمنع وصول أية مواد غذائية أو وقود لهم، وبالتالى فسيعيشون على ما تم تخزينه خلال الفترات السابقة من أغذية وغيرها، بل إن الأسلحة والذخائر التى بحوزتهم تقل يوما بعد يوم فى ظل الحصار، الذى يمنع وصول أية إمدادات إليهم، ثم أن نجاح القوات المسلحة فى العثور على العديد من مخازن الأسلحة والمخابئ يقلل من مخزون الأسلحة والذخائر.
لذا فإن الهجوم الذى وقع منتصف إبريل الماضى للتكفيريين فى منطقة وسط سيناء، والذى حدث أثناء تواجدنا بشمال سيناء، تم باستهداف أحد الكمائن قرب احدى الوحدات العسكرية، فى مخطط للقضاء على الكمين واقتحام الوحدة والقضاء عليها، وذلك باستخدام الأحزمة الناسفة عند اقتحام الكمين، وبعدها يتم فتح الطريق للقضاء على كل أفراد الكمين واقتحام الوحدة العسكرية لإحداث أكبر خسائر فى صفوف أفراد الجيش، إلا أنه تم إحباط المخطط من أفراد الجيش الذين صمدوا بعد تفجير الانتحارى بالحزام الناسف، واستطاعوا إحباط هجوم العناصر التكفيرية وقتل عدد كبير منهم، وهو الهجوم الذى كان مخططا له أن تستخدمه الجماعات الإرهابية للعمل على ترويج أن الجماعات الإرهابية ما زالت قوية فى سيناء، وأن العملية الشاملة سيناء 2018 لم ولن تنجح فى القضاء على الإرهاب، إلا أن القضاء على أعداد كبيرة من التكفيريين المنفذين للهجوم أفشل مخططهم.

أموال التكفيريين.. والعلاقة مع المهربين

تتردد الروايات فى العريش والشيخ زويد ورفح، عن علاقة "الزواج الحرام" بين الجماعات التكفيرية وما بين عصابات التهريب، فكل طرف وجد نفسه يحتاج الآخر؛ فالتكفيريون يحتاجون إلى من يبيع لهم الأسلحة وغيرها من الاحتياجات، كما أن المهربين وجدوا أموالا متدفقة من جيوب التكفيريين، وبالتالى ارتبط الطرفان بعلاقة قوية منذ فترة، كما نجح التكفيريون فى إساله لعاب المهربين، واستخدامهم فى العمليات ضد القوات المسلحة والشرطة، من خلال دفع مبالغ مالية لمن يساعدهم سواء بمراقبة تحركات القوات المسلحة، أم بتوفير احتياجاتهم من الأغذية والاحتياجات المعيشية، وبالطبع فإن هذا الإغراء المادى أسال لعاب العديد من المهربين، كما أن أغلبهم من العناصر المطلوب القبض عليها وتقديمهم للعدالة بتهم ارتكاب أعمال إجرامية.


الحرص على المدنيين الأبرياء

اللافت للنظر أن بيانات القوات المسلحة، كانت تتحدث عن هجمات جوية أو مدفعية ضد أهداف للإرهابيين بعد "معلومات مخابراتية دقيقة"، مما يشير إلى زيادة بلاغات المواطنين مما يساعد العمليات ضد الإرهابيين، واللافت للنظر أيضا، أنه برغم الحرب التى بدأت منذ أكثر من 3 أشهر، بل حتى من قبلها، لم نسمع يوما عمليات القتل الخطأ الجماعى التى سمعنا عنها كثيراً فى الحروب التى تشنها أكبر الدول، وهو أمر يحسب للقوات المسلحة، التى نجحت حتى اللحظة، فى الوصول إلى معلومات شديدة الدقة عن الإرهابيين وأماكنهم واستطاعت توجيه ضربات دقيقة ضدهم، دون أن تطال تلك الضربات الجوية أو المدفعية أبرياء من أهل سيناء.

واقعة حضرتها خلال زيارة شمال سيناء، تشير إلى مدى حرص القوات المسلحة على المدنيين الأبرياء، حيث حضرنا عملية تفجير مجموعة من المنازل المهجورة التى هجرها أهلها، ويستخدمها التكفيريون لمهاجمة القوات المسلحة، وذلك عند منطقة الماسورة فى رفح، كان أفراد سلاح المهندسين يعملون فى دقة شديدة، بينما تقوم عناصر أخرى من القوات المسلحة بتأمين المنطقة، والتأكد من تحذير الأهالى فى المناطق المحيطة، لإخلاء المنطقة وقت التفجير، خوفا على حياتهم، بل وتم إغلاق الطريق القريب أمام حركة السيارات، حتى لا تتعرض أى سيارة وركابها لأى خطر من الانفجار، وبالفعل وعند اكتمال عناصر سلاح المهندسين من زرع المتفجرات، وكانوا على أهبة الاستعداد للتفجير، شاهدنا اثنين من الأهالى يسيران باتجاه منطقة التفجير، فسارع أفراد القوات المسلحة لتحذيرهما وإبعادهما عن المنطقة حفاظا على حياتهما، وبعد التأكد من ابتعاده، تم التفجير القوى دون أن يصاب أى فرد سواء من القوات المسلحة أم من المدنيين فى المناطق المحيطة.


رفح تتطهر

رفح.. آخر المدن المصرية على الحدود الشمالية الشرقية مع قطاع غزة، مدينة اشتهرت عبر الأعوام الماضية بأنها "مدينة الأنفاق والتهريب"، وتعرضت للكثير من الهجمات الإرهابية، وشهدت مجازر عديدة راح ضحيتها العديد من الشهداء، حتى كان القرار المصرى بإقامة منطقة عازلة على طول الحدود.
عملية تطهير رفح مستمرة منذ بدء العملية الشاملة سيناء 2018، قبل أكثر من شهرين، ورفح اليوم مختلفة تماما عما كانت عليه سابقا.
مناطق عديدة فى شمال سيناء عبارة عن "دورين"، الدور الذى نراه فوق الأرض وبه البيوت والمزارع والصحاري، وهناك "الدور المخفي" ولا نراه، وهو دور تحت الأرض، به كل ما يمكن تخيله، مخابئ وملاجئ كبيرة وفيها كل الاحتياجات من أجهزة كهربائية ودورات مياه وكل الاحتياجات، يختبئ بها التكفيريون إذا أحسوا باقتراب القوات المسلحة منهم، وتلك المخابئ بها أنفاق للهروب من خلالها إلى أماكن أخرى.
الغريب أنه ما زال حتى اللحظة يتم اكتشاف أنفاق جديدة، يصل طول بعضها إلى أكثر من كيلو متر من الحدود، وبأعماق تزيد على 10 أمتار، مما يعنى أن هناك إصرارا من البعض فى غزة على حفر المزيد من الأنفاق الجديدة، لكن القوات المسلحة تعمل باستمرار من أجل الكشف عن أية أنفاق قرب رفح والقضاء عليها، إذ إن الحرب تبدأ فعليا من رفح، فهى البوابة السحرية للجماعات التكفيرية، والقضاء على تلك البوابة ينهى على شريان حيوى لتلك الجماعات.
جولة مهمة تشرفت بالمشاركة فيها داخل رفح، تضمنت خط الحدود الدولى مع غزة، من خلال طريق صلاح الدين المعروف ب"محور فيلادلفيا" الفاصل بين الحدود المصرية – الفلسطينية، أبراج المراقبة الفلسطينية ومبانى غزة لا يفصلنا عنها إلا أمتار قليلة، فهى على مرمى البصر، ذكرتنى بآخر زيارة لى لغزة قبل عدة سنوات، وبعدها كانت لنا جولة أخرى على خط الساحل بطول شاطئ رفح.


مع الأسود فى أحد الكمائن

كمائن القوات المسلحة تنتشر فى شتى أرجاء سيناء، رجال لا تعرف أعينهم النوم، فى حالة استعداد دائم، كما أن تواجد أى شخص فى حرم أى كمين يعرضه لخطر إطلاق النار، وقوة الكمين مزودة بمختلف الأسلحة والذخيرة، لتستطيع صد أى هجوم إرهابي.
"الأهرام العربي" زارت بعض الكمائن فى شمال سيناء.، منها زيارة لأحد الكمائن جاءت –حسبما أخبرنا أفراد قوة الكمين- بعد استشهاد أحد الجنود من قوة الكمين وهو داخل غرفته، برصاصة القناصة، ولذا تشعر أن كل قوة الكمين من الضباط والجنود لديهم حماسة شديدة، يعتلون الأبراج، يتحصنون فى الموقع، وأيديهم على الزناد، يتابعون أى حركة ويتم إطلاق النار واستهدافها فورا.
حالة الاستنفار مستمرة على مدار الساعة، وأثناء تواجدنا قام أحد جنود الكمين بإطلاق زخات من الرصاص فهرعنا لنعرف السبب، فوجدنا الرصاص يتم إطلاقه على منطقة قريبة، وعرفنا منه أنه شاهد حركة غريبة، يعرفها الجنود بأنها محاولة أحد الإرهابيين للاقتراب من الكمين إما لزرع العبوات الناسفة أو اقتحام الكمين.. وساد الصمت لدقائق قبل أن يعود الهدوء والترقب.
قوة الكمين تضم عددا من الضباط والجنود، ولهم قصص وحكايات بسيطة، الجميع يحكى حكايات البطولة، يشيرون لمنطقة ليست بالبعيدة، كان يوجد بها التكفيريون يهاجمون الكمين بقذائف "الهاون"، وذلك قبل أن القضاء على عدد كبير منهم خلال الشهور السابقة، وهنا استطعنا إحباط هجوم لمجموعة من التكفيريين، وهنا كان يختبئ أحد الإرهابيين ويطلق علينا الرصاص قبل أن نتمكن من استهدافه وقتله.. وهنا كان يحاول أحد التكفيريين أن يتقدم ليقوم بزرع عبوات ناسفة للقوات المسلحة خلال تحركاتها، ولكننا اكتشفناه أثناء ذلك وتمكنا من استهدافه وقتله.
الجنود فى الكمين لا يتركون أسلحتهم دقيقة واحدة، كل جندى له مهمة محددة ودقيقة، وجوه الجنود لا يبدو عليها أى خوف والذى قد يتسلل إلى قلب من يسمع طلقات الرصاص، فما بالك بمن يعيش وسطها طوال اليوم..


سألت الجنود: إنتوا مش خايفين يا رجالة؟ ابتسموا ورد أحدهم قائلا: لا يا فندم.. أخاف من إيه؟ كل واحد وله عمره، وبعدين أخاف من مين؟ والتقط طرف الحديث جندى آخر قائلا: الجماعة الإرهابيين دول جبناء جدا، ومايقدروش يقابلونا وجها لوجه، آخرهم إما يزرعوا عبوة ناسفة، أو يضربوا بالقناصة، أما الهجمات الانتحارية بالأحزمة الناسفة والعربيات المفخخة، فدلوقتى ميقدروش يعملوا ده فى رفح وأى تحرك منهم بيبقى ظاهر ولو قرب بس حيتم التعامل معاه فورا ومش حيقدر يقرب مننا".
أسود الكمين كان بعضهم يتحدث إلينا، والبعض الآخر يراقب المنطقة، وسط زخات من طلقات الرصاص، حيث كان أحد الإرهابيين يحاول الاقتراب من الكمين، وتم رصده وإطلاق الرصاص على المنطقة الموجود بها على بعد نحو كيلو متر أو ربما أكثر.. وقبل أن نغادر الكمين، صافحنا الأسود داعين الله أن يحفظهم ويسدد رميهم.

داخل وحدة عسكرية

وإذا كانت زيارة أحد الكمائن هى أمر مميز، فإن اللقاء مع الأبطال داخل إحدى الوحدات العسكرية أمر لا ينسى، فكلنا نسمع عن الحياة داخل معسكرات الجيش، ولكن الحقيقة شىء، وما نسمعه شىء آخر.. مبان جيدة لمبيت الجنود، والكافتيريا.

أعداد كبيرة من القوات والمعدات والمركبات والمدرعات، خلية نحل تعمل على مدار الساعة، مجموعات ذهبت لتنفيذ مداهمات منذ أيام، وأخرى تستعد للخروج لتنفيذ مداهمة جديدة، بخلاف أفراد الحراسة على الأبواب وفى الأبراج، ومجموعات تختلس ساعات فى الراحة، بعدما عادت من تنفيذ مداهمة أو أنشطة أخرى، بخلاف أفراد تجهيز الطعام، بينما يحزم آخرون أمتعتهم استعدادا للمغادرة فى إجازة قصيرة، ووسط كل ذلك تجد الجنود والضباط يجلسون معاً ويتبادلون الأحاديث، وربما مشاهدة المباريات عبر شاشات التليفزيون، ويومها كانت هناك مباراة لنجم مصر والعالم محمد صلاح، مع ناديه ليفربول، فالتف العشرات حول الشاشات يستمتعون بمشاهدة النجم المحبوب، وتعالت صيحة الفرحة عندما أحرز صلاح هدفا لناديه.. دقائق السعادة والفرحة يختلسها الجنود، ويمضون أيامهم وسط القتال والاستعداد، وتنفيذ المهام القتالية.


ليلة لا تنسى تشرفت بقضائها مع أسود مصر فى شمال سيناء، جاءوا من كل محافظات المحروسة، لينصهروا فى بوتقة الدفاع عن مصر وأهلها، لا يعرف الخوف طريقا لقلوبهم، عندما يتحدثون عن المعارك ترى أعينهم تلمع بنور القوة، وبعدها تجدهم يتبادلون أحاديث السمر، فتتساءل: هل هؤلاء هم أنفسهم الذين يتحولون إلى أسود شرسة عند المواجهات؟ كل ذلك يجعلك تشعر أنهم تجسيد لقوله تعالى فى وصفه للمؤمنين "أشداء على الكفار رحماء بينهم"، لا أنسى جنود الأمن وهم يواظبون على التحرك جيئة وذهابا، يتحركون طوال اليوم ويمرون على زملائهم من الجنود الذين يقومون بحراسة المعسكر للتأكد من يقظتهم.

"الأكل الميري"

ليلة الفخر مع البواسل داخل أحد المعسكرات كانت متنوعة، ما بين مجالستهم فى أحاديث السمر، والحديث عن القتال والحرب، والحديث عن الحياة الشخصية والأحلام.. لا فرق بين ضابط وجندي، الجميع يرتدى نفس الزي، ويأكلون من نفس الطعام.

تناولنا مع القوات الطعام، وبدأت المفاجآت، وكان عبارة عن "رز ولوبيا وربع فرخة مشوية وسلاطة خضراء وعيش وبرتقالة"، كان الطعام شهيا ولذيذا وساخنا، فاعتقدت أن هذا طعام خاص لنا، لكننى اكتشفت أنه طعام كل أفراد المعسكر، وفى المساء كانت وجبة العشاء، التى أيضا كانت مفاجأة لي، فهى عبارة عن "فول وجبنة بيضاء "لذيذة جدا" جعلتنا نأكل بشراهة، ومربى وحلاوة"، أما "العيش" فكان مفاجأة، لأنه "عيش سخن لسه طالع من الفرن"، وعرفنا أن المخبز موجود داخل الوحدة، أما طعام الإفطار فكان مفاجأة أيضا وبطلها "الطعمية السخنة".

حائط المجد

أما العلاقة بين الضباط والجنود فلا توصف، فالضباط يتقدمون الجنود فى المداهمات وعمليات التمشيط لا فرق بين ضابط وجندي، مما يجعل الجنود يتسابقون لحماية قادتهم الضباط، بينما يتقدم الضابط الصفوف، يتشاركون جميعا لحظات الخطر فى المداهمات، ولحظات السمر والحديث فى الراحة.

جندى أمضى عامين ونصف العام وتبقى له نصف عام فى الجيش، تحدث بكل الفخر عن فترة التجنيد، وعن مشاركته فى القتال والمداهمات، التى باتت شرفا لكل جندى وضابط، يتسابق الجميع للمشاركة فيها، البعض يكون عائدا لتوه من تنفيذ مداهمة، وحينما يعلم أن هناك قوة تستعد لتنفيذ عملية مداهمة يتسابق للمشاركة.. تحدث عن أبطال الوحدة من الضباط والجنود، روايات أسطورية عن رجال لا يهابون الموت، روايات تتناقلها أفراد الوحدة ممن سبقوهم، منهم من ارتقى شهيدا، أو أنهى فترته التجنيدية، ضباط وجنود شاركوا فى تنفيذ عمليات كبيرة ضد العناصر التكفيرية، أو نجحوا فى إحباط هجمات للإرهابيين لو تمت لأوقعت العديد من الشهداء.


أمام "حائط المجد" فى الكافتيريا، تزينت الجدران بصور لبعض شهداء الوحدة، من الضباط والجنود، سألت عنهم، فتبارى الجميع يحكى قصص البطولة، أحد الجنود أوضح أن أحد الضباط الشهداء كان اسمه كفيلا بزرع الخوف فى صفوف التكفيريين، واستطاع أن يقتل منهم الكثير، واستخدم أساليب جديدة لتحقيق عنصر المفاجأة للقبض عليهم فى عقر دارهم، فكانوا يتفاجئون به وهم جالسون فى دارهم، وضابط شهيد آخر كان "بعبع" للتكفيريين، أما سيرة الشهيد البطل أحمد المنسي، فكانت كفيلة بأن تجعل جميع الضباط والجنود يملأهم الفخر والسعادة، ويتبارون فى الحديث عنه وعن بطولاته، التى كانت وستظل يتناقلها الضباط والجنود فى وحدات الجيش، ويتحاكون بها لأسرهم فى منازل مصر من أسوان للمعمورة.

المداهمات.. وقلب الخطر

أعمال المداهمات ربما تكون أخطر الأعمال القتالية، فهى تعنى ببساطة تحرك مجموعة من القوات المسلحة، بأسلحتهم وذخيرتهم، للاقتراب من البؤر الإرهابية، أو أماكن وجود التكفيريين، وعادة فإن القوات المشاركة تترجل وتكمل الطريق سيرا على الأقدام بسبب وعورة الأرض أو للوصول بشكل مفاجئ، وبالطبع فإن تلك القوات حتى لو كانت فى مدرعاتهم، فإنهم قد يصبحون هدفا للعناصر التكفيرية.

وقد تستمر عملية المداهمة لعدة ساعات، وربما تستغرق عدة أيام، وتخيل وقتها شكل الحياة التى تعيشها تلك القوات.. ساعات وأيام فى الصحراء، وفى بيئة معادية، معرضين فى أى لحظة لهجوم العناصر التكفيرية.. يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، وربما كان "كوب شاى ساخن" أقصى أمانيهم.
فى عمليات المداهمة يكون سلاح المقاتل هو خير رفيق، ولذلك يحرص الجميع على صيانة سلاحه والتأكد من وجود الذخيرة الكافية، بخلاف الاحتياجات الغذائية الكافية.
فى تلك الأوقات تظهر معادن الرجال، وأستطاع المقاتلون أن تظهر أصالة معدنهم، وتكتشف أن أبطال اليوم هم خير خلف لخير سلف من أبطال الجيل الذهبى فى الاستنزاف وأكتوبر..
حكى لى أحد الضباط عن جندى معه فى الكتيبة، أنه صدح يغنى أغنية الشاعر الراحل الكبير أحمد فؤاد نجم
«واه يا عبد الودود .. يا رابض ع الحدود.. ومحافظ ع النظام..»


حكى الجندى لزملائه كيف أن والده كان من الجنود فى حرب يونيو 1967، وشارك بعدها فى حرب الاستنزاف وأيضا حرب المجد والنصر فى أكتوبر 1973، وأن والده كان يحب تلك الأغنية ويغنيها مع المقاتلين فى أمسيات السمر.. وأنه ورث عن والده حب تلك الأغنية التى اقترنت لديه بتراب مصر والحفاظ على سيناء، فحفظها زملاؤه من الجنود والضباط، وباتوا يرددونها سويا.

الحفاظ على السلاح

فى الكليات العسكرية، يتعلم الطلبة قيمة السلاح، حتى إن القسم يتضمن "محافظا على سلاحى لا أتركه قط، حتى أذوق الموت"، هذا القسم لم أكن أفهمه، وأفهم العلاقة ما بين المقاتل، ضابط أو جندي، وما بين السلاح، إلا أن الأيام التى قضيتها فى سيناء بين الأبطال، جعلتنى أدرك قيمة ومعنى السلاح، وأهمية الحفاظ عليه.
فعقب انتهاء أى عملية قتالية، يسارع الجنود والضباط إلى صيانة أسلحتهم الشخصية، وكذلك المركبات بأنواعها المختلفة، حتى تكون جاهزة للمهمة التالية.
فعقب انتهاء إحدى عمليات المداهمة، عادت القوات بسلامة الله، وما إن وصلوا حتى بدأت مجموعة من الأفراد فى التعامل مع المدرعات والدبابات، لصيانتها، بل إن أحدهم أصر على صيانة محرك أحدى المدرعات، واعدا بأن تتم علمية صيانته قبل انتهاء اليوم، حتى تكون المدرعة جاهزة للتحرك فى صباح اليوم التالي، وبالفعل، يتحرك عناصر الصيانة يتحركون ويسابقون الزمن، كمن فى مهمة قتالية عاجلة، وبالفعل انتهوا من صيانة المحرك وكانت المدرعة جاهزة قبل انتهاء اليوم.
قصة أخرى رواها أحد الضباط، توضح مدى تعامل القوات بقدسية مع السلاح والمعدات، ففى إحدى عمليات المداهمة، وقع عطل فى جنزير إحدى الدبابات، وبينما كانت القوات كانت قد أوشكت على إنهاء المداهمة، التى كانت فى إحدى المناطق شديدة الخطورة، وبؤرة إرهابية معروفة، لكن الضباط والجنود رفضوا المغادرة، بسبب عدم القدرة على تحريك الدبابة، وأصروا على عدم تركها والمغادرة، حتى لا يحصل عليها التكفيريون.

"البلدوزر المدرع"

وإذا كانت حرب أكتوبر قد شهدت أساليب ومعدات مبتكرة، استطاعت أن تجعل النصر من نصيب الجيش المصري، فإن القوات المسلحة تستخدم حاليا تكتيكات جديدة، تصيب الجماعات التكفيرية بالمفاجأة ولا يستطيعون مواجهتها.
أحد تلك الأساليب هى استخدام البلدوزرات المدرعة، فى التعامل مع العبوات الناسفة، أحد أهم أساليب العناصر التكفيرية فى استهداف القوات المسلحة.
وبالتالى باتت البلدوزرات سلاحا يصيب التكفيريين ب"الجنون"، وأصبحت البلدوزرات هدفا لهجمات التكفيريين، ويقومون بوضع عبوات ناسفة بأحجام وقدرة تفجرية كبيرة، بهدف التخلص من تلك البلدوزرات.
فى إحدى عمليات المداهمة، تقدم البلدوزر للتعامل مع العبوات الناسفة، هاجمه أحد العناصر التكفيرية مرتديا حزاما ناسفا، وحاول فتح باب كابينة القيادة، إلا أن يقظة سائقه منعت التكفيرى من اقتحام الكابينة، فلم يجد التكفيرى إلا تفجير نفسه أمام البلدوزر، لكن لم يصب البلدوزر بأضرار جسيمة، واستمر فى العمل واستمرت عملية المداهمة التى كانت عملية ناجحة جدا، وتم اكتشاف العديد من المخابئ والتجهيزات الهندسية من الخنادق وغيرها للتكفيريين.

الدبابة.. سلاح فتاك

كان لافتاً أن أشاهد الدبابات منتشرة بشكل كبير فى شمال سيناء، كما توجد مع قوات المداهمات، وهى القوة الضاربة فى مهاجمة الجماعات التكفيرية فى عقر دارهم، نظرا لبطء الدبابة، وصعوبة ووعورة الأرض، خصوصا المناطق الصحراوية ذات الرمال الناعمة، ولكنى أدركت أن الدبابة سلاح فتاك، وأن التكفيريين يخشونها بشكل مخيف.
فمشاركة الدبابة ضمن قوات المداهمات أو قوات التمشيط، يوفر لها حماية كبيرة، ولا بد من أن نشير إلى واقعة حدثت أثناء مصاحبتنا لقوات المهندسين العسكريين فى تمشيط أحد الطرق فى رفح، حيث كان أفراد القوة يسيرون فى مهمة تمشيط الطريق للبحث عن أية عبوات ناسفة، وخلفهم تسير باقى القوات لتأمينهم من أية عناصر معادية قد تستهدفهم بهجمات سواء بالقناصة أم بهجوم يشارك فيه عناصر عديدة، وتنتظر القوات التأكد من خلو الطريق من أى عبوات ناسفة.
وأثناء ذلك أطلقت أعيرة نارية من مكان قريب باتجاه عناصر سلاح المهندسين، الذين سارعوا لاتخاذ سواتر تحميهم من مصدر إطلاق الرصاص، وتدخلت عناصر القوات المسلحة المصاحبة لهم، فى تحديد مكان إطلاق النيران، وهو أحد المنازل المهجورة داخل المنطقة العازلة، وبينما كان يتم تبادل إطلاق الأعيرة النارية، كان الحسم من خلال الدبابة المشتركة فى قوة التمشيط، قام طاقم الدبابة بتحديد مكان التكفيريين، واتخذت الدبابة وضعها القتالي، وأطلقت عدة طلقات أصابت المنزل إصابة مباشرة وتم تدميره، وتم القضاء على العناصر التكفيرية.
وبات واضحاً أهمية تدخل الدبابات لتحسم المعركة من خلال قوتها النيرانية القوية، التى تستطيع تدمير الأماكن التى يتحصن بها التكفيريون خلال تبادل إطلاق النار مع قوات الجيش خلال المداهمات، كما أن قدرات الدبابة على إطلاق النار من مسافات بعيدة، تجعلها سلاحا فتاكا، يحرم التكفيريين من فرصة اقتراب قوات الجيش منهم، فبمجرد تحديد أماكنهم مع أول طلقات منهم، تتدخل الدبابات وتوجه لهم ضربات قوية تقضى عليهم.

الصاعقة.. القوة الضاربة

الصاعقة.. أسود الجيش المصري، يرتعب منهم الجميع، لديهم سمعة عالمية وصلت إلى شتى أنحاء العالم، ولذلك فهم مصدر الرعب للتكفيريين، ولذلك فإن اللقاء مع أبطال الصاعقة، يعد حدثا لا يمكن أن تنساه أبدا.. فلا يمكن أن تنسى رفقاء الشهداء المعروفين من ضباط الصاعقة خلال السنوات الأخيرة فى الحرب على الإرهاب فى سيناء، وفى مقدمتهم المنسى ورامى حسنين وشبراوي، وغيرهم من الأبطال الذين استشهدوا بعدما كبدوا التكفيريين خسائر كبيرة، وأحبطوا مخططاتهم..

اللقاء مع أبطال الصاعقة كان فريدا ومهما، لا تخطئهم العين بملابسهم المميزة، ورشاقتهم وقوتهم البدنية الواضحة، ضابط بالصاعقة قال لى خلال اللقاء معهم فى شمال سيناء : "منذ أن جاءنا التكليف بالمهمة، بدأنا التجهيز والاستعداد القتالي، وكنا ننتظر ساعة الصفر على أحر من الجمر، تماما مثلما كان آباؤنا من المقاتلين والضباط إبان حرب أكتوبر 1973، بعدما استعدوا جيدا للحرب وباتوا ينتظرون ساعة الصفر، نحن الآن نواصل مهمتهم، وغايتنا هى تطهير سيناء على أيدينا".

ويضيف ضابط الصاعقة قائلا "الصاعقة لها دور مهم فى العملية الشاملة، وما نقوم به يصيب التكفيريين بالرعب، وتمكنا من تطوير أساليبنا مع الاستعانة بالإمكانات التكنولوجية الحديثة، وبذلك نتمكن من تحديد العناصر التكفيرية وأماكنهم، وننقض عليهم، ونقوم بعمليات خاطفة لاستهدافهم، ومن يحاول إطلاق النار علينا منهم نتبادل معه إطلاق النار، أما من يستسلم فنلقى القبض عليه ونسلمه للجهات المسئولة".


ويمضى أسد الصاعقة قائلا "خلال الفترة الماضية حققنا نجاحات كبيرة، ونفذنا العديد من عمليات المداهمة والتفتيش، وتمكنا من قتل العديد من العناصر التكفيرية شديدة الخطورة، وكل يوم نحقق تقدما أكثر فى تطهير سيناء من البؤر الإرهابية، مما يرفع روحنا المعنوية".

ويستطرد أسد الصاعقة قائلا "التكفيريون يحاولون تطوير استخدام العبوات الناسفة، وكلما استخدموا أسلوبا لتطوير العبوات الناسفة، نطور أساليبنا فى التعامل معها لنتمكن من اكتشافها وإبطال مفعولها، ولكن هناك عددا من الشهداء من أبطال الصاعقة ارتقوا خلال العمليات، ربما منهم أخيرا الملازم أول أحمد فوزي، والملازم إسلام محمد، خلال إحدى عمليات المداهمة فى رفح، التى يتم تطهيرها حاليا والقضاء على كل البؤر الإرهابية فيها، وعلينا أن نتذكر جميعا أنه كلما كان الهدف غاليا، كانت التضحيات غالية، ولا ننسى أبدا أن الفرد فى الجيش سواء جنديا أم ضابطا أم ضابط صف هو "مقاتل"، لكن عندما ينضم للصاعقة يكون اسمه "فدائى مقاتل"، فكلنا فى الصاعقة فدائيون، وهذا ليس مجرد كلام.. فروح الفداء والتضحية أسلوب الصاعقة".

ضابط الصاعقة أشار إلى الدور الذى تقوم بها القوات المسلحة فى حماية الأهالى من خطر الإرهابيين قائلا "الأهالى كانوا يتعرضون لمخاطر التكفيريين، لذلك أولى مهامنا هى تأمين أهالى سيناء، ونبدأ إخلائهم فى طرق مؤمنة، ونقوم بتأمينهم، وتفتيش المبانى المهجورة، ونعثر على العديد من العبوات داخل تلك المنازل التى هجرها أهلها، واستغلها التكفيريون لزراعة المتفجرات والعبوات الناسفة، أو يستخدمونها مقرات لاستهداف قواتنا، وبفضل الله نستطيع أن نتعامل معها بشكل جيد ونبطل تأثيرها، وتم اكتشاف عبوات لا حصر لها، وهذا يزيدنا إصرارا وقوة على أن نستمر حتى القضاء على الإرهاب".

الصاعقة البحرية.. وحوش ضارية

القوات الخاصة يعتبرها البعض القوة الضاربة للقوات المسلحة، ومن هؤلاء القوات الخاصة البحرية، رجال لا يعرفون المستحيل، على مستوى راق من التدريب والاستعداد القتالي، ربما لا يعرفهم الكثيرون داخل مصر، إلا أنهم وبحق يعدون وحوشا ضارية ضد التكفيريين، وتشارك قوات من الصاعقة البحرية فى العملية الشاملة سيناء 2018، عن طريق تأمين المسرح البحرى للعمليات، بتأمين سواحل شمال سيناء لمنع تسلل أية عناصر إرهابية سواء إلى داخل مصر، أو هروب التكفيريين إلى خارجها، وكذلك قطع الطريق أمام وصول أية مساعدات لهم، كما تقوم عناصر الصاعقة البحرية بالمشاركة مع القوات البرية فى عمليات المداهمات فى شمال سيناء.

أحد أبطال لواء الصاعقة البحرية المشاركين فى العملية الشاملة بشمال سيناء قال ل"الأهرام العربي" خلال لقاء معه: أفراد الصاعقة البحرية مجهزون ومدربون لكى يستطيع رجال الصاعقة البحرية التعامل مع التكفيريين بأقصى سرعة، وخلال الفترة الماضية تدربنا بشكل جيد على المواجهات مع التكفيريين.

كان ل"الأهرام العربي" شرف اللقاء مع تماسيح الصاعقة البحرية فى إحدى القواعد فى شمال سيناء، حيث قضينا يوما بصحبة الأبطال، الذين يشاركون فى العمليات فى شمال سيناء، فى العريش والشيخ زويد وفى رفح.

استقبلنا قائد الوحدة بكل ترحاب، وجلسنا نتبادل أطراف الحديث، بحضور عدد من ضباط الصاعقة البحرية، بعضهم قد عاد لتوه من تنفيذ عملية مداهمة بصحبة عدد من القوات بعد تنفيذ إحدى المهام القتالية، وتفيض أحاديثهم بالوفاء والعرفان للشهداء، وفى مقدمتهم الشهيد البطل مصطفى محمود أحد أبطال الصاعقة البحرية الذى أذاق الإرهابيين الويل وقتل منهم الكثير خلال المعارك حتى بات «أسطورة».

المظلات.. شرف المشاركة

وحدات المظلات دائما لها سمعة طيبة، وتعد إحدى القوة الضاربة للقوات المسلحة، وواحدة من القوات الخاصة، بالإضافة إلى الصاعقة.. التقيت بمجموعة من رجال المظلات فى أحد تمراكزاتهم فى رفح، بشمال سيناء، أحد ضباط المظلات تشرفت بمحادثته وجنوده خلال زيارتنا لهم، بطل من أبو حمص بمحافظة البحيرة، قال: إن أبطال المظلات يشاركون مع باقى الوحدات فى عمليات المداهمة وهل العملية تحتوى على خطورة للمشاركين بها، إلا أن القوات الخاصة لا يعرفون الخوف، بل يزرعون الخوف فى قلوب التكفيريين، وخلال الفترة الماضية تلقينا تدريبات عديدة على التعامل السريع مع أى عناصر عدائية، وهذا التدريب أفادنا كثيرا خلال عملياتنا فى شمال سيناء.

ضابط المظلات وكل قوات المظلات المشاركين فى العملية الشاملة، كانوا سعداء للغاية بوجودهم فى سيناء، وقال ضابط آخر: تحقق حلمنا وشاركنا فى العملية الشاملة لتطهير سيناء من الإرهاب.
أبطال المظلات يشعرون بالفخر الكبير، ويقول أحد ضباط المظلات: دى أعظم مهمة أقوم بيها منذ انضمامى إلى القوات المسلحة، وأنا سعيد إننى فى أرض سيناء وبدافع عنها، وأقول إن القوات المصرية الموجودة حاليا هم أحفاد جيل أكتوبر العظيم الذين ارتوت سيناء بدمائهم، ونحن الآن نواصل المسيرة، وسنكرر ما حققوه من الحفاظ على سيناء، ولن نتركها لأى عدو.

رجال سلاح المهندسين.. أبطال مجهولون

القوات المسلحة تطور أساليبها يوما بعد يوم، وكل يوم تكتشف جديدا، فى حرب عقول من الطراز الأول، فعلى سبيل المثال، كانت الجماعات التكفيرية تلجأ لوضع العبوات الناسفة من النوع اللاسلكي، والتى أوقعت عددا من الشهداء فى صفوف الجيش، وطّور سلاح المهندسين أساليبه باستخدام معدات تجهض عمل العبوات الناسفة، فلجأ التكفيريون إلى استخدام نوع جديد من العبوات السلكية، والتى أكتشفتها أيضا رجال سلاح المهندسين ونجحوا فى التعامل معها.

أحد أبطال سلاح المهندسين الذين التقيت بهم شرح لنا الدور الذى يقومون به قائلا : "دور المهندسين العسكريين فى العملية الشاملة هو رصد أى عبوات ناسفة والتعامل معها وتفكيكها أو تفجيرها، بخلاف نسف أى أوكار مفخخة للعناصر الإرهابية.

ضابط فى سلاح المهندسين شرح تركيب العبوة الناسفة، موضحا أنها تتكون من مواد كيماوية متفجرة مثل "TNT، وinfo، وc4 "، وخلال الفترة الماضية تم اكتشاف العديد من المخابئ التى يتم تخزين تلك المواد المتفجرة فيها، وكذلك صواعق التفجير، مما يقلل من مخزون العناصر التكفيرية من المواد المتفجرة، ويحد من قدرتهم على صنع عبوات ناسفة جديدة.
خلال عملية المداهمة، رأينا أفراد سلاح المهندسين يقومون بفحص الطريق، كان طاقم التمشيط بالكامل يقوم بعمله مترجلا على الأقدام، لفحص الطريق والتأكد من خلوه من أية عبوات ناسفة، حتى تستطيع القوات فى الخلف أن تتقدم بسهولة وفى أمان من خطر أى عبوات ناسفة.

أطقم سلاح المهندسين ربما تجوز تسميتهم "فدائي" بكل معنى الكلمة، حيث إنه يقوم بعمله فى اكتشاف العبوات الناسفة، وبالتالى يكون عرضة لنيران التكفيريين، إلا أن ذلك لم يمنع أبطال سلاح المهندسين من أداء عملهم على الوجه الأكمل.. وارتقى عدد منهم شهداء خلال عملهم سواء بسبب عبوات ناسفة، أو بسبب طلقات القناصة، لأن التكفيريين باتوا يدركون أن إبطال مفعول العبوات الناسفة، يعنى تقدم قوات المداهمات ووصولهم إلى معاقل التكفيريين، ولذلك يحاولون استهداف أبطال سلاح المهندسين بشكل مستمر.
سألت أحد ضباط سلاح المهندسين: هل هناك أى حل تكنولوجى للتغلب على العبوات الناسفة، فكان رده أن أمريكا وهى على قمة التكنولوجيا فى العالم ، لم تستطع جيوشها التغلب على العبوات الناسفة سواء فى أفغانستان أو العراق، وهذا دليل على أن العنصر البشرى والبطل المصرى المقاتل من سلاح المهندسين هو "البطل" فى التغلب على العبوات الناسفة، وبالطبع فإن مقاتلى سلاح المهندسين لديهم أيضا معدات وأجهزة تكنولوجية حديثة تساعدهم فى عملية رصد العبوات الناسفة، وإبطال مفعولها.

شباب مصر.. وسر "الأفرول"

عندما تتجول وسط وحدات القوات المسلحة، تجد أنك أمام لغز كبير، فالجنود وشباب الضباط لا يختلفون عن أى شاب آخر نراه فى شوارع وجامعات مصر، بالشكل الذى نعرف جميعا، وغيرها من الملامح التى يبدو عليها الشباب حاليا.

إلا أن الشاب عندما ينضم للتجنيد، أو ينضم للكليات العسكرية تجده يختلف تماما، تتقمصه روح "الأفرول"، فيتحول إلى شخص آخر، قوى وعنيد وشرس، فدائى لا يعرف الاستسلام.
هذه الصورة شاهدتها فى عيون ووجوه الشباب من الجنود والضباط فى سيناء، كلهم هنا يتحدثون بنفس اللغة، بنفس الكلمات، "سينا للرجالة"، يقولها الضباط الجدد والمجندون.
ضابط شاب تخرج حديثا من الكلية الحربية، الدفعة الماضية، تحدث بكل فخر بأنه هو الذى طلب عند تخرجه أن ينخرط ضمن قوات مكافحة الإرهاب فى سيناء، وكانت تلك أول رغبة له قائلا: "أنا بحب العمل فى المداهمات عشان أحمى بلدي، وأطهرها من العناصر اللى عايزة تخرب مصر".

وأضاف الضابط ليس هو الوحيد الذى يعمل من أفراد دفعته فى سيناء، بل هناك الكثيرون، مما يعنى أننا بصدد شباب متجذر فيهم الروح المصرية الأصيلة، بل أن بعضهم نال الشهادة، مثل الملازم مقاتل محمد عادل فؤاد، والملازم مقاتل محمود عماد دغش، والأخير حديث الزواج واستشهد وزوجته فى شهرها الثانى من الحمل.
"سر الأفرول" ليس فقط لدى الضباط، بل أيضا لدى الجنود، ضابط أكد لى بطولات الجنود خلال عمليات المداهمات، التى يتسابقون من أجل المشاركة فيها، وكيف أنهم يصبحون أسودا فعلا عند المداهمات، ويواجهون أصعب المواقف ضد العناصر التكفيرية.


القضاء على البؤر الإرهابية

خلال وجودى فى شمال سيناء، منتصف شهر إبريل الماضى، ولفترة 15يوماً، كانت هناك فرص رائعة لتجاذب أطراف الحديث مع العديد من الأبطال، وهو الأمر الذى أفادنى كثيرا فى فهم العديد من الأمور حول الأوضاع فى سيناء، وإلى أين وصلت العملية الشاملة سيناء 2018، وما معنى البؤر الإرهابية؟ وهل فعلا تم القضاء عليها؟ أسئلة عديدة كنت أطرحها على الأبطال، كانت إجاباتهم صريحة وواضحة، تبعث على التفاؤل والأمل.

البؤر الإرهابية بتعريف بسيط هى منطقة يتحصن بها عدد كبير من العناصر التكفيرية، ويقيمون بها تجهيزات هندسية معينة، مثل مصانع لصنع العبوات الناسفة، وخنادق ومخابئ يستخدمونها فى الاختباء عن أعين أفراد القوات المسلحة والاستطلاع الجوي، وأيضا بها مخازن للأسلحة والذخيرة، بخلاف مخابئ لإخفاء وسائل تحركهم من سيارات وموتوسيكلات.
شمال سيناء كان بها بعض البؤر الإرهابية، وكانت العناصر التكفيرية تستخدمها كمنطلق لتنفيذ هجماتهم والعودة للتحصن فيها فى العريش .
أما الآن فى ظل العملية الشاملة، فالقوات المسلحة اقتحمت تلك البؤر، وتنفذ عمليات هجومية ومداهمات لتلك البؤر يوميا، ويتم تطهيرها شبرا شبرا، فى ضغط شديد ومتواصل على من تبقى من العناصر التكفيرية، كما تتم إقامة مناطق تمركز لقوات الجيش داخلها بعد تطهيرها، ويبدأ الخناق يضيق عليهم، ويوما بعد يوم يتم استكمال تطهير ما تبقى من البؤر الإرهابية.

مد فترة العملية الشاملة

كان من المخطط أن تستمر العملية الشاملة 3 أشهر فقط وفقا لتكليف الرئيس السيسى القائد الأعلى للقوات المسلحة، تبدأ من تكليفه للفريق فريد حجازى فى شهر نوفمبر المنصرم، أى أن تنتهى العملية فى شهر فبراير الماضي، إلا أن الفريق حجازى طلب من الرئيس أن تستمر العملية لوقت أطول، واليوم ومع مرور أكثر من 3 أشهر من بدء العملية، نرى القوات المسلحة تقلب الأرض رأسا على عقب، فى كل شبر من سيناء، حيث تفتش المنطقة فوق الأرض وتحتها، فى منطقة تصل مساحتها لعشرات الكيلو مترات، من العريش حتى رفح، وتستخدم أساليب جديدة ومعدات متقدمة، وشجاعة كبيرة، مع حرص وحذر كبيرين.

هل يمكن أن يتخيل أحد مشهد مقاتلين يسيرون على أقدامهم، يفتشون الأرض والمنازل، فى بيئة شديدة الصعوبة، من صحراء وأشجار وشجيرات، وتلال.. ووسط كل ذلك احتمالات التعرض للعبوات الناسفة، أو حتى لهجوم انتحارى بحزام ناسف، أو هجوم عناصر تكفيرية مسلحة لتصفية القوات..
قوات الجيش فى شمال سيناء تقوم بأعمال قتالية مستمرة على مدار الساعة، عناصر تجمع المعلومات من مصادر مختلفة، وقوات تعمل فى تمشيط الطرق لاكتشاف أية عبوات ناسفة أو ألغام زرعها التكفيريون، وقوات أخرى تنفذ عمليات مداهمة لمهاجمة العناصر التكفيرية، أو توجيه ضربات لها بالمدفعية أو بالطائرات المقاتلة، بخلاف القوات المتمركزة فى الكمائن لاصطياد أية عناصر تكفيرية ومنع تسللها عبر الطرق إلى الوادي، بخلاف مجموعات الدوريات المتواصلة..
مع كل مداهمة، وكل دورية وكل عملية تمشيط، هناك خطورة حقيقية، ولكن أسود الجيش لا يبالون، وضعوا نصب أعينهم تطهير سيناء، والقضاء على الإرهاب، والثأر للشهداء.. يسقط شهيد فيسود جو من الحزن على فراقه، ويتحول الحزن إلى بركان غضب، لينطلق زملائه يواصلون القتال.

تكلفة الحرب بشريا وماديا
الإرهاب المنتشر فى عدة دول فى المنطقة، دفع العديد من الدول لتشكيل تحالفات دولية لمواجهته، وبالطبع فإن تكلفة تلك المواجهات تتحملها الدول المشاركة فى التحالف، وهذه التكلفة تتضمن المشاركة البشرية بالقوات، بخلاف التكلفة الاقتصادية المتمثلة فى المعدات والأسلحة والذخائر والمركبات وغيرها، وأيضا تكلفة المعيشة والوقود وغيرها، وهى تكلفة تصل لأرقام ضخمة، إلا أنه من الملاحظ أن مواجهة الإرهاب فى مصر، تتحملها مصر بمفردها، بشريا واقتصاديا.

هل يمكن أن يتخيل أحد تكلفة تجهيز ومتابعة وتوفير المركبات والمدرعات والاحتياجات الغذائية من مأكل ومشرب، وكل الاحتياجات الأخرى، بخلاف الأسلحة والذخيرة المناسبة لكافة المهام القتالية، والتنسيق ما بين كافة الأفرع الرئيسية من القوات الجوية والبحرية والدفاع الجوي، والتشكيلات التعبوية، بالإضافة إلى تكلفة الرعاية الطبية لكل هذه الأعداد الضخمة، فى منظومة تسير "زى الساعة" خلال حرب تشارك بها أعداد كبيرة من أفراد القوات المسلحة ومعدات وأسلحة وذخائر، وأيضا تنسيق متكامل مع الشرطة المدنية، وغيرها من مؤسسات الدولة، كل ذلك يحدث على مدار أكثر من 3 أشهر.

فطوال السنوات الأخيرة تخوض مصر حربا شرسة ضد الإرهاب، الذى جعلنا نتكبد خسائر كبيرة، سواء فى الأرواح أو الخسائر الاقتصادية المتمثلة فى توقف السياحة وغيرها، ولذلك كان لا بد من عملية شاملة لاستئصال الإرهاب من جذوره والقضاء على البنية التحتية للإرهاب والبؤر الإرهابية، بعد ما كانت تتم عمليات تهريب الأسلحة، بخلاف ترسانة الأسلحة التى تم تهريبها من ليبيا وإدخالها إلى مصر، مما جعل سيناء مخزنا كبير للأسلحة والذخائر المتطورة، بخلاف العناصر المدربة التى أعدها الإخوان للسيطرة على البلاد وفقا لمخططاتهم.

ملاحظات هامة

وقبل أن نحزم أمتعننا عائدين إلى القاهرة، بعد نحو أسبوعين فى شمال سيناء، كان هناك عدة ملاحظات حول الأوضاع القتالية فى شمال سيناء، لعل أبرزها:
- نحن جميعا نعيش الحياة العادية فى أرجاء مصر المحروسة، لكننا لا ندرى أن هناك حربا فى سيناء، يرتقى خلالها شهداء، ويقع فيها مصابون، حرب بكل الأسلحة والذخائر، وهذه الحرب هى الدرع الذى لولاه لما عشنا الحياة العادية فى كل أرجاء مصر، بل انتقلت الحرب إلى كل مدن وقرى مصر.
- مصر تخوض حربا شرسة، وتكلفتها الاقتصادية والبشرية ضخمة.
- القوات المسلحة اليوم اكتسبت خبرات كبيرة من الحرب على المجموعات التكفيرية والإرهابيين، وهى الحرب الحقيقية الأولى التى تخوضها القوات المسلحة منذ حرب أكتوبر 1973، وهذه الخبرات ضخمة بدرجة لا توصف، لأن القتال يدور مع عدو غير نمطي، ويستخدم أساليب حرب العصابات.
- أن الفترة التى سبقت العملية الشاملة سيناء 2018، التى انطلقت فى فبراير 2018، كانت بمثابة "تطعيم قتال"، تماما مثلما كانت حرب الاستنزاف فرصة لاستفادة القوات المسلحة من الخبرة قبيل حرب أكتوبر 1973، وكانت الفترة السابقة فرصة لتدريب أفراد القوات المسلحة على التعامل مع الجماعات التكفيرية، حيث أصبح أفراد القوات المسلحة على خبرة كبيرة بأساليب الجماعات التكفيرية، وأساليب العبوات الناسفة والعربات المفخخة، والهجمات الانتحارية، وأيضا استخدام القناصة، وبالتالى كانت عناصر القوات المسلحة على أهبة الاستعداد القتالى للتعامل مع كل تلك الأساليب عند بدء العملية الشاملة.
- القوات المسلحة استطاعت أن تستخدم الهجوم بأسلوب "النفس الطويل"، حفاظا على سلامة وحياة أفرادها، فقد كان من السهل أن يتم الهجوم بشكل مكثف لتنفيذ الانتهاء من المهمة فى الفترة الزمنية التى حددها القائد الأعلى للقوات المسلحة، الرئيس عبد الفتاح السيسي، ولكن نظرا لوعورة الأرض، والتجهيزات الهندسية، فإن ذلك كان سيؤدى لوقوع خسائر كبيرة وسقوط عدد من الشهداء من صفوف القوات المسلحة، والتى ارتأت أن تستخدم اسلوب عملية "اصطياد الفئران" بأسلوب الضغط المتصاعد، من خلال أحكام الحصار وتضييق الخناق على العناصر التكفيرية يوما بعد يوم.
- أن القوات المسلحة تعمل فى ترابط وتناغم كبير وتنسيق رائع بين مختلف أفرعها الرئيسية، وكل التشكيلات، فى سيمفونية رائعة، تثمر عن نتائج مذهلة، وتساعد على نقل الخبرات ما بين مختلف الأسلحة، والاستفادة من كل الإمكانيات والخبرات لدى الوحدات المختلفة.
- أن القوات المسلحة أصبح لديها قدرات رائعة من الإمكانات التكنولوجية، والأجهزة الحديثة، التى تساعدها على تنفيذ المهام بشكل يحافظ على حياة الضباط والجنود، فهناك الكثير من الإمكانات التكنولوجية الحديثة التى تستخدم حاليا فى القتال فى سيناء.
- أن عملية الحصار التى تفرضها القوات المسلحة على الإرهابيين، جعلتهم فى الرمق الأخير، فى ظل تراجع مخزونها من الأسلحة والذخيرة والمواد المستخدمة فى صناعة المتفجرات والعبوات الناسفة، وكذلك الاحتياجات المعيشية المختلفة من أغذية ووقود وخلافه.
- تتم محاصرة العناصر التكفيرية حاليا، من خلال العمليات الهجومية والمداهمات التى ينفذها الجيش الثاني، التى بدأت من خط الساحل شمالا مرورا بالمناطق السكانية على خط الساحل، وحتى المناطق الصحراوية جنوبا، بينما تسير عمليات الجيش الثالث من المناطق الصحراوية والجبال باتجاه التلاقى مع قوات الجيش الثاني، لتطويق العناصر التكفيرية والقضاء عليها باسلوب "الكماشة"، فى عملية دقيقة تشمل تفتيش كل شبر من أرض سيناء.
- أن الخيارات المتبقية أمام أى عنصر تكفيرى حاليا، هى إما القيام بعملية انتحارية بالأحزمة الناسفة، فى ظل عدم وجود أى دعم أو احتياطات فى الذخيرة والسلاح والاحتياجات الغذائية، أو ترك السلاح ومحاولة المغادرة ضمن المدنيين من مناطق القتال، وهنا يأتى دور الشرطة مع بقية الأجهزة الأمنية، لضمان عدم تسلل العناصر التكفيرية هروبا من قبضة القوات المسلحة.
- العناصر التكفيرية تلقت دعما كبيرا من الخارج، ولا دليل خير من ذلك سوى أنهم يرتدون "أفرول" مشابهاً للقوات المسلحة، وأسلحة متقدمة تم العثور عليها، كل تلك الأسلحة لا تستطيع أى جهة عادية الحصول عليها، ولكن يمكن شراؤها من خلال دول، وبات واضحا مدى علاقة تلك الدول بالإرهاب فى مصر.
- العناصر التكفيرية لا يعلمون أى شىء عن حقيقة الدين الإسلامي، وكل ما يعرفونه جاء من خلال عملية غسيل مخ تنفذها قياداتهم، ويكفى أن العناصر التكفيرية أغلبهم لا يعرف القراءة والكتابة، ولم ينل قسطا من التعليم، وهو ما يفرض علينا حتمية تحصين الجميع ضد محاولات غسيل المخ التى تنفذها قنوات الإرهاب التى تبث من الخارج، وهو ما يحتاج تفعيل دور كل مؤسسات المجتمع حتى نوقف تفريخ عناصر جديدة من التكفيريين.
- سيدات مصر فعلا يستحققن وصفهن ب "العظيمات".. زوجة وأم كل ضابط وجندى تعلم أنه على خط القتال فى سيناء وتكتم لهفتها وخوفها عليه، ولا تشغله بهموم الحياة ومشاكل الأسرة والأبناء، جميع المقاتلين هنا فى سيناء يحملن آيات الشكر والتقدير والعرفان لعظيمات مصر.
- من صدعونا بالحديث عن "الأجيال الجديدة المغيبة"، لا يعرفون شيئا عن أصالة المصري، فأفراد القوات المسلحة المتواجدون هنا فى شرق القناة، جاءوا كلهم بمحض موافقتهم، بل إنهم كانوا يتسابقون من أجل نيل شرف المشاركة فى حرب تطهير سيناء، كما أنهم يتسابقون لتنفيذ العمليات الخطرة، خصوصا المداهمات فى قلب البؤر الإرهابية، وبعضهم يصر على المشاركة فى كل عملية ويرفض ترك عملية مداهمة بدون المشاركة فيها، مما يؤكد أصالة وصلابة المقاتل المصري، بل إنه مع كل ارتقاء كل شهيد، فإن نار الغضب تتصاعد فى صدور أسود الجيش وتزيدهم إصرارا على مواصلة القتال لاقتلاع الإرهاب.
- أن الخدمات المعاونة لتسهيل العمليات القتالية تستحق كل شكر وتقدير، من توفير الاحتياجات الغذائية والمعيشية المختلفة، والمدهش أن هناك ضباطا وجنودا رفضوا الحصول على أى إجازة منذ مرحلة التجهيز للعملية، وبعضهم استمر فى العمليات القتالية لأكثر من 60 يوما.
- مع اقتراب العد التنازلى للانتهاء من العملية الشاملة سيناء 2018، فإن الجميع يترقب الإعلان عن خطة ورؤية متكاملتين لما بعد الحرب، وإعادة بناء سيناء بشكل حقيقي، وانطلاقة جديدة تتضمن كل المجالات الزراعية والصناعية والتجارية.

كلمة أخيرة

بقيت كلمة أخيرة.. كلمة لكل شعب مصر فى الدلتا والصعيد، الذين ينعمون بالأمن، دون أن يشعروا بالضريبة الباهظة التى يدفعها شباب مصر الطاهر فى القوات المسلحة، والذين يخوضون معارك قاسية، ضد جماعات لا تعرف أى حدود.. ولولا هذه المعارك وتلك التضحيات والضريبة من الدم والأرواح فى سيناء، لكانت الجماعات التكفيرية قد وصلت إلى كل شبر من أرض مصر، ونفذت عملياتها فى مساجد مصر وكنائسها، ليسقط آلاف وربما مئات الآلاف من المصريين الأبرياء شهداء.
الرسالة الوحيدة التى بعثها الأبطال فى سيناء إلى الشعب، هى أمنية ورجاء، أمنية أن يبذل الجميع أقصى ما بقدرتهم فى العمل المخلص، ورجاء أن يتوقف الفساد وعدم الضمير، فلا يعقل أن يكون هناك من يضحون بدمائهم وأرواحهم فداء للوطن، بينما يقوم آخرون بنشر الفساد.
أخيرا.. لا توجد كلمات توفى حق الرجال الذين لا يهابون الموت.. يحملون زملاءهم الشهداء والمصابين ويرافقونهم إلى المستشفيات، ويعودون لإكمال مهمتهم المقدسة.. لا يريدون منا إلا الدعاء بالنصر المبين، مهما كانت التضحيات..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.