النقيضان يجتمعان لعرقلة تحالف «سائرون» عن تشكيل الحكومة واشنطنوطهران تسابقان الزمن لتشكيل حكومة تحفظ مصالحهما
أعلنت نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية، وتصدر تحالف «سائرون» للإصلاح القوائم الانتخابية، فى ظل انتخابات شهدت حجم مقاطعة جماهيرية واسعة، وصلت وفقا للمعطيات الرسمية، إلى زهاء الستين بالمئة، فيما تحليل الأرقام، يشير إلى أن أعداد المقترعين، فى عموم العراق لا يزيد على 25 % ممن يحق لهم التصويت.
وما إن ظهرت المؤشرات الأولى للنتائج حتى استنفرت القوى الإقليمية والدولية اللاعبة فى الساحة العراقية كل أجهزتها للتعامل مع الواقع الذى يمكن أن تفرضه النتائج والتى يمكن أن تؤدى إلى تقلص نفوذ قوى إقليمية ودولية أصبحت من اللاعبين الرئيسيين فى الساحة العراقية.
والمثير أن قوتين متناحرتين تلاقت مصلحتهما فى مواجهة النتائج، التى أسفرت عن فوز تحالف سائرون بقيادة رجل الدين الشيعى مقتدى الصدر الذى أعلن مرارا رفضه لنفوذ القوتين فى العراق، وتجلى ذلك فى الشعارات التى رفعها المتظاهرون من مناصريه إيران بره بره، ومعلوم أن الصدر من أكبر المعارضين للوجود الأمريكى فى العراق، وقد تواترت أنباء عن مشاركة التيار الصدرى فى مقاومة الوجود الأمريكى فى العراق، ما دفع المسئولين فى واشنطن إلى اعتباره خارجا عن القانون ومطلوبا من قبل حكومة الولاياتالمتحدة، وكثيرا ما انتقد الصدر الشخصيات السياسية المدعومة من إيران أو التى يروج لها الأمريكيون باعتبارها لا تستحق القيادة، مشددا على أن من يستحقون الحكم، هم الذين بقوا هنا فى العراق.
وللسيد الصدر مواقف أعلن عنها أكثر من مرة، تدعو إلى نزع سلاح حزب الحشد الشعبي، ومطالبا بدمج عناصره فى القوات العراقية الرسمية، ورفض مرارا فكرة أن يكون لدى العراق جيش ثانٍ. وقد صرح السيد الصدر فى عدد من المقابلات مع وسائل الإعلام المحلية العراقية، بأن العراق يجب أن يظل خالياً من طموحات جيراننا.
ولعل فى تغريدة مقتدى الصدر ما يؤكد هذا النهج حينما قال: «إن قرارنا عراقى من داخل الحدود والجميع شركاء لا أمراء ماداموا غير محتلين لبلدنا.. فكلا للاحتلال وكلا للهيمنة» والتى اٌعتبرت رسالة لكل من طهرانوواشنطن، تؤشر على أن مساحة كل منهما سوف تنحسر أو تهتز، وهذا ما أدى إلى قلق كل من البيت الأبيض وولاية الفقيه، وهذا أمر مرفوض من كليهما.
فسارع مبعوث الرئيس الأمريكى الخاص فى التحالف الدولى بريت ماكجورك بالحضور إلى العاصمة العراقية وأحيطت تحركاته ولقاءاته بالسرية التامة، وأعقبه الرجل الإيرانى الأقوى قاسم سليمانى قائد فيلق القدسالإيراني، الذى حط رحاله فى بغداد متأخرا بعض الوقت عن المبعوث السامى الأمريكي، وأولى محطات جولة سلمانى بدأت برئيس تيار التحالف الوطنى السابق وزير الخارجية العراقى إبراهيم الجعفرى، حيث ناقشا نتائج الانتخابات وسيناريوهات التحالفات المفترضة، وشكل الحكومة المقبلة، وسعى سليمانى إلى توظيف قدرات الجعفرى الحوارية والدبلوماسية فى لعب دور الوسيط لجمع الفرقاء الشيعة، وأعقبه بإجراء حوارات مع عدد من الأطراف الشيعية الموالية لإيران وأبرزهم رئيس دولة القانون نورى المالكى ورئيس ائتلاف الفتح هادى العامرى وقياديين فى هيئة الحشد الشعبي، وتهدف الكتلة الأكبر فى البرلمان إلى العمل على إبعاد زعيم التيار الصدرى مقتدى الصدر عن الحضور الفاعل فى المشهد السياسي، وألمح بعزل حيدر العبادى فى حال امتناعة عن الالتحاق بالتحالف الذى تسعى إيران لتشكيله، إدراكا منه أن مصالح إيران فى العراق مرتبطة بوجود تحالف موحد، يضم جميع الأحزاب الشيعية ويقود الحكومة بعدما توارى نجم نورى المالكى أحد أهم رجالها فى العراق، بينما صعد بقوة نجم مقتدى الصدر.
الدكتور عبد الله الزيدى القيادى فى تيار الحكمة الوطنى العراقى وفى حوار مع «الأهرام العربي» اعتبر ما جرى فى العراق انتصارا سياسيا مجتمعيا ديمقراطيا كبيرا بنجاح العملية الديمقراطية وترسيخ جذورها فى أرض العراق، ورأى أن من إيجابيات العملية الانتخابية أنها مضت دون دماء والوضع الأمنى كان جيدا، والانتخابات جرت فى انسيابية لا بأس بها، ما يسهم فى ترسيخ الواقع الديمقراطى والعملية الانتخابية كانت جيدة، ورأى أن الانتخابات الإلكترونية جديدة على العراق وتجربة تستحق الوقوف أمامها على الرغم من الملاحظات الكثيرة التى أثيرت حولها.
وأضاف الزيدي، نعم سجلت الكثير من الملاحظات على إجراء الانتخابات وفق النظام الإلكترونى الجديد، أولاها أن البعض يعتقد بحدوث حالات تزوير من خلال التلاعب بالاجهزة الإلكترونية والدخول لتغيير نتائج الانتخابات، والملاحظة الثانية تتمثل فى الشكوك حول الأداء الفنى لهذه الأجهزة بحيث يعتقد البعض بأن هناك مشكلة فنية فى هذه الأجهزة من ناحية تقبل الاستمارة إلكترونيا والعد والفرز إلكترونيا، والملاحظة الثالثة طبقا للقيادى فى تيار الحكمة حدوث حالات من ترويع الناس وتخويفهم وإجبارهم على اختيار كيانات سياسية معينة فى بعض المناطق فى العراق، مما أسهم فى حصول بعض الكتل السياسية على عدد كبير من الأصوات ويعتقدون بأن هذا جرى من خلال الإجبار والترويع والذعر الذى بث فى بعض المراكز الانتخابية.
دكتور عبد الكريم الوزان الكاتب العروبى والمحلل السياسي، يرى أن نتائج الانتخابات البرلمانية بائسة ومشكوك فيها، والجميع يؤكد انعدام النزاهة والمصداقية فى العملية الانتخابية، ما سيؤدى إلى حصول عمليات تصفيات جسدية قد تطال الرموز الكبيرة.
ويعتبر الوزان أن تيار سائرون يمثل خط الجياع والشباب العاطل، ويغطى محافظات الجنوب والوسط وأجزاء كبيرة من العاصمة بغداد فطبيعى أن يتمثل رد الفعل الرافض من خلال فوزه، ويرجع تحالفه مع الليبراليين والشيوعيين إلى الشعور بعدم جدوى هيمنة الأحزاب الدينية، والميل نحو حكم مدنى يمثله التكنوقراط بعيدا عن التكتلات المذهبية والطائفية.
ويكشف الوزان عن أن الصراع الأمريكى - الإيرانى وصل أقصاه بعد شهر عسل طويل وأمريكا الآن، وللحفاظ على مصالحها وحماية أمن إسرائيل ولانتفاء الحاجة للشراكة مع إيران، باعتبار أن الدول تتعامل من خلال المصالح لا المبادىء، ستستغل انعزال إيران عن محيطها الخارجى وستستغل الفراغ الأمنى فى العراق، وتلجأ لتثوير الأوضاع من خلال دعم حكومة إنقاذ وطنى تعزل ميليشيات ومصالح وأحزاب إيران وتكون قريبة من النظام الوطنى الذى حكم العراق قبل عام 2003 وأدواتها مجلس الأمن والتحالف العربى والإسلامى.
إن نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية أنتجت مشهدا سياسيا تتداخل فيه الخطوط والألوان، فنجد أنه ليس أمام الجميع إلا صيغة جديدة من التفاهمات، تترتب عليها مساومات وتنازلات وضغوط تعد طبيعية لاستحقاق خاص بحكومة لديها الحد الأدنى من الانسجام بين مكوناتها، والتوازن بين ركائزها وقوائمها.
وسيظل سؤال من يشكل الحكومة المقبلة حائرا ربما لفترة قد تطول على المدة المحددة دستوريا، لأن الأمر يتطلب تشكيل تكتل يحظى بأغلبية مقاعد البرلمان حتى يضمن الحصول على ثقته، وهذا أمر ليس بالسهل فى ظل نتائج أظهرت أن «سائرون» أعلى قائمة حصدت 54 مقعدا من أصل 329 مقعدا هى إجمالى مقاعد البرلمان، تلتها قائمة الفتح الحشد الشعبى 47 مقعدا ثم ائتلاف النصر حيدر العبادى 42 مقعدا فائتلاف دولة القانون نورى المالكي، بينما حصد الحزب الديمقراطى الكردستانى على 25 مقعدا وتلاه ائتلاف الوطنية إياد علاوى 25 مقعدا، فتيار الحكمة عمار الحكيم 21 مقعدا، وتوزعت المقاعد الباقية على بقية الكيانات السياسية .
وطبقا لمحللين عراقيين، فهناك خياران أولهما أن يتحالف تيار سائرون مع ائتلاف النصر، باعتبارهما أكثر طرفين فى الساحة الشيعية انسجاما ويضاف إليهما تيار الحكمة، ويرجح الكثير من الوطنيين العراقيين هذا الخيار، ويرون أنه سيحرك العراق نحو دولة أكثر استقرارًا وشمولية وأقل فسادًا. من شأنه أن يقلل من قبضة إيران على البلاد، ويخلق مجموعة أكثر توازناً فى العلاقات مع جيرانها. أما الخيار الثانى فيتمثل فى تحالف يضم كلا من الفتح ودولة القانون والنصر، وهذ الخيار فى حال تحققه سيلقى دعما إيرانيا، لكن مع عدم رضا أمريكى وعربى إلا فى حال اختيار رئيس للوزراء يلقى رضا الغرب والعرب، وحينها ربما تلتقى الإرادتان الأمريكيةوالإيرانية.