مثلت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لحفل تدشين ووضع حجر الأساس لمشروع القدية، الذى يهدف إلى إنشاء مدينة ثقافية وترفيهية متكاملة، شرق العاصمة الرياض، رسالة واضحة المعالم، تحمل فى جوفها مضامين عديدة، فى مقدمتها أن المملكة بدأت عهدا جديدا، تستلهم فيه روحا معاصرة، وتبدأ تنفيذ أبرز مخرجات خطة التحول الوطنى 2020، ورؤية المملكة 2030، التى تركز على تقليل الاعتماد على النفط، وإيجاد مصادر دخل غير تقليدية، تسهم فى توفير المزيد من الفرص الوظيفية للشباب السعودي، إضافة إلى تنويع الموارد، وإيجاد بيئة تسهم فى جذب السياحة من داخل المملكة، لتوفير ما يزيد على 30 مليار دولار سنويا، كان ينفقها السياح السعوديون فى الخارج. وليس غريبا القول إن كثيرا من شعوب العالم ودوله تنظر إلى المملكة كمجرد بئر بترول ضخمة، تنتج الخام وتصدره، وتعيش على عائدات بيعه، وقد آن الأوان لتغيير تلك الصورة النمطية، وإبراز أننا قادرون على الإسهام فى منظومة الاقتصاد العالمي، وابتكار ما يناسب ظروفنا ويتوافق مع بيئتنا ويلبى احتياجاتنا. الرسالة الأبرز كانت هى أن المملكة، فى إطار توجهها نحو الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التى شهدتها أخيرا، تتجه نحو تعزيز صناعة السياحة، متجاوزة بذلك فكرة غير حقيقية، كانت تفتعل وجود حاجز بين الترفيه والإسلام، وكأن الدين الحنيف يدعو للجمود والرتابة، وهو مفهوم خاطئ بطبيعة الحال، يضع الإسلام فى غير موضعه، والسعودية – مع تمسكها بالثوابت الدينية وتقاليد مجتمعها الراسخة وعاداته العريقة – تصحّح بذلك التوجه الجديد تلك الفكرة النمطية التى ظل يروج لها البعض ممن توقفت عقولهم عن العمل، واختاروا التشدد والانكفاء والتغريد خارج السرب، متناسين أو متجاهلين قوله صلى الله عليه وسلم “روحوا عن أنفسكم ساعة فساعة فإن القلوب إذا كلت عميت”، وقوله “لن يشاد هذا الدين أحد إلا غلبه”.
ومن الفوائد الأخرى لهذا المشروع أنه يقدم لنا فرصة مواتية لتعريف العالم ببلادنا، وعرض ما نملكه من تراث غنى وموروث غزير، فالقدية ليست مدينة سياحية للسعوديين فقط، بل إن قرب المشروع من العاصمة الرياض، وتوفر وسائل المواصلات، يتيح لأكثر من 7 ملايين شخص، كثير منهم من المقيمين والدبلوماسيين والزوار، الوصول له وزيارته، ومما شرح الصدور إعلان المسئولين عنه أنه لن يكون مجرد نسخة مستوردة من مدن الترفيه والملاهى فى العالم، بل سيتم التركيز على عرض كثير من خصائص المجتمع السعودى وثقافته، بأسلوب مبتكر وقوالب جاذبة، تضفى عليها عنصر التشويق والجذب. وإذا ما تم التركيز على هذا الجانب، فأعتقد أنه يمكن تحقيق الكثير من الأهداف التى كانت تحتاج إلى جهود مضاعفة، فالدبلوماسية الشعبية أصبحت من أكثر الوسائل الناجعة فى التقريب بين الشعوب والأمم.
المملكة تتجه نحو تحديث واقعها، ورسم مستقبلها بإرادتها، وتلبية احتياجات سكانها، وفى مقدمتهم عنصر الشباب الذى يتجاوز تعداده ثلثى عدد السكان، فالإحصاءات الرسمية تؤكد أن 70 % من السعوديين هم من فئة الشباب الذين يقل معدل أعمارهم عن 30 سنة، وهؤلاء كانوا يشكلون الجزء الأكبر من عدد السياح الذين يسارعون إلى السفر للخارج، بحثا عن الترفيه والاستجمام، وفى ظل ما تشهده كثير من الدول التى كانوا يقصدونها من اضطرابات أمنية، وما يتعرضون له من محاولات استقطاب واستهداف، فإن الأولوية ينبغى أن توجَّه لإغرائهم بقضاء إجازاتهم داخل بلادهم، واستكشاف المناطق التى لم يزوروها من قبل، وهذه رؤية اقتصادية وأمنية لا أعتقد أنه يختلف عليها اثنان.