السيدة هايلى، مندوبة الولاياتالمتحدةالأمريكية، هندية الأصل، قريبة من أفكار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، هتفت صارخة فى مجلس الأمن: «إنها إهانة وصفعة، لن ننسى هذا الأمر أبدا». لا ندرى ما الإهانة التى لحقت بهم، وكيف لن ينسوا الأمر، أى أمر؟ ثم استخدمت حق النقض الفيتو ضد القرار المصرى الخاص بتحصين القدس من أى لعبة سياسية دولية، وهذا قدر مصر الذى لا فكاك منه، قدر حماية الإقليم العربى من المخططات الدولية الجائرة. السيدة هايلى واجهت أربع عشرة دولة بالفيتو، منعا لتمرير القرار المصرى دوليا، وقالت إنه (يعيق السلام)، لا ندرى عن أى سلام تتحدث، فى وقت وافقت عليه أربع دول من الدول الكبرى صاحبة حق الفيتو هى: روسيا وبريطانيا والصين وفرنسا، وعشر دول أخرى لها ثقل دولى، فمن إذن يعيق السلام؟ ترامب اتخذ قرارا أحاديا فى شأن لا يخصه، ولا يخص أى أحد سوى أصحابه فى الشرق الأوسط، وإذا كان ترامب يريد مداعبة التاريخ، فإن التاريخ سيكتب أنه الزعيم الأمريكى الوحيد الذى أراد أن يتمدد بالقوة فانسحب من العالم. فترامب ينسحب من كل شىء، من اتفاقية التجارة العالمية، ومن حلف الناتو، ويغادر الحلفاء القدامى، حتى شكر بنيامين نيتانياهو له وللسيدة هايلى فى تغريدته على تويتر لن تنفعه ساعة حساب التاريخ الأمريكى نفسه. ولن تنفع حتى اليهود، فالعالم يدرك الآن معضلة المسألة اليهودية، ويستعيد قراء كتاب كارل ماركس: المسألة اليهودية. أراد ترامب أن يضع العصا فى الدولاب العربى، فإذا به يضعها فى الدولاب الأمريكى، فنحن باقون هنا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. فلتنس السيدة هايلى، هندية الأصل، ما قالته فى لحظة انفعال، فلسنا رعايا الإمبراطورية الرومانية، ولن نكون نقطة فى الفلك الأمريكى الدوار. حملت مصر على عاتقها القرار لحماية القدس، حملت هذا القدر راضية، وهذا دورها، وقد أرادوا اختبارها فى لحظة انهيار الإقليم العربى، ولكنها (مصر فلا ترتجف) كما هتف الشاعر السودانى المصرى الليبى محمد الفيتورى ذات ليلة. لا أحد غير مصر يحمل روحه على كفه ويرضى بالقدر، فهى المنوط بها أن تقول فى وقت يتخلى فيه الآخرون، وهى لا تستطيع - حتى لو أرادت - الهروب من مواجهة العواصف، فهى تعرف المغزى، وأنها عواصف مصنوعة لأهداف أبعد من إقامة السلام على الطريقة الأمريكية. أليس غريبا أن تسابق صحيفة نيويورك تايمز العاصفة ويكتب فيها أندرو ميللر، نائب مدير السياسات فى منظمة مشروع الديمقراطية فى الشرق الأوسط، هجوما كاسحا على السياسة المصرية، ويطالب نائب الرئيس الأمريكى مايك بنس الذى كان سيزور القاهرة بأن تتخلص واشنطن من فكرة الشراكة الاستراتيجية مع القاهرة؟ ويقول إن المصالح الأمريكية والمصرية أصبحت متباينة، وإن العلاقة بين الطرفين الآن لم تعد ذات غاية مشتركة، ثم يطالب الإدارة الأمريكية بخفض ما يسمى المساعدات الأمريكية لمصر! مشيرا إلى العلاقات المتنامية أخيرا بين مصر وروسيا. ويصل ميللر إلى مربط الفرس حين يهاجم موقف مصر فى ليبيا وسوريا وفلسطين، ويقول لواشنطن ابتعدى عن القاهرة، وميللر معذور، فوظيفته المزعومة هى نشر ما يسمى الديمقراطية فى الشرق الأوسط. أما ريتشارد سوكولسكى، الزميل فى معهد كارنيجى، فينصح الإدارة الأمريكية ب«الابتعاد الإستراتيجى» عن مصر، وألا تخشى على السلام مع إسرائيل، شاحنا بطاريته بحكايات الديمقراطية، والحرية، وكل الأشياء البراقة ذات النكهة الأمريكية.. فشكرا هايلى، وميللر، وسوكولسكى.. وصلت الرسالة على عنوان البريد.