علاقة المملكة العربية السعودية وروسيا تشهد حالة دفء بعد الزيارة الأخيرة للعاهل السعودى الملك سلمان بن عبد العزيز ل “موسكو” التى شهدت لقاءات مع الرئيس “فلاديمير بوتين”. وتزداد العلاقة بين أكبر مصدرين للنفط فى العالم قرباً منذ تولى الملك “سلمان” الحكم، وجاء ذلك بالتزامن مع صفقة خفض إنتاج النفط، مما ساعد على استقرار الأسعار وبدء الاستفادة من فائض المخزون، وهو الأمر الذى لم يتحقق إلا من خلال التعاون بين البلدين.
وعلى الرغم من إجراء بلدان “أوبك” لتخفيضات أكبر بكثير من شركائها، فإن الإجراءات التى اتخذتها منظمة البلدان المصدرة للنفط وحدها لم تكن فعالة إلى حد ما. وزير النفط السعودى “خالد الفالح” كشف عن أن التعاون بين السعودية وروسيا أعاد الحياة إلى “أوبك”، مشيراً إلى رغبته فى تمديد التعاون لما بعد مارس 2018 إذا لزم الأمر. ومع عدم وجود فرصة لانضمام روسيا إلى “أوبك”، إلا أنها ستواصل العمل مع المجموعة طالما فى إطار تحقيق مصالح الطرفين.
ولم يكن يتصور أحد قبل خمس سنوات أن يصل التعاون بين البلدين إلى هذا الحد، ولكن ما يحدث الآن هو انعكاس لأهمية روسيا فى الخليج وبالتحديد دورها المؤثر فى سوريا، إضافة إلى تخصيص السعودية 3 مليارات دولار لنظام صواريخ الدفاع الجوى (S400)، وهو ما يعد ضئيلاً بالمقارنة مع صفقة مايو التى بلغت 110 مليارات دولار مع الولاياتالمتحدة، ما يعنى ظهور تحالفات جديدة. وفيما قد يبدو تأمين النفط الخليجى أقل أهمية بالنسبة للولايات المتحدة فى عصر النفط الصخرى حيث خفض النفط الصخرى الأمريكى من مشتريات الولاياتالمتحدة لنفط الخليج بنسبة تصل إلى 50 %، إلا أن منطقة الخليج لا تزال محتفظة بتأثيرها القوى على الأسعار.
تأتى هذه الجهود على الرغم من ارتباط “موسكو” العميق بإيران والذى لن يتغير، فمنذ تفكك الاتحاد السوفيتى عام 1991، تقاسمت حكومتا “موسكو” و”طهران” حدوداً مشتركة تقارب ال 1200 ميل، وتعود أجزاء منها إلى القرن السادس عشر.
هنا يثار التساؤل حول ما إذا كان سيصبح الكيان الروسى مستثمراً أساسياً فى الاكتتاب العام لشركة “أرامكو” السعودية المقرر طرحها العام المقبل؟ ورغم إنكار كلا الطرفين أى مناقشات حول هذا الاستثمار إلا أن عقد اتفاقية تضمن توفير النفط الخام منخفض التكلفة المستخرج من الشرق الأوسط يمكن أن يكون جذاباً لشركة “روسنفت” الروسية، التى تعتبره جزءًا مهماً لمحفظتها الخاصة بالتطوير المستقبلي.
ويمكن ل “موسكو” التفاوض مباشرة مع السعودية وإيران وهو أمر لم تتمكن الولاياتالمتحدة من القيام به منذ السبعينيات، مما يعطيها فرصة حقيقية للحد من التوترات بينهما، لتبدو روسيا كقوة إقليمية ناشئة إلى جانب تأثيرها القوى على سوق النفط فى العالم.
وجدير بالذكر أن منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) ومنتجين كبارا آخرين من بينهم روسيا اتفقوا على تقليص إنتاجهم حوالى 1.8 مليون برميل يومياً حتى نهاية مارس 2018. المحلل الاقتصادى “خالد أبو شادي” قال: إن البعض قد يتصور حداثة التقارب السعودى - الروسى، من خلال زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز التى تعد الأولى من نوعها ل “موسكو” فى تاريخ العلاقات بين البلدين، لكن الأمر أبعد من ذلك بكثير.
وأشار إلى أنه خلال فاعليات منتدى للطاقة فى “إسطنبول” فى أكتوبر 2016 الذى ضم كبار منتجى النفط فى العالم، حيث تزامن مع هذا المنتدى تصويت مجلس الأمن على القرار الخاص بالمساعدات فى سوريا، تم على هامش المنتدى لقاء “خالد الفالح” وزير الطاقة السعودى مع نظيره الروسى “ألكسندر نوفاك” ووقعا اتفاقيات على دعم التعاون فى مجال النفط، على الرغم من الاختلافات السياسية الكبرى بين البلدين.
ويرى “أبو شادي” أن أى لقاءات أو اتفاقيات توقعها السعودية فى مجال النفط له أهمية كبرى ليس باعتبارها عضواً فى “أوبك”، لكنها العضو الأهم والأبرز والأكثر تأثيراً، بحيث يعنى أن توجه السعودية بالضرورة توجه المنظمة ككل أيضاً، فيما تعد روسيا هى الطرف الأكبر للمنتجين خارج “أوبك”، الأمر الذى يشير إلى نوع من التوازن المطلوب بين قياديتين يحركا أسواق النفط. ودلل على ذلك بأن الاتفاقية التى تبلغ 1.8 مليون برميل يومياً كان يتحمل الجزء الأكبر منها السعودية من داخل “أوبك” وروسيا من خارجها.
وأوضح أن تمديد اتفاقية خفض الإنتاج وارد وبقوة، رغم وجود بدائل قادرة على رفع الأسعار دون الحاجة إلى خفض الإنتاج، أولها الاتجاه إلى استهداف الصادرات وليس الإنتاج مثلما تفعل السعودية فى “إيكوناوا” فى اليابان من خلال تخزين “أرامكو” لبترولها هناك مجاناً، لكن فى المقابل تحصل اليابان على ميزة من هذه الخدمة عن طريق إمكانية حصولها على ما تحتاجه من النفط من تلك المخازن فى أى وقت بسعر السوق.
وثانى بديل هو رصد حجم إنتاج الدول المستثناة من الاتفاقية وهى ليبيا ونيجيريا وإيران وبناءً عليها تتحرك حصص الدول الموقعة على الاتفاقية على حسب إنتاج أو صادرات نظيرتها المستثناة لعمل توازن ومواءمة فى السوق، وبذلك يستطيع التحكم فى الأسعار فى النهاية بدون وضع قيود على الإنتاج.
وأشار إلى أن السعودية بدأت بالفعل اتجاهها نحو خفض الإنتاج وأبلغت بها زبائنها فى آسيا، لافتاً النظر إلى أن كل دولة تستهدف سعر للنفط تختلف عن الأخرى حسب ميزانياتها واحتياجاتها والتزاماتها المالية، بهدف تحقيق التوازن فى النهاية بين الإيرادات والمصروفات، ويعتمد ذلك السعر المستهدف على عدد السكان والإيرادات وكمية النفط المصدر.
أما فيما يتعلق بتأثر ارتفاع الأسعار على الدول العربية داخل وخارج “أوبك”، قال المحلل الاقتصادى إن التأثير سيختلف بحسب هيكلية اقتصاد كل دولة ومدى اعتمادها على الصادرات النفطية فدولة مثل السعودية 80 % من اقتصادها يعتمد على النفط وهى بالفعل ستكون أكبر مستفيد من ارتفاع الأسعار، بينما الإمارات كمثال لديها شركات الطيران الكبرى واستثمارات أخرى تشكل أكبر مصدر للإيرادات فى كل إمارة.
من جانبه يتوقع الدكتور “محمد النظامي” خبير الأسواق المالية والبورصات العالمية ورئيس شركة “سمارت فيجن” تمديد اتفاقية خفض إنتاج النفط ما سيؤدى إلى ارتفاع الأسعار لدى الدول المنتجة والمصدرة سواء الأعضاء أو غير الأعضاء فى “أوبك”، مشيراً إلى تأثيرات الأحداث الجيوسياسية فى المنطقة والتى من أبرزها إلغاء الاتفاق النووى بين الولاياتالمتحدةوإيران، الذى قد يشمل أيضاً عقوبات جديدة على “طهران” وسيستتبعه انخفاض فى المعروض من النفط الإيرانى وارتفاع إضافى فى الأسعار.
وأرجع الاتجاه نحو تمديد الاتفاقية إلى أن أغلب تلك الدول تواجه مشكلات فى موازناتها العامة، مما يجعل من مصلحتها اتخاذ أية إجراءات تسهم فى توفير إيرادات إضافية إليها لتغطى العجز الحالي. وأوضح النظامى أنه من المرجح أن تصل أسعار خام نايمكس الأمريكى لنحو 60 دولارا للبرميل وخام برنت فوق مستويات 65 دولارا للبرميل فى الربع الأول من عام 2018، وهذا فى حال استمرار عدم الاستقرار العالمي.
ولفت النظر إلى الصراع الحالى فى إقليم “كردستان” العراق الغنى بالنفط، الذى انعكس بشدة على مستويات الأسعار التى ارتفعت مع استمرار التوترات فى المنطقة. كما أكد إلى أن المصلحة الروسية فوق أى اعتبار، ورغم تحالفها العريق مع إيران إلا أنها لن تدعمها على المستوى الاقتصادى فى الوقت الحالى بالتحديد، لعدة أسباب أهمها احتياجها إلى موارد إضافية بالتزامن مع تنظيمها لكأس العالم لاستكمال المنشآت الرياضية بها، ما يجعلها تحاول الابتعاد عن أية خلافات سياسية.