مصر ضيف شرف .. وهذه هى المرة الأولى التى تختار فيها السودان دولة أخرى وزير الثقافة السودانى: دولتنا قائمة على التنوع الثقافى المركب ونسعى لتحقيق التواصل مع الأشقاء
مبادرة الألف كتاب لتوزيع الكتب على الأحياء الشعبية السودانية هذا العام
بمشاركة 300 ناشر عربى من بينهم 100 مصرى، انطلقت الأسبوع المنصرم، فاعليات معرض الخرطوم الدولى للكتاب فى دورته ال 13، الذى جاء بالتزامن مع الاحتفاء باختيار مدينة “سنار” عاصمة للثقافة الإسلامية لعام 2017 وتستمر فاعليات المعرض حتى 29 من الشهر الجارى، وقد افتتحه النائب الأول للرئيس السودانى الفريق بكرى صالح رئيس مجلس الدولة، بحضور عدد كبير من الوزراء والمثقفين العرب.
حلت مصر ضيف شرف هذه الدورة، وتعد هذه هى المرة الأولى من نوعها التى تقوم فيها السودان باختيار دولة أخرى لتكون ضيف الشرف لمعرض الكتاب، أيضا شارك عدد كبير من الدول العربية من بينها المملكة العربية السعودية، وسوريا، والإمارات، ووقع الاختيار على اسم الشاعر الراحل د. محمد عبد الحى ليكون شخصية المعرض فى هذه الدورة باعتباره شاعرا سودانيا كبيرا أسهم فى إثراء الحركة الإبداعية فى السودان.
يحمل المعرض خلال دورته الحالية شعار “الكتاب جسر المعرفة” وبدوره يعلق وزير الثقافة حلمى النمنم قائلا: شعار معرض الكتاب بالخرطوم هذا العام هو ما نحتاجه اليوم فى ظل وجود الإرهاب والتطرف، مؤكدا أن معارض الكتب فى العالم دائما تكون مؤسسة للفكر والمعرفة، بينما أعرب نظيره وزير الثقافة السودانى الطيب حسن بدوى عن سعادته بالمشاركة المصرية هذا العام، وقال فى تصريح خاص ل “الأهرام العربي”: “دولتنا قائمة على التنوع الثقافى المركب المدهش والذى يشكل واحدا من عناصر وحدة السودان، وأيضا يعتبر إحدى أدواتنا فى مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، مشيرا إلى أن بعض المنظمات المعادية دائما ما تبحث عن نطاق الضعف، لكننا نحاول طوال الوقت أن نثبت وجودنا الثقافى فى المنطقة”. ويضيف: “نحن فى المشروع الثقافى السودانى حريصون على إدارة التنوع الثقافى بحيث يكون مصدر قوة السودان، مؤكدا مدى اهتمامه بالعديد من القضايا المهمة مثل “عروبة السودان” التى أثارها المثقفون”.
يؤكد وزير ثقافة السودان أن الحوار الوطنى، جعل قضية هوية السودان مهمة للغاية، فهى أهم مرتكزات الحوار الثقافى التى نسعى من خلاله لتحقيق التنمية الثقافية الشاملة، فالقضية الأساسية لدينا تكمن فى استكمال القضية الثقافية، وينوه الطيب بدوى إلى استنساخ فكرة العواصم الوطنية، كما توجد العواصم العربية ، ف “سنار” اليوم عاصمة للثقافة الإسلامية، لذلك استنطقنا عواصم خاصة بنا، حيث جعلنا من “الجنينة” عاصمة للثقافة الوطنية، وهى تعتبر مكان مولد الشاعر الكبير محمد مفتاح الفيتوري، التى جرت فيها معارك تاريخية بين السودانيين والفرنسيين .
يوضح الوزير: نحن نهدف إلى تحقيق التواصل الثقافى بين السودان وأشقائه العرب من خلال معرض الخرطوم الدولى للكتاب، ونهدف إلى التواصل فى إطار تحقيق السلام،كما نهتم بقضية خطر الإرهاب والتطرف وتأثيره على الأمن.
شاركت مصر من خلال قطاعات وزارة الثقافة المصرية المختلفة، المتمثلة فى الهيئة العامة للكتاب والهيئة العامة لقصور الثقافة، فى فاعليات المعرض من خلال القيام بكم كبير من الأنشطة الثقافية والفنية التى قدمها عدد من المثقفين والفنانين المصريين، فضلا عن الندوات التى شهدتها قاعة المقهى الثقافي، حيث بدأت أولى فاعليات المعرض الثقافية بندوة تحمل عنوان “الثقافة العربية وتحديات العصر” وشارك فيها وزير الثقافة حلمى النمنم والناقد الأدبى د. حسين حمودة، الذى أكد خلال حديثه على وجود تحديات كثيرة تواجه الثقافة العربية وأبرزها علاقتنا بالتراث وما يتصل بصورنا المتعددة حول هذا التراث، أيضا كانت هناك ندوة أخرى تحدث خلالها د. أحمد زايد، أستاذ علم الاجتماع السياسى بجامعة القاهرة عن الخصائص العامة للثقافة السودانية من حيث التنوع وارتباطها بنمط التدين الصوفى.
وقال د. زايد فى تصريح خاص ل “الأهرام العربي” إن معرض الخرطوم الدولى للكتاب هذا العام يشهد إقبالا كبيرا، خصوصا على الكتاب المصرى وتحديدا كتب التراث، مشيدا بالفاعليات الثقافية التى تقدمها وزارة الثقافة المصرية خلال فاعليات المعرض.
على هامش فاعليات المعرض التقى وزير الثقافة حلمى النمنم بنظيرته وزيرة ثقافة جنوب السودان د. نادية أروب، وتم توقيع بروتوكول تعاون مشترك بين الجانبين، وذلك حتى تشارك مصر فى جميع الفاعليات الثقافية التى تقدمها دولة جنوب السودان، كما التقى النمنم، رئيس اتحاد الناشرين السودانيين محمد الحسن وعددا من الناشرين بمعرض الكتاب لبحث أهم التحديات التى تواجه الناشرين فى ظل ارتفاع الأسعار.
وأطلقت وزارة الثقافة السودانية خلال فاعليات المعرض مبادرة ألف كتاب وهى مبادرة يقوم بها عدد من الشباب من خلالها يتم توزيع الكتب فى الأحياء السودانية الشعبية، وكانت الوزارة من قبل أطلقت مبادرة المائة كتاب التى اشتملت على عدد كبير من عناوين الكتب المختلفة وتم بيعها للشباب بأسعار زهيدة، وذلك لتشجيع شباب السودان على القراءة.
وعن المشاركة المصرية هذا العام فى معرض الخرطوم، التقت “الأهرام العربي” الدكتور مصطفى محمود، وزير الدولة للشباب والرياضة بالسودان، ورئيس الحزب الناصرى، الذى أعرب عن بالغ سعادته بوجود مصر ضيف شرف هذه الدورة، قائلا: مصر دائما تعتبر رائدة فى العمل الثقافي، فالشعبان المصرى والسودانى يعتبران شعبا واحدا يجمعنا وادى النيل، كما يجمعنا تاريخ مشترك. ويرى د. محمود أن معرض الخرطوم للكتاب يعد منتديا قوميا لمناقشة العديد من الملفات المهمة الثقافية والسياسية فى الوطن العربي، كما يعتبر معارض الكتب الدولية انطلاقة قوية لمواجهة التحديات الكثيرة التى تواجه الأمة العربية.
أما د. نادية أروب أدودى، وزيرة الثقافة بدولة جنوب السودان فقالت: إن دعوتنا للمشاركة هذا العام فى فاعليات معرض الكتاب أسعدتنا كثيرا، خصوصا أنها تعتبر المرة الثالثة على التوالى التى نشارك فيها فى معرض الخرطوم الدولى للكتاب، لافتة النظر إلى أننا شاركنا من قبل فى معرض كندا بجناح خاص، مثله جزء كبير من المكتبات العامة بجنوب السودان، فنحن نهتم ونحرص على المشاركة فى كل الفاعليات الثقافية.
وتؤكد د. أروب على أن الكتابة لعبت دورا مهما فى حل النزاعات يصل للحد الأقصى على الحدود المختلفة للدول الأخري، نحن انقسمنا جغرافيا وليس اجتماعيا،كما تشير إلى أن المثقفين تقع على كاهلهم مهمة كبيرة لذلك لابد من دعمهم، كما أعربت عن سعادتها بالمشاركة المصرية فى المعرض وقالت: لدينا مبادرات ثقافية وعلاقات خارجية مع مصر وحرصنا على توقيع عدد كبير من بروتوكولات التعاون مع وزير الثقافة المصرى حلمى النمنم، فنحن نهدف إلى تقوية العلاقات من خلال التواصل مع وزارة الثقافة المصرية. وخلال جولة “الأهرام العربي” فى معرض الخرطوم شاهدنا عددا من حفلات التوقيع، حيث تم تدشين كتاب “العصارة دراسة الفولكلور” للصادق محمد، وكتاب “العودة إلى سنار” للدكتور محمد عبد الحي، كما لاحظنا انتشار رجال المصنفات فى جميع أجنحة المعرض، حيث تمت مصادرة رواية “سقوط الإمام “ للكاتبة نوال السعداوى وكتاب “القرآن فى مصر” للكاتب محمد الباز ما أثار جدلا بين دوائر المثقفين المصريين.
ومن ناحيته يقول عبد العظيم مجذوب، مدير معرض الخرطوم للدورة ال 13 فى تصريح خاص ل “الأهرام العربي”: ليس معنى منع هذه الكتب من المعرض أنها مصادرة، كما يعتقد البعض، مشيرا إلى أن كل دولة لديها خطوط حمراء، فهناك كتب تخدش الحياء وأخرى تثير النعرات القبلية، وينوه مجذوب إلى أن “هذه هى المرة الأولى التى يتولى فيها إدارة المعرض، لافتا النظر إلى وجود لجنة المصنفات التى يترأسها “بشير سهل” ولها مهامها، أما نحن كإدارة تنظيمية فلنا مهامنا” معبرا عن سعادته بالمشاركة المصرية هذا العام قائلا: الهيئة المصرية العامة للكتاب لعبت دورا بارزا فى المعرض من خلال الأنشطة والندوات المتميزة التى تقدمها، ولدينا علاقات طيبة مع دور النشر المصرية، وهذا العام يشهد إقبالا كبيرا على الكتب، فالشعب السودانى يهتم بقراءة الكتب. ويؤكد أن الإقبال هذا العام مشرف جدا، مبينا أن متابعة الكتاب ومدى مواءمته للعرض فى السودان يتم من خلال لجان الفحص ولجنة المصنفات، ويشير إلى أن كتب الشباب موجودة بشكل كبير، ومشاركتهم فاعلة، فهم نصف الحاضر وكل المستقبل.
ومن ناحيتها رفضت النائبة عواطف مصطفى، رئيس اللجنة الإستراتيجية والعمل بالمجلس التشريعى السودانى فكرة مصادرة الكتب، وقالت: نوال السعداوى كاتبة معروفة، وليس هناك مانع من التعرف على مختلف الثقافات، وتشيد بالمشاركة المصرية هذا العام التى جعلت لمعرض الخرطوم الدولى للكتاب طعما ومذاقا خاصين وروحا جديدة، فمصر أم الكتاب العربى وأم العلم العربي. أما عادل المصرى، رئيس اتحاد الناشرين المصريين، فيرى أن المعرض هذا العام يعتبر أكبر من العام الماضي، لافتا النظر إلى أن الناشرين المصريين يشاركون بعدد كبير من الكتب برغم وجود معاناة شديدة بسبب أسعار الكتب.
وخلال جولة “الأهرام العربى” بين أجنحة الناشرين التقينا الناشر المصرى رضا عوض، صاحب دار رؤية للنشر الذى يقول: معرض الخرطوم للكتاب يعتبر من المعارض المهمة، لكنه للأسف لا يليق بقيمة المثقف السوداني، ويضيف: اللافت للنظر فى هذه الدورة أن الأجيال الجديدة هى التى تبحث عن المعرفة وتبحث عن القراءة، وتهتم بالموضوعات المختلفة التى تشكل وجدانهم. ويقول: برغم الارتفاع الجنونى لأسعار الكتب بعد قرار حظر الجنيه، فإن هناك إقبالا من القارئ على شراء الكتب، فالقارئ السودانى قارئ فطن، يهتم بالكتب التى تطرح قضايا تساعده على تشكيل وعيه، ويشيد بدور السفير المصرى د. أسامه شلتوت، الذى لعب دورا مهما فى تذليل العقبات أمام الناشرين المصريين.
بينما ترى سناء أبو القاسم - ناشرة سودانية فى دار مدارات للنشر والتوزيع بالسودان – أن المعرض هذا العام جيد بالنسبة للقوة الشرائية وبالنسبة للظروف الصعبة، فما زالت الناس تقرأ وتشترى الكتاب برغم زيادة سعره، لافتة النظر إلى أن القارئ السودانى يقبل على قراءة كل الكتب خصوصا الترجمات والرواية، فالشباب يقبل على الروايات السودانية التاريخية، التى ظهرت فى الفترة الأخيرة فى السودان، مشيدة بدور الوزير المصرى حلمى النمنم وبالجولة التفقدية، التى قام بها للمعرض، واستماعه إلى مشاكل الناشر فى جو من الألفة.