وحدات الصاعقة من الوحدات التى أذاقت العدو مرارة الهزيمة، وكان لهم دور كبير فى نصر أكتوبر العظيم، تحملوا مشاق كبيرة، وارتقى بعضهم شهيدا ومنهم من تعرض للإصابة، لكنهم كانوا أسودا قهرت المستحيل.. معتز الشرقاوى، أحد أبطال الصاعقة، يحكى ل"الأهرام العربي" أهم لحظاته فى قتال العدو منذ يونيو 1967 مرورا بحرب الاستنزاف، ونصر أكتوبر العظيم. كيف بدأت مسيرة القتال؟
تخرجت ضمن الدفعة 50 بالكلية الحربية فى 26 مايو سنة 1967، وحصلنا على فرقتى صاعقة ومظلات، وبحمد الله وفقت وحصلت على امتياز فى فرقة الصاعقة، وتوزعت على الكتيبة 43 صاعقة، وكان تمركزنا فى منطقة الشيخ زويد بشمال سيناء، وكانت الكتيبة عندئذ بقيادة الرائد سيد إبراهيم الشرقاوي، ورئيس العمليات النقيب أحمد الحفنى، وتوزعت على السرية الأولى ومعى نخبة من الضباط منهم النقيب أحمد شوقي، وبدأت الحرب فى 5 يونيو، وانسحبنا يوم 9 يونيو، أى بعد 4 أيام من بدء الحرب، وبفضل الرائد سيد الشرقاوى والنقيب أحمد شوقى ودرايتهما الممتازة بسيناء وجغرافيتها ودروبها، انسحبنا حتى القناة ولم نصطدم بالعدو.
كانت التعليمات أن نتوجه إلى بورسعيد، ومكثنا فى إحدى المدارس بها، وكنا نقوم بتنظيم أنفسنا للخروج فى بلنصات صيد الصيادين، لمساعدة الشاردين من الضباط والجنود العائدين من سيناء، والذين كانوا فى منطقة بحيرة البردويل بشمال سيناء، وفى إحدى المرات أثناء جلوسنا معا فى المدرسة، تلقى الرائد سيد الشرقاوى تليفونا، وظهر أن المتصل شخصية عليا بالدولة، وأخبرنا الشرقاوى أننا تلقينا مهمة حماية بورفؤاد، وبالفعل تحركنا ووصلنا إلى بور فؤاد، عن طريق معديات هيئة قناة السويس، وعرفنا من أحد مهندسيها بوجود طريق من القنطرة إلى بورفؤاد، ولم يكن هذا الطريق معلوما على خرائطنا، وتحركت قواتنا عبر ذلك الطريق، وكانت فى المقدمة فصيلة الرائد فتحى عبد الله، ومعه الملازم الجزار، الذى استشهد فى تلك العملية، والرقيب حسنى سلامة، واستمرت سريتهم المكونة من نحو 20 مقاتلا فى التقدم، حتى رأس العش، وجدوا طابورا من قوات العدو تسير فى مشهد استعراضى احتفالي، لأنهم كانوا يظنون أن كل القوات المصرية انسحبت، وأنهم فى رحلة ترفيهية للاستيلاء على بور فؤاد، كان ذلك ليلة أول يوليو، أى بعد نحو 20 يوما من بدء الحرب.
وكيف أنقذتم بورفؤاد؟
اتخذت السرية مواقعها وبتوفيق كبير من الله، لدرجة أن الرقيب حسنى سلامة وجد مدفعا مضادا للدبابات، ونجحت تلك السرية فى اصطياد عربات العدو وأحدثت فيهم خسائر كبيرة، وساعدتهم فى ذلك الكتيبة 103 صاعقة كانت موجودة غرب القناة، ومنهم الملازم عبد الوهاب الزهيري، والملازم خليل جمعة، وسرية المعاونة من الصاعقة التى تضم المدافع المضادة للدبابات وأيضا الهاونات، وبها الملازم نادر عبد الله، والنقيب محيى نوح.
كل هؤلاء تمكنوا من اصطياد مركبات العدو وتدميرها وعددها 11 عربة مدرعة و8 دبابات، وهذا رقم كبير من الخسائر، خصوصا إذا علمنا أن قواتنا من الصاعقة كانت 120 فردا بأسلحة بسيطة، مقارنة بتسليح الدبابات والعربات المدرعة من العدو، إلا أن بالإيمان والروح والعزيمة، والرغبة فى تنفيذ المهمة التى أوكلها لنا أعلى سلطة فى مصر، بالحفاظ على بورفؤاد ومنع احتلالها، وهذه هى روح المقاتل المصري، وكانت هذه الروح لدينا جميعا، وأقام العدو ساترا ترابيا عند الكيلو 14 وتحديدا عند رأس العش، وبهذا بقيت بورفؤاد حرة ولم تقع تحت الاحتلال، وهى المنطقة الوحيدة فى سيناء التى لم يتم احتلالها فى يونيو 1967، وهذه العملية كان لها مفعول السحر على الجيش المصرى المنسحب من سيناء، وأرى أن حرب يونيو لم تكن "حربا" ولكن كانت معركة وخسرنا جولة فيها، بدليل أن الحرب استمرت حتى أكتوبر 1973، وللأسف أشاهد فى ذكرى 5 يونيو، من يشيعون جو اليأس والإحباط، ويتناسون الانتصارات العديدة التى حققتها قواتنا المسلحة، الجيش المصرى استطاع الصمود ورد الاعتبار، والقوات المسلحة اتظلمت فى يونيو 1967.
ظللنا فى منطقة رأس العش، وانضمت إلينا الكتيبة 90 مظلات بقيادة المقدم سمير عزمي، حتى سحبونا معا كقوات خاصة من الصاعقة والمظلات، وركبنا مركبا من بورسعيد باتجاه قبرص قبل أن نعود إلى ميناء الإسكندرية ومنها إلى منطقة أنشاص، حيث تمت إعادة تجهيز القوات من جديد.
بعد رأس العش، تحركنا بعدها إلى قطاع الجيش الثالث إلى منطقة عتاقة وبدأنا ننظم أنفسنا ونقسم الكتيبة لتنفيذ المهمات، وبدأت حرب الاستنزاف، وأعتبر أن معركة رأس العش كانت هى البداية، وقمنا بتنفيذ العديد من العمليات، وجميع جنود وضباط وصف الكتيبة، اشتركت فى عمليات استهداف العدو فى حرب الاستنزاف، وكانت هناك عمليات بشكل يومي، لاستهداف قوات ومركبات ومواقع العدو، وكانت تصل إلينا مجموعات من الضباط والقوات المصرية للوقوف على أوضاع العدو، مثل الشهيد البطل إبراهيم الرفاعى قائد المجموعة 39 قتال، وكان لى شرف الاشتراك فى 9 عمليات فى حرب الاستنزاف، وبتوفيق ربنا سبحانه وتعالى نجحنا فى كل العمليات، وكنا نعود بكل قواتنا والحمد لله، مما يرفع معنوياتنا بشكل كبير، واتضحت لنا حقيقة أكذوبة إسرائيل التى لا تقهر، وأنهم يعتمدون على البروباجندا فقط، كان هناك تنافس بين وحدات القوات المسلحة فى الصاعقة والجيشين الثانى والثالث فى تنفيذ العمليات فى حرب الاستنزاف، التى كبدت العدو خسائر ضخمة وأخذنا منهم العديد من الأسرى.
وما أبرز تلك العمليات؟
من ضمن العمليات الإغارة على النقطة القوية فى لسان بورتوفيق، وهى نقطة حصينة، قوامها 56 فردا، 5 دبابات وعدد من الرشاشات الثقيلة ومدافع الهاون، وهى شديدة التحصين وتضم ملاجئ، والخبراء الروس اعتبروا أنه من المستحيل تدمير تلك النقطة، وكانت تلك النقطة تستهدف بور توفيق وأيضا السويس وسببت لنا خسائر عديدة، ولذا كان لا بد من تدميرها، فطلب قائد الجيش من قائد الكتيبة، الذى كان عندئذ الرائد أحمد شوقى حفني، الإغارة على تلك النقطة وتدميرها، وكان قائد المجموعة المقدم صالح فضل، وبدأنا التخطيط والتدريب على العملية، وأقمنا موقعا هيكليا لتلك النقطة، وبدأنا التدريب فى الكتيبة 43 صاعقة لتنفيذ العملية، وفعلا نفذنا العملية أثناء التدريبات بدون أى خسائر، ونفذنا 4 تجارب لتنفيذ العملية، وقبل تنفيذها بيومين تم نقلنا إلى بور توفيق، وتحركنا لتنفيذ العملية، وعددنا 140 فردا.
وكيف تم تنفيذ المهمة؟
عبرنا القناة يوم 10 يوليو 1968 الساعة 5 العصر، قبل غروب الشمس، وليس تحت جنح الظلام، وكنا 140 مقاتلا، عبرنا القناة فى 14 قاربا، وبالفعل وصلنا شرق القناة، واستطعنا فتح ثغرات فى حقل الألغام حول النقطة الحصينة، وإزالة الأسلاك الشائكة لنستطيع التقدم ومهاجمتها، وكانت هناك 4 دبابات للعدو، وكنا 4 فصائل من القوات المهاجمة، أول فصيلة بها الشاويش حسنى سلامة أحد أبطال معركة رأس العش، واستطاعوا تدمير مدفع رشاش ثقيل ورفعوا علم مصر فوق أحد الصهاريج العالية، والفصيلة الثانية بقيادة الملازم أول حامد إبراهيم واستشهد فى حرب أكتوبر 1973، والفصيلة الثالثة بقيادة الملازم أول رؤوف أبو سعدة، واستشهد أيضا فى حرب أكتوبر 1973، وأخيرا فصيلتي، وكان قائد السرية النقيب سيد إسماعيل، تسلقت الساتر الترابى فوجدت دبابة أمامي، ودمرتها باستخدام الآر. بى. جي، وفوجئنا بوجود دبابة خامسة قادمة من الشمال، وتوقفت بجوارى وبدأت تدير مدفعها فكان أمام وجهى مباشرة، ولكنه ارتفع لأعلى ليضرب الساتر الترابي، وبدأت قواتنا تطلق عليها النيران واشتعلت بها النيران، وخرج طاقمها مذعورين، واستطعت أن أمسك أحد طاقمها وكان أسيرى وأخذناه عبر الساتر الترابى واصطحبناه معنا عبر القوارب وسلمناه للقيادة، كما فجرنا النقطة الحصينة ودمرناها بشكل تام، وقتلنا كل أفراد الموقع وعددهم 56 فرد، وكان أول أسير يتم أسره فى النهار، وعدنا جميعا سالمين ومعنا الأسير الإسرائيلي.
العملية الثانية فى نطاق الجيش الثالث، وعرفنا من الاستطلاع أن هناك زيارة من مسئول كبير لقوات العدو على الجبهة، فتلقيت أوامر من قائد المجموعة المقدم صالح فضل بتنفيذ عملية، وكان معى 9 مقاتلين منهم أحد الضباط حديث التخرج، الدفعة 55 حربية، وهو قدرى نصر الله، وتدربنا على العملية، وبالفعل جاء وقت التنفيذ وعبرنا القناة مساء، وقمنا بالاختباء فى منطقة بجوار الطريق، وكان يوم 15 ديسمبر 1969، ولم تكتشفنا طائرات العدو التى نفذت مهام استطلاع المكان، حتى ظهر اليوم وبدأنا نرى كولا للعدو، كان به الجنرال جافيتش قائد القطاع الجنوبى وجبهة سيناء من قوات العدو، ومعه اثنان من الحرس وسائقه، ففجرت العربة، ومات كل من بها، وعدنا بكل سرعة إلى القناة وعبرناها سالمين والحمد لله. أذكر هاتين العمليتين لأن الرئيس عبد الناصر استقبلنا بعدهما، ولا أنسى أنه بعد العملية الثانية جلس معى بمفردنا وتصورت معه، وحصلت على خطاب شكر، وهو لقاء لا ينسى.
وماذا بعد حرب الاستنزاف؟
بعدها عدنا إلى أنشاص، وبدأنا التحضير لحرب 1973، وكانت كتيبتى 43 صاعقة، على لسان بور توفيق، ولم أشارك فى بداية الحرب، وزملائى الذين شاركوا فى بدايتها استشهد عدد كبير منهم أو أصيب، وتحركنا يوم 9 أكتوبر، ونجحنا والحمد لله فى السيطرة على النقطة يوم 11 أكتوبر، وفى ذلك اليوم قام شلومو قائد النقطة من قوات العدو بتسليمها وأنزلنا العلم الإسرائيلي، وسلم أسلحة قواته وعددهم 37 فردا، ورفعنا العلم المصري، وأدوا لنا التحية العسكرية، وقالوا "تحيا جمهورية مصر العربية"، وبعدها تعرض الجيش الثالث للحصار، وفى تلك الفترة نفذت العديد من العمليات، ومهاجمة قوات العدو ودورياته وكبدناه خسائر كبيرة.
ما الرسالة التى تقولها للمصريين اليوم؟
نحن حاليا فى حرب مختلفة، فى الجيل الرابع من الحروب، أقول إنه لا فارق بين جيلنا وبين الأجيال الجديدة، وربما لو ولدوا معنا لكانوا حاربوا مثلنا وربما أفضل منا، وأقول بأمانة: إن الجيل الحالى أحسن منا، لأن جيلى كان يحارب عدوا معروفا، ولكن الجيل الحالى يحارب عدوا جبانا ومختفيا، وسط مناخ مختلف فيه عناصر سلبية كالمخدرات وقتل روح الأمل وبث روح السلبية والإحباط، كل ذلك تكالب على الشباب لكنه ما زال صامدا.