لا يعدم الرئيس الدكتور محمد مرسى أن يجد من يناصره ليس من جماعته الكبرى الإخوان المسلمين فحسب، بل من قطاع عريض من المصريين المتدينين من المسلمين تحديداً، وممن يكرهون النظام القديم الذى يشار بلفظ الفلول إلى كل من يتم إدراجهم فيه!!. وليس خافياً على أحد أن قيادات إسلامية بارزة وقفت إلى جواره ولاتزال تبذل الجهد لصد كل من يرغبون فى توجيه النقد إليه، أو الاعتراض عموماً على مواقف ورؤى الجماعة فى الشأن العام المصرى. وليس خافياً أيضاً أن الحملة المضادة كان لها شواهدها سياسياً وإعلامياً حتى إن الرئيس نفسه لم يستطع أنه يخفى استياءه من هذه الحملة وقام من جانبه بالعديد من الخطوات للرد عليها وإن كان أداؤه فى هذه المسألة اتسم للحق بالروية والصبر وضبط الأعصاب. فى يوم الجمعة 17 أغسطس 2012، وعقب الانتهاء من الخطبة ألقى الشيخ أحمد المحلاوى إمام وخطيب مسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية درساً دينياً حضره الآلاف من المصلين، خصصه للرد على الذين خططوا للقيام بمليونية فى 24 أغسطس تحت شعار ضد الإخوان، ظهر جلياً منها أنها تهدف آنذاك إلى إنهاء حكم الإخوان. وفى هذا الدرس الدينى ركز الشيخ المحلاوى على «أن الرئيس مرسى هو أول رئيس منتخب حقيقة من الشعب فى تاريخ مصر، بمعنى أنه يمثل الإسلام، وأن طاعته واجبة مثل طاعة الله ورسوله لأنه من أولى الأمر، والهجوم عل مرسى أصبح يندرج تحت بند «المحرمات». وبعد أن طالب الشعب بالتكاتف والوقوف خلفه لمساندته ليعبر بمصر من هذه المرحلة العصيبة من تاريخها، قال إن المشكلات التى تمر بها مصر الآن أكبر من أن يقوم بها فلول النظام السابق بمفردهم، بل العالم كله يقوم الآن لمحاربة مرسى وإسقاطه، لأن نجاحه معناه نجاح الإسلام فى الحكم وازدهاره وانتشاره فى العالم أجمع وهو ما تسعى القوى العالمية الكبرى للقضاء عليه، لأنها تعتبر الإسلام الخطر الأكبر الذى يواجهها» ونستطيع ضرب أمثلة أخرى عديدة تدلل على الدور المهم الذى لعبه الشيخ المحلاوى وغيره من القيادات الإسلامية البارزة التى ظهرت مع ثورة 25 يناير فى مساندة الدكتور مرسى ووصوله إلى الحكم، فهناك تصريحات وفتاوى عديدة له ولغيره من هذه القيادات التى دارت دائماً حول أن التصويت لمرسى والعمل على إنجاحه واجب شرعى، ومن يخالف ذلك فهو آثم وناكر للشهادة الحقة أمام الله يوم الحساب العظيم. وليس الهدف فى هذا المقام مناقشة مثل هذه المواقف من الناحية الدينية، فالتراث الإسلامى الفكرى والفقهى فيه الكثير مما يؤكدها، مثلما فيه أيضاً الكثير مما يعارضها، ولكن كثافة الكلام والفتاوى والتحركات التى لا تتوقف دفاعاً عن الرئيس مرسى وما يقابلها من كثافة مماثلة، وإن كانت أقل حجماً وعمقاً للهجوم على الرجل، وبالأخص على جماعة الإخوان المسلمين تعنى شيئاً واحداً يصعب الاختلاف عليه ألا وهو أن الرئيس مرسى حصل على المشروعية ولكنه يجاهد هو وجماعته وأنصاره أيضاً فى الحصول على الشرعية، وأنه يحتاج إلى وقت وجهد كبيرين لتحقيق هذه الشرعية وترسيخها فبدونها لا يستطيع أن يمضى سلساً وقوياً ومنجزاً فى مشروعه السياسى المعروف بمشروع «النهضة». وما يواجهه الرئيس مرسى وأنصاره ليس بالأمر الغريب أو المستهجن بالطبع، فالطبيعى أن يصل شخص ما أو حتى حزب وجماعة ما إلى أعلى سلم الهرم السياسى فى البلاد من خلال الانتخابات باعتبارها الطريق القانونى والسياسى المتحضر للحصول على السلطة، ومن الطبيعى أيضاً أن يواجه معارضة من الخصوم فتلك سنة الديمقراطية وعملية تبادل السلطة. وبرغم ذلك تظل مشكلة الشرعية قائمة، فالمشروعية تتحقق بالإجراءات القانونية والسياسية المعتادة (الدستورية)، ولكنها تحتاج إلى أن تتحول إلى شرعية إما فى الحال أو خلال وقت قصير من الزمن، وذلك عندما يرضى الشعب ويقبل بمؤيديه ومعارضيه وجود السلطة الجديدة، فلا يحتج بأساليب غير مشروعة على القرارات بل غالباً ما يساعد السلطة على تفعيل ما تريد دون تشكيك أو مغالبة بتعبير الإخوان أنفسهم. وللشرعية أدواتها العديدة لا يسمح المقام بتفصيلها ولكن مظهرها العام هو الرضا والقبول التام بالسلطة الجديدة دون أن ينفى ذلك ممارسة الحقوق السياسية فى المعارضة المنظمة والسلمية. وعندما قال الرئيس مرسى نفسه عقب فوزه بالرئاسة إنه رئيس لكل المصريين كان يدرك جيداً أنه يريد شرعيته فى الحكم وليس مشروعيته فقط التى لا خوف عليها حتى وإن تحجج المشككون فى عملية الانتخابات الرئاسية بأنها لم تتم بنزاهة. من عناوين الشرعية كما قلنا سلفاً توافر الرضا العام، حيث تختفى الاحتجاجات ويسود الاستقرار ولا تكون هناك مظاهر مادية ملموسة لمقاومة السلطة القائمة أو تتعرض للهجوم، كما قال الشيخ المحلاوى وغيره من أنصار حكم الإخوان، ومن عناوينها أيضاً سرعة الإنجاز وكثافته يوماً بعد الآخر بمعنى أن يترجم الحكم الجديد نفسه فى سياسات وقرارات ترفع عن الناس المعاناة التى دفعتهم أساساً للقيام بثورة 25 يناير وذلك فى كل المجالات. وعندما يطول الجدل حول تأسيس الشرعية وترسيخها فإننا لا نستطيع أن ندفن رؤوسنا فى الرمال ونقول إن كل شىء أصبح على ما يرام، وإن الثورة بدأت تتحول إلى دولة مثل حال كل الأمم التى مرت بالثورات. وما هو حادث أن الجدل مستمر، بل إن الرئيس مرسى نفسه أضاف نفسه إلى قائمة الذين قالوا إن الثورة مستمرة، للدلالة على أن مسألة التحول ستحتاج إلى وقت طويل وأن الخلافات فى الرؤى بين القوى السياسية لاتزال قوية رأسياً وأفقياً. ولو أن الظروف فى مصر كانت مختلفة لما ظهرت الفجوة بين الشرعية والمشروعية، فهى تعيش ظروف ثورة كبرى أرادت أن تتخلص من أخطاء 60 عاماً مضت، ومن ثم فلنا أن نتلمس العذر للرئيس مرسى وأنصاره فى عدم القدرة على جسر الفجوة بين المفهومين. وأعلم مسبقاً أن أنصاره لن يقبلوا بهذا التفسير لأنهم سيسارعون بالتأكيد على أن الشرعية قد تحققت منذ انتخابه رئيساً استناداً إلى أنه جاء بأصوات نحو 13 مليون ناخب دون أن يتذكروا أن نصف هؤلاء قد صوتوا لمرسى عقاباً لشفيق وليس اقتناعاً به أو بحكم الإخوان، ولا شك أن الانتخابات تحقق المشروعية وتؤسس لشرعية سياسية ديمقراطية، ولكن الأخيرة أكبر من ذلك كثيراً لأنها مرتبطة بالإنجازات والاحتضان الجماهيرى لمشروع الجماعة. ما يعقد من الموقف ويؤخر تحقيق الشرعية أو على الأقل يفرض القيام بجهد ضخم فى حل إشكاليات أخرى عديدة تتعلق بالوضع السياسى لجماعة الإخوان فى تاريخ مصر القديم والمعاصر، ليس فقط لأن البلاد تمر بحالة ثورة فيها قوى سياسية عديدة كل منها يفترض أنه أحق بقيادتها، وإنما أيضاً لأن وصول الإخوان إلى الحكم فى مصر بعد نضال طويل استمر منذ عام 1928، فتح النقاش مجدداً حول إشكالية رئيسية فى التاريخ السياسى للإخوان تحدث عنها نفر ليس بالقليل، من أبرز قيادات الجماعة فى الماضى البعيد والقريب مصريين كانوا أم عرباً قبل أن يتحدث عنها خصومهم ولا الشخصيات المحايدة المعنية بالتطور السياسى فى مصر المعاصرة. هذه الإشكالية تتركز فى العلاقة بين التنظيم والدعوة فى مسار الجماعة، أيهما له الأولوية، وهل هما بالضرورة متناقضان أم يكمل بعضهما بعضاً، وإلى أين سارت النتائج بعد كل هذه السنوات الطويلة، هل نجحت الجماعة فى الدعوة حقاً أم فشلت، ونفس السؤال بالنسبة للشق الآخر من المعادلة وهو التنظيم، وإلحاقاً بالواقع المعاصر الذى يمكن أن يحكم على مصير الجماعة عموماً، هل أفادت ثورة 25 يناير الجماعة من حيث التنظيم على حساب الدعوة أم من الخطأ التسرع فى الحكم وانتظار جنى ثمار الدعوة بعد أن تحقق التمكين فى الوصول إلى الحكم.. أسئلة كثيرة تحتاج إجاباتها لمزيد من التفصيل..