صورة الكعبة إلى جانب رسوم للمسجد النبوي وحجاج بملابس الإحرام ومناظر أخرى لطائرات وسفن وخطوط عربية متنوعة أبرزها : "حج مبرور و ذنب مغفور" و "حمدلله على السلامة يا حاج " "يارايحين للنبى الغالى" "محمد عليه الصلاة و السلام" "لبيك اللهم لبيك".. هذه أبرز العبارات التيمنية المنقوشة على جدران المنازل في الأرياف و المناطق الشعبية ،والتى جاءت كامتداد لموروث ثقافي منذ مئات السنين ، وهو نقش طقوس العبادات على الجدران و حكاية هذه النقوش تبدأ قبل أيام من عودة الحاج أو الحاجة من الأراضي المقدسة، حيث تستعين أسرهم برسام يصور على واجهة و جدران المنزل صور تعبيرية لذلك الحاج وهو يؤدي الشعائر ويطوف حول الكعبة ويصلي في الروضة النبوية الشريفة أو وهو يصعد إلى الباخرة أو الطائرة ويهبط منها مع بعض الآيات القرآنية والنصوص النبوية الشريفة .ويبدأ فنانو جداريات الحج في نسج وإبداع لوحاتهم بإعداد الجدران والواجهات لذلك عبر تجديد "محارتها" بوضع طبقة من "الطين" أوالجبس والأسمنت عليها. وفور أن تجف يبدأ الرسم من خيال الفنان أحيانا وأحيانا أخرى حسب رغبات أصحاب المنزل ويتداخل خيال بعض الفنانين مع واقعية فنانين آخرين فيصنعون سويا لوحات ذات طابع فني شعبي منقطع النظير وتكوين تراث شعبي ذو خلفيات تاريخية . فولكلور شعبي و كان أول من رصد لرسوم وجداريات الحج في العصر الحديث بعض الرحالة الأجانب الذين زاروا مصر في نهاية القرن التاسع عشرمثل إدوارد ويليام لي, المستشرق الانجليزي الذي جاء إلي مصر قبل الحملة الفرنسية بثلاث سنوات, فتناول في كتابه( المصريون المحدثون) عادات وتقاليد المصريين في هذه الفترة وأهمها تزيين منازلهم قبل عودة الحجاج بثلاثة أيام, وتلوين الأبواب والحوائط باللونين الأبيض والأحمر وبطريقة بدائية بسيطة. وهذه الرسوم الموجودة علي الجداريات تدخل ضمن علم الفولكلور والثقافة الرمزية التي تعود عليها المصري منذ المجتمعات البدائية. ومنذ بضعة سنوات، صدرت ترجمة عربية لكتاب بعنوان "رسومات الحج، فن التعبير الشعبى عن الرحلة المقدسة"، قام بتحريره "أفون نيل" ومن تصوير آن باركر، ونقله إلى اللغة العربية حسين عبد ربه المصرى.وركز الباحث فى هذا الكتاب على فنون التعبير الشعبى عن رحلة الحج المقدسة فى مصر مع مقاربة النص المصاحب لصور الكتاب رحلة الحج من منظوره قارن فيه بالجانب الديني بالفني ، وربط بين رسوم الحج كأداة تعبير وبين الرسوم الموجودة في معابد الفراعنة التي كانت تؤدى ذات الوظيفة فى المجتمع المصري القديم ويؤكد الباحث فى كتابه هذا على أن أول ما لاحظه أن هذا النوع من الرسوم بدأ في المناطق الريفية ثم تسرب تدريجيًا إلى المدن الكبرى، وخصوصا القاهرة التي عاشت ما يعرف فى أدبيات علم الاجتماع بالترييف. ويكشف نيل في مقدمته التي تسرد للقارئ الغربي معاني ودلالات وأماكن الحج في الإسلام كيف أن رسامي هذه الرسوم هم عادة مبجلون في مجتمعاتهم المحلية ويحظون بنوع من التقدير الاستثنائي، بينما تتسم الرسوم بكون أصحابها على دراية واسعة بموضوعها فهم ليسوا فنانين متجولين وإنما هم أصحاب مهن أخرى وغالبيتهم من المدرسين ذوى المكانة التقليدية، وربما يعمل بعضهم في مجال الإعلانات التجارية أو الطلاء. ودعا محرر الكتاب إلى تسجيل هذه الجداريات بوسائط حديثة تجمعها في كيان مرئي يحميها من الاندثار لأنها في مجملها تشكل سجلا أثريا لفن شعبى شديد الخصوصية، يمثل حركة فنية اعترف بها العالم ووجها مشرقا من أوجه الميراث للأمة المصرية. والتأصيل التاريخي لمظاهر الجداريات يشير إلي أن هذه الرسوم مرتبطة بالسيرة الهلالية والتراث الشعبي.. الموجود بشكل ملحوظ في بلاد النوبة, و في الستينيات في فترة بناء السد العالي, حينما تم تهجير أهالي النوبة من المنطقة الموجود بها السد العالي إلي منطقتي دراو وناصر في كوم أمبو.. ،قامت بعض البعثات بتسجيل الرسوم الموجودة علي المنازل( وذلك بمساهمة من اليونسكو , وكانت هذه الرسوم تمثل رحلة الحج منذ بدايتها, وكانت تبدأ في شهر شوال عقب عيد الفطر المبارك مباشرة, حيث يتم وداع الحجاج إلي منطقة اسمها بركة الحاج بجوار مدينة السلام الآن. وتبدأ الرحلة منذ خروج المحمل( القافلة) التي تأخذ معها كسوة الكعبة التي كان يتم تصنيعها في منطقة الغورية بالقاهرة, وعند عودة الحجاج كانوا يأتون معهم بالكسوة القديمة للكعبة( كسوة العام السابق), ومصر قديما كان لها تكية( مقر بعثة الحج الآن).. في مكة والمدينة كان يتوجه إليها الحجاج المصريون ولكن هذه التكية تمت إزالتها مع التوسعات التي أجريت في الحرمين.. وهذه الكسوة القديمة التي يعود بها الحجاج المصريون كانت توضع في مسجد الإمام الحسين رضي الله عنه وبالتحديد فوق قبره.