رسوم الحجاج وتصوير رحلات الحج عادة مصرية أصيلة اعتزازا بقيمة الحج والشعائر المقدسة التي قام بها الحاج, فهي بالنسبة له مصدر للفخر بأداء فريضة غالية من أركان الإسلام الخمسة.. وقد تكون مصدرا لسعادته كلما نظر إليها وتذكر معها تلك اللحظات التي يتمني كل مسلم أن يعيشها في رحاب الله علي أرض الرسالة.. خبراء الاجتماع وعلوم الإنسان لهم رؤية فيما يتعلق بتلك الرسوم تنقلها السطور التالية.. د. خليل عبدالمقصود, الأستاذ بكلية الخدمة الاجتماعية جامعة الفيوم ومدير مركز ضمان الجودة بالجامعة, يشير بداية إلي أن تسجيل الأحداث المهمة في الحياة هي تراث مصري أصيل, لا يرتبط بعقيدة معينة.. فالاحتفاظ بالأيقونات لدي الأقباط أمر مألوف ومتعارف عليه, ولا نجد هذه العادة في العراق أو سوريا علي سبيل المثال.. فالفراعنة كانوا يؤرخون لأحداثهم قديما علي جدران المعابد, وحديثا يسجله المصريون علي جدران المنازل.. وهذا التراث لازال ممتدا حتي الآن في المناطق الريفية والشعبية, ودائما ما يتم تدوين العام الذي قام فيه الحاج بأداء هذه الفريضة الغالية كجزء من التأريخ للحدث وتسجيله بشكل متكامل, وهو ما يرتبط بجذور تاريخية من عصر الفراعنة. والتأصيل التاريخي للمظاهر يشير إلي أن هذه الرسوم مرتبطة بالسيرة الهلالية والتراث الشعبي.. وهو مرتبط بكثرة في بلاد النوبة, وبالتحديد في الستينيات في فترة بناء السد العالي, حينما تم تهجير أهالي النوبة من المنطقة الموجود بها السد العالي إلي منطقتي دراو وناصر في كوم أمبو.. فهناك بعثات وجهات قامت بتسجيل الرسوم الموجودة علي المنازل( وذلك بمساهمة من اليونسكو).. ولكن لم يتم نقله إلي جدران المنازل الجديدة بنفس التلقائية التي اتسمت بها الرسوم الموجودة علي المنازل القديمة, فلم يتم النقل بنفس درجة الجودة, وكانت هذه الرسوم تمثل رحلة الحج منذ بدايتها, وكانت تبدأ في شهر شوال عقب عيدالفطر المبارك مباشرة, حيث يتم وداع الحجاج إلي منطقة اسمها بركة الحاج بجوار مدينة السلام الآن. وتبدأ الرحلة منذ خروج المحمل( القافلة) التي تأخذ معها كسوة الكعبة التي كان يتم تصنيعها في منطقة الغورية بمصر, وعند عودة الحجاج كانوا يأتون معهم بالكسوة القديمة للكعبة( كسوة العام السابق), ومصر قديما كان لها تكية( مقر بعثة الحج الآن).. في مكة والمدينة كان يتوجه إليها الحجاج المصريون ولكن هذه التكية تمت إزالتها مع التوسعات التي أجريت في الحرمين.. وهذه الكسوة القديمة التي يعود بها الحجاج المصريون كانت توضع في مسجد الإمام الحسين رضي الله عنه وبالتحديد فوق قبره. ونظرا لشغف المصريين كما يضيف د. خليل عبدالمقصود برحلات الحج والعمرة, فهم يرغبون دائما في تخليدها علي جدران المنازل, نظرا لما تمثله من أهمية دينية واجتماعية, وارتباطها بقيم إيجابية ترتبط بها صور الحاج فيتسم بصفات الورع والتقوي, وفي ذلك إعلاء وتقدير لقيمة الحج كشعيرة يقوم بها المسلمون. وهناك مغزي آخر من وراء الرسومات يتمثل في أنها مناسبة للمجاملات, سواء عند الذهاب إلي الحج أو العودة, فهو مناسبة اجتماعية تستحق التهنئة, فالرسوم هي الوسيلة للإعلان عنه مع غياب وسائل الإعلان الأخري.. كذلك هناك البعد الاقتصادي, خاصة بالنسبة للحجاج التجار, فهي تعني أنهم رموز للثقة والأمانة, وتعد مجالا للتميز فتزيد مبيعاتهم. د. أماني حامد, أستاذة علم الأنثروبولوجي( علم دراسة الإنسان) بكلية الآداب جامعة الفيوم, تضيف إلي التأصيل التاريخي والاجتماعي علي المنازل أبعادا وجوانب أخري, فتشير إلي كتاب إدوارد ويليام لي, المستشرق الانجليزي الذي جاء إلي مصر قبل الحملة الفرنسية بثلاث سنوات, فتناول في كتابه( المصريون المحدثون) عادات وتقاليد المصريين في هذه الفترة وأهمها تزيين منازلهم قبل عودة الحجاج بثلاثة أيام, وتلوين الأبواب والحوائط باللونين الأبيض والأحمر وبطريقة بدائية بسيطة. وهذه الرسوم الموجودة علي الجداريات تدخل ضمن علم الفولكلور والثقافة الرمزية التي تعود عليها المصري منذ المجتمعات البدائية.. فتاريخ المصري القديم تاريخ شفهي, لجأ إلي التعبير عنه بالرسم والصورة, باعتبارهما لغة مقروءة سهلة لا تحتاج إلي تعلم القراءة والكتابة.. وقد قمنا نحن فيما بعد بتحويل هذه الرسوم إلي تاريخ مكتوب, تعرفنا عليه من خلال تلك الرسوم التي تركها الإنسان البدائي في المغارات التي تم اكتشافها في أوروبا وأمريكا وغيرهما. وهذه الرسوم طالتها يد التطوير والتحديث مع تطور الحياة المعاصرة.. فقديما كان يتم رسم الجمال والنخل الذي يراه الحاج في أثناء سفره, ثم أضيفت إليهما السفينة.. وحديثا أضيفت الطائرة.. ولا نغفل أيضا إضفاء الصورة القدسية إلي الرسوم التي يتم رسمها علي منازل الحجاج في القري والبادية, وهذه الصورة القدسية تتمثل في بعض آيات من القرآن الكريم, وكذلك صورة الكعبة المشرفة. بقي أن نشير كما تختتم د. أماني حامد حديثها إلي أن مصر تتميز بهذا الفن الذي يقوم بالتأصيل لحياة بشر قد تكون ثقافتهم بسيطة, ولكنهم حاملو تراث ثقافي معنوي وروحي يتمثل في عادات وتقاليد توارثتها أجيال عديدة علي مر العصور.