سيطرة الفكر المتطرف وراء إلغاء الأنشطة الرياضية والفنية خصوصا للفتيات كبار الفنانين في الستينيات كانوا يقيمون عروض المسرح المدرسية لاكتشاف المواهب
المدرسة ليست مكانا لتلقي العلوم والمعارف وحسب، بل هي مكانٌ لبناء الشخصية، وإكساب الطلَّاب على مدار مراحلهم العمريَّة والدراسيَّ المهارات اللازمة التي تمكّنهم من مواجهة تحدِّيات الحياة، وهو ما يتحقق بالنشاط المدرسيّ الذي أصبح من الماضي البعيد في ظل كثافة المناهج الدراسية وضعف الميزانيات الموجهة لممارسة النشاطات الرياضيَّة، أو الاجتماعيَّة، والثقافية والفنية، وتكدس الطلاب في المدارس ، مما قلص مساحة فناء المدرسة وأخفى غرفة الموسيقى أو التدبير المنزلي في كثير من الأحيان لحساب بناء فصول جديدة...وهو ما يعنى فى نهاية الأمر فقدان ركن أساسي فى العملية التعليمية وهو الإسهام فى التكوين الوجدانى لأجيال متتالية.
لقد اجتمعت الدراسات التربوية على أن النشاط المدرسي يسهم في تقوية شخصيَّة الطالب، ويجعله قادراً على فهم واستيعاب العلوم الدراسية بشكلٍ أفضل ويوسِّع من ثقافته العامَّة، ويرسخ لديه فكرة الخدمة العامة وخدمة المجتمع، وتحقق في الوقت ذاته الأهداف التربوية المنشودة.. والتي يؤكدها الكاتب د.كمال مغيث - الباحث التربوي في مركز البحوث القومي - مبينا أن ممارسة الأنشطة تعنى تفريخ أجيال قادرة على ممارسة العمل العام، وهو ما يحقق مفهوم المواطنة ،لافتًا إلى أن التعليم عبر الحفظ قد انتهى، وأصبح التعليم الحديث يعتمد على مشاركة الطلاب. ويوضح أن التجربة أثبتت أن كل ما نتعلمه عن طريق الحفظ ننساه، رغما عنا أو بإرادتنا، لأن المخ له طاقة استيعاب لمدة محددة.بينما تظل المعارف التي تأتي عن طريق الأنشطة ثابتة لا تُنسى، لأنها تتم من خلال الحوار، واستخدام الحواس المختلفة: التذوق، اللمس، النظر، السمع.
ويأسف مغيث على غياب معظم الأنشطة من المدارس، وينوه إلى أنه في حقبة ماضية كان الحاصل على مجموع 50 % في الثانوية، إذ كانت له هوايات أو مواهب مثل كتابة الشعر، أو التفوق فى لعبة رياضية ما، فإنها تؤهله للالتحاق ببعض الكليات.
ويضيف: كان من بين مفتشي المسرح على المدارس مجموعة من كبار الفنانين منهم: أحمد الجزايري، عبد الوارث عسر، حسن فايق، أمين الهنيدي، محمد أحمد المصري الشهير بأبو لمعة، سيد الملاح، وكانوا يذهبون إلى المدارس ويناقشون تفاصيل العروض التي تقدمها كل مدرسة ويقيمونها، ومعظم الفنانين الكبار أكدوا أنهم اتجهوا إلى التمثيل بعد اكتشاف مواهبهم أثناء مرحلة الدراسة الثانوية والجامعية.
ويرجع د.مغيث أسباب غياب الأنشطة من المدارس، إلى انخفاض الميزانية، فالأنشطة تحتاج أموالا لإتمامها على أكمل وجه، فالنشاط المسرحي يحتاج إلى ملابس وإكسسوارات، وديكور وإضاءة وموسيقى ونص مسرحي، ومخرج، وممثلين، وكذلك نشاط النحت والرسم يحتاج إلى أدوات وألوان ومواد خام. بالإضافة إلى تقديم حوافز للمدرسين المسئولين عن الأنشطة. وللأسف أصبحت الوزارة مثقلة برواتب المدرسين، وتضطر إلى إلغاء الميزانية أو تخفيض الأنشطة.
مذبحة الثانوية
ويقول د.مغيث: إنه في ظل المذبحة الرهيبة للثانوية العامة، فمن السهل الاستغناء عن الأنشطة، وفي ظل ارتفاع المجاميع يتصارع الجميع من أجل الحصول على مجموع أكبر، ويبتعدون عن ممارسة الأنشطة، ويروي كيف كان الطلاب في فترة السبعينيات يعلمون أنهم بمجموع صغير 53 % يمكنهم دخول أي كلية بسهولة.. أما في الوقت الحالي لابد للطالب أن يحصل على أكثر من 98 % حتى يستطيع دخول الكلية المرموقة التي يريدها، وبالتالي لا يستطيع طالب القول لوالده إنه مشترك في فريق كرة أو نشاط فني.
ولا يرى مغيث وجود فرق بين التعليم الخاص والحكومي في مزاولة الأنشطة، إذ يعتقد أنه لا يوجد اهتمام كبير بها في المدارس الخاصة، مؤكدًا أن الأنشطة ينبغي أن تكون جزءا من سياسة التعليم. ولفت د. مغيث النظر الانتباه إلى أن هيمنة الخطاب الديني في بعض أدت إلى تراجع الأنشطة الرياضية والفنية، فضلاً عن التمييز بين البنات والأولاد عند ممارسة الرياضة، مستشهدًا بما رآه في إحدى الحضانات حيث كانوا يعلمون الأطفال شعائر الحج وقاموا بذبح خروف أمام أطفال لا تتعدى أعمارهم خمس سنوات، قائلاً: لو الأمر بيدي أحوِل المسئول عن هذا الفعل إلى محكمة الجنايات. ويفرق مغيث بين النظام التعليمي، وبين كون الأنشطة فلسفة لنظام التعليم نفسه، مستشهدًا بالثانوية الدولية فى إنجلترا التي تقوم على تعليم الطالب تحت ثلاث مظلات: مع اختلاف الكم النسبي لهم، الأولى هي العلوم والمواد الدراسية، وفيها يختار الطالب مادة رياضية مع مادة إنسانية. المظلة الثانية: خدمة المجتمع، وفيها يقوم الطالب بخدمة مجتمعه كالاشتراك فى حملة التبرعات لمرضى، أو عمل إرشاد سياحي للأطفال، أو تشجير حي فقير، وتجميل لبيوت قديمة. ويأتي الإبداع في المظلة الثالثة، كامتلاك مواهب في الشعر أو الغناء أو غيرهما.
خطة الوزارة في المقابل نفت «فريدة مجاهد» رئيس قطاع الخدمات والأنشطة بوزارة التربية والتعليم، القول باختفاء الأنشطة من المدارس الحكومية، مؤكدة أنها مستمرة ولم تتوقف، ولا تقتصر على العام الدراسي فقط، بل متواصلة في إجازة الصيف، إذ تقام معكسرات لتنمية قدرات الطلاب، سواء الرياضية أم الثقافية أم الفنية، وتقام مراكز تجمع لعدة مدارس يشترك فيها الطلبة، وتنظم مسابقات على مستوى الجمهورية في مجالات القراءة، وعدد من الألعاب الرياضية، والمعارض الفنية، والمسرحيات.
وقالت: إن الوزراة لديها خطة تنفذها المديريات التعليمية في شتى المدارس، وهناك مراقبة وتفتيش على المدارس لمتابعة تلك الأنشطة، ويتم كتابة تقرير شهري حول مدى تطبيق خطة الأنشطة في كل مدرسة، لافتة النظر إلى أن من يُقصِر أو يهمل في تنفيذ هذا النشاط يتم محاسبته في حال إثبات ذلك.