قدّم القاص والروائي والمترجم محمد عبدالنبي مشاريع عدة و صدرت له عدة أعمال مختلفة منها خمس مجموعات قصصية ورواية قصيرة بعنوان “أطياف حبيسة” وروايتان: “رجوع الشيخ” التي وصلت إلى القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية 2013، وفازت مجموعته القصصية “شبح أنطون تشيخوف” بالمركز الأول في جائزة ساويرس الأدبية عام 2010، وفازت أحدث مجموعاته القصصية "كما يذهب السيل بقرية نائمة" بجائزة أفضل مجموعة قصصية في معرض القاهرة الدولي للكتاب 2015، وأخيرا وصلت روايته “في غرفة العنكبوت” (2016) للقائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية فى دورتها الأخيرة عام 2017، ورغم كل هذه الأعمال والجوائز، لم يجب على سؤال «لماذا تكتب؟» وكشف رؤيته المشهد الثقافى المصرى فى الحوار التالى:
يقول “ماركيز”: أنا أكتب حتى يحبنى الناس وأكسب الكثير من الأصدقاء “محمد عبد النبي” لماذا تكتب؟
لا أعرف لماذا أكتب، ولا محل للسؤال عندي، أظن أن الأشخاص السعداء لا يتساءلون لماذا يعيشون، هم يعيشون وحسب، التعساء فقط هم من يسعون لسبب للعيش. محاولة إضفاء معنى على الحياة صنعة الإنسان، يبتكرها كل يوم، وربما تكون الكتابة عند البعض هى هذه المحاولة، لكن لا حاجة لسبب خارجى ليسند وجودها.
كيف ترى المشهد الثقافى المصرى حاليا؟
لا أملك إجابة عن هذا السؤال، كلٌ منا يرى جزءًا صغيرًا، ومحاولة الحكم على الكل عبر هذا الجزء تنتجُ أخطاء كبيرة ومهازل مضحكة.
لجنة تحكيم الجائزة قالت عن روايتك «فى غرفة العنكبوت»:“إنها رواية تتحدى سلوكيات وتابوهات اجتماعية وتعطى صوتا لفئة مهمشة وتزيح الستار عن المسكوت عنه” هل كنت قاصدا كسر التابوهات؟
لم يعد موضوع المثلية الجنسية من التابوهات بقدر موضوعات أخرى. لم نعد فى مجتمع مغلق، صحيح أنه ليس مجتمعًا متحررًا وناضجًا بما يكفي، لكنه ليس مغلقًا بكل تأكيد، فالانفتاح على العالم لم يعد خيارًا نملك أن نأخذه أو نرفضه بل أقرب إلى ضرورة للبقاء. مسائل مثل المثلية الجنسية تُطرح فى الإعلام وفى الأعمال الفنية بين الحين والآخر، لكن المشكلة غالبًا تكون فى طريقة الطرح نفسها، التى تتراوح بين الإدانة الصريحة وبين الإشفاق والدعوة لعلاج المثليين، إلى آخر تلك المواقف المتحفظة والمغلوطة من وجهة نظري، جزء من دور الأدب هو أن يمنح صوتًا للمنسيين، ولكن دون أن يعنى هذاالصراخ والعويل المعتادين فى الأدب الملتزم بمفهومه التقليدي.
لقيت الرواية حظوة كبيرة لدى نماذج مختلفة من القراء هل فاجأك ذلك الحضور للرواية؟
توقعت بعض الاحتفاء فى أوساط المثليين جنسيًا، وهو ما حدث، ولو أن البعض منهم كان قاسيًا للغاية فى حكمه على العمل، غير أن التقبّل العام لموضوع الرواية وبطلها ما كان مفاجئًا، ربما فكرتنا عن وعى القراء متأخرة قليلًا عن الواقع الفعلي.
القارئ لرواية” فى غرفة العنكبوت” يجدها مليئة بالخيبات والانكسارات والشخصيات البائسة والمكسورة وبها أيضا جانب مبهج برغم كل هذه الخيبات ماذا قصدت من ذلك؟ حياة كل إنسان هى مزيج من الأفراح والانكسارات، ولم أكن أريد أن أكتب عملًا كله بكاء وعويل برغم قسوة الموضوع.
أحداث الرواية غير المتوقعة وتسلسلها المرن أنقذاها من عنصر التكرار والرتابة هل فطرة الإبداع والموهبة وحدها القادرة على ذلك أم تراكمات خبرة الكاتب تسهم فى هذا الأمر؟ هذه مجاملة فى صيغة سؤال. اعتمدتُ بصورة كبيرة على دروس الكتابة السردية التقليدية فى رواية العنكبوت، ربما للمرة الأولى فى محطات تجاربي، لأقدّم حكاية سهلة التلقى عند كل قارئ، وكان الرهان ألّا يؤدى ذلك للابتذال أو السطحية، أو التنازل عن مستوى من الجمال، وأتمنى أن أكون وفقت فى هذا.
الخيال كان له دور كبير فى إنجاح هذا العمل إلى أى مدى اتكلت عليه؟
اللعبة لعبة خيال فى الأساس، مهما اعتمد النص على وقائع حقيقية، أنا لم أكن فى السجن – مثلًا - مع هانى محفوظ أيام قضية الكوين بوت، لكن كان عليّ أن أملأ بالخيال كل الفجوات.
هذه الرواية بلا شك تؤثر فى نفسية القارئ ألم ترهقك؟
أرهقنى العمل فى مراحله الأخيرة، من ناحية المهام التقنية الخاصة بالبناء وترتيب الأحداث، إلى آخره. أمّا على المستوى النفسى فقد ابتعدت عن العمل –وجدانيًا- بعد أن انتهيت من المسودة الأولى تقريبًا، لكى أراه بعين مختلفة أكثر حيادًا. فى البداية فقط كنتُ متورطًا من الناحية العاطفية، وكنت أفرح وأحزن مع شخصياتى كأنهم أصحاب أو أهل.
تداخلت الأزمنة فى هذه الرواية كيف انتقلت من أزمنة بعيدة وأخرى قريبة بهذه الرشاقة دون أن تدخل القارئ فى متاهات؟
سعيد بأنك ترى الانتقالات رشيقة وبأنها لم تؤد إلى متاهات. هذه كلها مسائل تقنية وأدوات حرفة معروفة استعنتُ بها فقط لكى تظل الحكاية صافية من المطبات.
روايتك “ فى غرفة العنكبوت” لا تخلو من الفقرات المثيرة هل كنت تقصد ذلك؟
ربما هناك فقرات تصف مشاهد أو مشاعر جنسية، لكن هل هى مثيرة بالفعل؟ هذا ما لا أعتقده. هل ما زال هناك شخص يمكن أن يثار من كلام مكتوب على الورق برغم وفرة المواد الإباحية المرئية والمسموعة. كنت حريصًا على تقديم مشاعر شخصياتى العاطفية بدقة واعتناء، وجزء من هذا أشواقهم الحسية بطبيعة الحال، لكن الإثارة لها وسائل أخرى أنجع وأضمن.
شخصيات هذه الرواية كم اقتربت من الحقيقة وشابهت شخصيات حقيقية؟
جميعها شخصيات غير حقيقية، متخيلة مائة فى المائة. أظن أن كل كاتب فى داخله دفتر ملاحظات مفتوح على الدوام، يجمع فيه نتفًا من هنا وهناك ويدون فيه تفاصيل من شخصيات عديدة على مدار حياته، وحين تأتى لحظة خلق شخصية على الورق تجتمع بعض تلك القصاصات لتشكّل وحدة كاملة، هى الشخصية الورقية التى نطمع جميعًا ألا تبدو ورقية بالمرة وأن يشعر القارئ أنها حقيقية تمامًا، وأنه لو قابلها فى مكان عام سيتعرّف عليها فى الحال.
يرى البعض أن الرواية صرخة مكتومة فى غرفة بملايين الجدران ولذلك جاءت شخصيات الرواية من المثليين ويمارس البطل قمعا كتابيا على غير المثليين لماذا؟
ربما يكون لديهم الحق فيما رأوه، لأننى انشغلت بالأساس بالصوت المقموع اجتماعيًا، أى صوت المثلي، صوت شخصيتي، هانى محفوظ، ولم ألتفت – تقريبًا – إلى أصوات غير المثليين، لأنهم ملء السمع والبصر ليل نهار، ولأن الرواية ليست ساحة محكمة أيضًا لا بدّ من الاستماع فيها إلى جميع أطراف القضية.
يقول ماريو بارغاس يوسا فى رسائله إلى روائى ناشئ : “كل رواية هى كذب يصطنع الحقيقة، خلق تكمن قوة الإقناع فيه تحديدًا فى الاستعمال الفعال من لدن الروائى لتقنيات إيهامية وشعوذية شبيهة بصنيع الحوار فى السيرك أو المسرح.” ما رأيك ؟
أوافق طبعًا. دون قوة الإيهام لن يتورّط المتلقى فى التجربة الفنية، هذا إذا أردنا له أن يتورّط.
هل تظن أن روايتك هذه كانت كما قال بارغاس، أم اتخذت لها مسارا آخر خاصا بها؟
لا أدري، لكنى راهنت – ربما للمرة الأولى – على قوة الإيهام بالواقع.
الأزمة التى ظهرت فى جنس الشعر دفعت إلى الإقبال على جنس الرواية.. ألا تعتقد أن كثافة الممكنات فى الرواية، من حيث تمثيلها للواقع على مستويات عدة، سبب صعودها وبروزها؟
هذا سبب من بين أسباب أخرى بكل تأكيد، مثل كون الرواية وسيلة أنيقة للتسلية والهرب من وطأة فظائع الواقع فى رحاب عالم خيالي، وارتباطها بالسينما، وكونها وعدًا بالتلصص على عالمٍ ما – خفى أو مجهول أو مثير – لكن عوامل الرواج ذاتها قد تشكّل عوامل تقويض الفن الروائى نفسه إن لم يستعد صورته الأصفى.
يقولون إن هناك انفجارا وفائضا فى التأليف الروائي.. فإلى ماذا يعزى ذلك إن كان ما قيل صحيحا؟
الأسباب أكثر من أن تحصى، وبعضها متشابك إلى درجة معقدة.
الرواية العربية تأثرت بشكل كبير بالأدب الحديث معتمدة على ما وصلت إليه الرواية الغربية ،فهل هنالك روايات عربية استطاعت الانفلات من التقاليد الأوروبية فى الكتابة؟
لم تعد الرواية فنًا غربيًا كما لم تعد السينما أيضًا، تقاليد الفن التى تتغير باستمرار بلا انتماء جغرافى يقيدها إنها سيرورة فى المكان والزمن، والمرجعيات واضحة وسهلة لكن التغيّر والتجدد يتجاوز تلك المرجعيات طيلة الوقت ويعيد إنتاج الصورة الأصلية وخلق فكرته الخاصة عن الفن.
حمّل الروائى الجزائرى واسينى الأعرج الإعلام العربى مسئولية فشل الرواية العربية فى الوصول إلى العالمية، واتهمه بالتقصير فى أداء مهامه ، هل هذا الادعاء فى محله فى نظرك ؟ من يتحمّل كل هذا التقصير؟! الكاتب، القارئ، البيئة، أم الإعلام؟
ربما علينا قبل التفكير فى العالمية – هذا المفهوم الغامض والمراوغ – أن نتأكّد أولًا من أننا نقرأ بعضنا بعضًا، سواء فى كل دولة على حدة أم بين الدول العربية جميعها، لم نبدأ الاطلاع الجاد على تجارب عربية مختلفة ومتنوعة إلّا قريبًا، هل يمكن أن يكون هناك سوق عربية مشتركة للكتاب؟ تجارب نشر مشتركة أكثر؟ تبادل زيارات وخبرات أكثر؟ مسائل أكثر إلحاحًا من التفكير فى وجود أدبنا بلغاتٍ غير عربية. كما أننا عند التفكير فى الآخر دائمًا ما نفكر فى الرجل الغربى – أوروبا وأمريكا – ولا نفكر فى لغات وثقافات أخرى ربما تكون أكثر قربًا منا، هل سيظل المحور الغربى هو مصفاة ما يسمى بالأدب العالمي؟ هذه مشكلة خطيرة لها جوانب عديدة، لكن المؤكد أننا مقصرون فى حق بعضنا البعض قبل أى طرف آخر.
أين موقع الرواية العربية فى الأدب العالمى من وجهة نظرك، ولماذا لم ينل روائى عربى حظه من العالمية منذ جائزة نوبل التى فاز بها المصرى نجيب محفوظ؟
لكى أجيب عن هذا السؤال لا بدّ أننى بحاجة إلى معلومات وبيانات وإطلاع ليس فى حوزتى شيء منها. أسمع أشياء وأقرأ أخبارًا لكن الصورة النهائية غير واضحة عندى.