الحقيقة أن نشر «اتفاق الرياض» فضح التخبط القطرى وحجم التآمر المدبر فى الدوحة ضد أشقائها فى مجلس التعاون وبما يزعزع أمن الخليج. استماتت قطر من أجل تقسيم المملكة وبث الفوضى فيها، ودعمت الحوثيين وزودتهم بإحداثيات مواقع قوات تحالف دعم الشرعية فى اليمن، فاستهدفوها وسقط عدد من الشهداء، بسبب خيانة دولة كانت عضواً فى «التحالف».
وعلى رغم تلك المؤامرات والخبث والإيذاء الطويل، كظمت الدول الخليجية ومصر غيظها وتأذّيها منذ عقدين، على أمل أن يعود «الابن الضال» (قطر) إلى حضن محيطه الخليجى والعربي. وطبقا لنصوص اتفاق الرياض وملحقاته، لو أبدت قطر أى حسن نية، وجدية فى تنفيذ ما تم الاتفاق عليه فى عامى 2013 و2014، كان الأمر كله سينتهى بالصفح والتسامح الذى جُبل عليه الخليجيون إزاء بعضهم.
لكن قطر أرادت غير ذلك، ولمّا مُدَّ لها فى حبال الصبر، حسبته ضعفا، وتمادت فى ألاعيبها وأكاذيبها، حتى غدا القرضاوى ووجدى غنيم وعزمى بشارة ومن على شاكلتهم هم من يخططون لقطر سياستها تجاه أهلها وجيرانها. ولذلك كانت تلك المآخذ والاتهامات المثبتة سبباً فى تفجُّر مرجلٍ ظل يغلى ويغلى منذ أعوام عدة.
وليس صحيحا البتة ما يردده بعض المحللين الذين يزعمون أن زيارة الرئيس دونالد ترمب للرياض فى مايو الماضى هى التى أشعلت تلك الأزمة فى 5 يونيو 2017. بل السبب يعود إلى مؤامرات مكشوفة وسلوكيات مرفوضة، وتمويلها الإرهاب، وتدخلها فى شؤون دول شقيقة.
وهناك أسباب أخرى للغضب الخليجى إزاء التآمر القطرى المرفوض. فبعدما تمت مواجهة قطر بسلوكها الذميم ووجهها الدميم، وتم سحب سفراء السعودية والإمارات والبحرين من الدوحة فى 2013، تم تدارك الأمر داخل البيت الخليجى بمسعى حميد من أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد، الذى أسفرت وساطته عن اتفاق الرياض. ولعل تعمد قطر الاستمرار فى تجاهل الالتزامات المترتبة عليها بموجب الاتفاق وملاحقه التكميلية وآليات تنفيذه ينم عن عدم تقدير واحترام للجهود التى بذلها أمير الكويت. ففى قطر لا توقير لكبير منذ الإطاحة بالأمير السابق الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني، عليه رحمة الله! وظلت الدول الثلاث المتضررة من السلوك القطرى تتكتم على نصوص الاتفاق ووثائقه حتى بُعيد اندلاع أزمة 5 يونيو 2017. ورأت بعض الجهات ضرورة كشف الأدلة الدامغة التى تدين قطر، فتم نشر بنود الاتفاق ووثائقه، ليعرف العالم أجمع الخطيئة القطرية، وفق ما ينص عليه الاتفاق الموقع عليه من أمير قطر وينص أحد بنوده «فى حال عدم التزام أحد أطرافه بما ورد فيه، فيحق للآخرين نشر الاتفاق، واتخاذ ما يراه مناسبا من الآليات للحفاظ على أمنه».
ولا بد من كلمة أخيرة فى شأن مذكرة التفاهم حول مكافحة تمويل الإرهاب التى وقعتها الولاياتالمتحدة مع قطر، قبل يوم من انعقاد الاجتماع الرباعى الأمريكى فى جدة. فقد أعلنت الدول المقاطعة لقطر أنها تثمن مسعى واشنطن فى هذا الشأن، لكنها لن تقبل من جانبها سوى برقابة للسلوك القطري، لأن ثقتها أضحت معدومة، بسبب تاريخ طويل من النكث بالعهود، وتجاهل الاتفاقات، والتمسك بسياسات التفتيت. ومن الواضح أن قطر، التى يديرها من وراء ستار أميرها السابق حمد بن خليفة آل ثاني، تجاوزت التاريخ والديموغرافيا وعلاقات الأخوة والجيرة عن قصد.
تتذاكى حكومة قطر بأنها قادرة على تسديد الطعنات للسعودية والإمارات ومصر فى آن. وتريد أن تقول وهى تخرج لسانها أن ورقتها التى لن تخسر هى استضافة قادة الإخوان والجماعات المتطرفة المنبوذة. بل تريد أن تقول إنها ستخرج كاسبة بالاستقواء بالآخر. وهو رهان ما أخسره، ومنطق ما أعوجه.
الأكيد أن كلمة الحق هى التى ستسود، ولو كرهت قطر. وما لم ترضخ للمطالب الخليجية تحديدا، وهى مطالب عادلة ومشروعة، وسبق لها أن وافقت عليها، فستظل كتلة صغيرة واهمة واهنة، بلا أشقاء ولا حلفاء، ومصير مجهول. والدول المقاطعة لها ليست على عجلة من أمرها... إلا لما يجب أن يتحقق من أجل أمن الخليج ومن ضمنه الشعب القطرى التواق لحضنه الخليجي. ولعل قرار تيلرسون المفاجئ بالعودة للدوحة، بعد اجتماع جدة، وحرص الوزراء الأربعة على أن يحضر محادثات جدة وزير كويتي، كلها مؤشرات إلى أن المبادرة كانت وستبقى بيد «الرباعي»، وسواء توسط تيلرسون، أو لودريان، أو جونسون، فإن الدول الأربع لن تقبل ولن ترتضى تسوية لا تضمن تعهد قطر بتلبية المطالب وتنفيذها من دون مراوغة... أو سيطول الفراق.