كلمة السيسي في الرياض تضمنت ردودًا مباشرة على ما زعم ترامب بأن المقاومة إرهاب المبادرة الخليجية للتطبيع مع إسرائيل، إن صحت، فهى «ضحك على الذقون»
يضم بين جنبات قلبه ودفات مكتبه وبقلمه ما يزيد على 31 كتابًا، نصفها في التاريخ الوطني الفلسطيني، في حين تمثل تجربته السياسية وسيرته الذاتية وقضايا مصر والسودان النصف الثاني من كتبه. أشرف على ما يزيد على 31 موسوعة وكتابًا آخرين، وراجع عشرات الدراسات الأكاديمية، الماجستير والدكتوراه، التي تتعلق بالصراع العربي الصهيوني . والغريب أنه لا يزال يحمل لهجته الفلسطينية الشامية، وهو ما يعتز به، إذ يعتبرها أحد أشكال مقاومة اندثار التراث الفلسطيني! تخرَّج على يديه المئات من الطلاب والباحثين وأساتذة الجامعات المصرية والعربية، في “ ورشة التحرير “ التي دشَّنها قبل أكثر من 25 عاماً في سوريا، وأكملها في مصر، حينما ارتحل إليها منذ ما يزيد على عشرين عامًا، ولا تزال مستمرة في مقر مكتبه بالقاهرة! فتح الكاتب والمؤرخ الفلسطيني، عبد القادر ياسين، قلبه ل “ الأهرام العربي “، وتحدث عن زيارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، للمملكة العربية السعودية والأراضي الفلسطينيةالمحتلة، فكان لنا معه هذا الحوار الثري: ماذا تمثل زيارة ترامب للسعودية والأراضي الفلسطينيةالمحتلة في رأيكم؟ يبحث ترامب عن مجدٍ خارج الولاياتالمتحدة، بما يذكرني بريتشارد نيكسون الرئيس الأمريكي الأسبق، ببحثه عن المجد الخارجي، أيضًا، حينما انفجرت فضيحة “ووتر جيت”، فترامب حاليًا حقق نصرًا، غير مسبوق، بالولاياتالمتحدة، على حساب الوطن العربي والعالم الإسلامي على حد سواء. ولكن هل يستطيع الخارج تعويض ترامب عن القضايا الداخلية، بعدما فجَّره من معارك داخل الولاياتالمتحدة؟! حيث طالته الاتهامات الداخلية على أدائه، غير المألوف، وهو ما يذكرني، أيضًا، بالمرشح الأمريكي الأسبق للانتخابات الرئاسية، جولد والتر، قبل أربعين عامًا، الذي سقط في الانتخابات لأدائه، غير المألوف، ومن ثم يذكرني أداء ترامب، حاليًا، ببلطجي يبتز المنطقة، وقد ابتزها بالفعل! وما رأيكم في توقيعه لعقود وصفقات تجارية وعسكرية أمريكية مع السعودية بما يزيد على 460 مليار دولار؟ 460 مليار دولار غير الهدايا التي تزيد على مئات الملايين من الدولارات، وهو بذخ غير مبرر، لشخص لم يقدم للعرب شيئًا، فها هي صورته أمام حائط البراق، وقد احتفى به الصهاينة أيما احتفال لما قدمه من خدمات لإسرائيل خلال الأشهر التي قضاها في البيت الأبيض، فقد حرف الأنظار العربية عن العدو الإسرائيلي الذي يهدد الوطن العربي والعالم الإسلامي، وترامب وصل إلى فلسطين ليجبر السلطة الفلسطينية على تقديم تنازلات لإسرائيل، مع كف الحديث عن عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، وغض النظر عن التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، مع التسليم بيهودية الدولة الإسرائيلية، وأخيرًا عدم الحديث عن القدس. بخصوص حائط البراق، أثيرت خلافات صهيونية أمريكية قبيل زيارة ترامب تتعلق بمدى أهمية زيارته تلك، ومحاولة الضغط عليه لإتمام الزيارة؟ الخلافات بين الجانبين، الصهيوني والأمريكي، هامشية، يمكن حصرها، فالولاياتالمتحدة مع مصالح إسرائيل كما تراها الولاياتالمتحدة نفسها، وليس كما تراها إسرائيل، وعلينا أن نتذكر أن روجرز حينما قدم مبادرته الشهيرة في صيف 1970، ورفضها الإسرائيليون، قال لهم، آنذاك:”عليكم ألا تنسوا أن لنا أصدقاء عربا”. لماذا الرفض في رأيكم، آنذاك؟ الرفض يعود لأن الرئيس جمال عبد الناصر أراد أن يكشف للعالم أن إسرائيل رافضة للسلام، والضربات الموجعة لإسرائيل، آنذاك، أرغمت الولاياتالمتحدة على تقديم مبادرة متوازنة نسبيًا بعد أن تأكدت واشنطن أن هناك مواجهة مرتقبة ومباشرة بينها وموسكو، في وقت كانت واشنطن متورطة في حرب فيتنام، حينئذ! إذن فإن رأيكم يعني أن المقاومة، بكل أشكالها، موجعة، دومًا، للكيان الصهيوني؟ طبعًا موجعة وتعدِّل من ميزان القوى، ومن العبث ألا يكون هناك توازن بين الفلسطينيين والصهاينة، ولكن حاليًا ميزان القوى مختل لصالح العدو، فلن تأخذ على مائدة المفاوضات أكثر مما يساوي ما تقوم به في ميدان القتال، وهنا يقول فريدريك الأكبر “ مفاوضات بلا سلاح تساوي موسيقى بدون أدوات موسيقية “. إلى أي حد ترى أهمية لقاء ترامب بعباس؟ ترامب لم يأت للمنطقة إلا ليبتزها، وينتزع من السلطة الفلسطينية المزيد من التنازلات لإسرائيل، وفي هذا الصدد أريد أن أشير إلى أن كلمة الرئيس السيسي في لقائه الأخير بترامب في قمة الرياض كانت أكثر توازنًا وتضمنت ردودًا مباشرة على ما زعمه ترامب من أن المقاومة إرهاب. ولكن الغريب أن عباس حينما التقى بترامب في واشنطن مطلع الشهر الجاري خرج من عنده ليصرح بأنه مستعد للقاء نتانياهو تحت رعاية ترامب نفسه، أي أنه سيلتقي بعدوه المباشر برعاية عدوه الرئيسي. وهنا يجب التذكير بأهمية ما قاله ترامب لنيتانياهو في مؤتمرهما الصحفي المشترك بمدينة القدسالمحتلة : “ نحن وإسرائيل أكثر من أصدقاء وأرجوك استغلال هذه الفرصة الجديدة، وأنت تفهمني طبعًا “ ً! وما تفسيركم لهذه المقولة المهمة؟ تعني أن الساحة باتت مواتية لتقديم تنازلات فلسطينية للجانب الإسرائيلي أكثر مما سبق في الماضي! لماذا الإصرار الصهيوني الدائم على إبقاء هضبة الجولان السورية المحتلة تحت السيادة الإسرائيلية؟ من المعروف للجميع أن إسرائيل اتخذت قرارًا في الكنيست لضم هضبة الجولان السورية المحتلة، ومن قبلها مدينة القدسالمحتلة، لذلك فإن الجولان والقدس لن ينتزعا ويعودا إلا بحد السيف. في مقابل أن الانسحاب من شبه جزيرة سيناء والجنوب اللبناني تم بالسلاح! نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية تقريرا، في السادس عشر من الشهر الجاري، زعمت فيه أن دول الخليج العربي عرضت على إسرائيل مبادرة جديدة للتطبيع تقضي بتجميد المستوطنات مقابل دخول نتانياهو في مفاوضات مباشرة مع أبو مازن مع تقديم عروض اقتصادية خليجية لتشجيع التطبيع مع تل أبيب.. فما تعليقك؟ الرئيس الفلسطيني محمود عباس لا يملك أن يتحدث عن تنازلات لإسرائيل، قديمًا قال السياسي النمساوي “ميترنيخ” حين عاتبه حكام أوروبا بأنه لم يأخذ أرضًا أكبر من نابليون المهزوم، فقال لهم مقولته الشهيرة “ أنت لا تستطيع أن تأخذ من الأرض أبعد مما تصل إليه دانة مدفعك “! فأين هي مدافعنا؟! نفتالي بينيت وزير التعليم الصهيوني قدم أربعة شروط لإدارة مفاوضات مع أبو مازن، وتتعلق بعدم تقديم الفلسطينيين لشروط مسبقة قبل المفاوضات، وعدم تقسيم القدس، وعدم تقديم تنازلات إسرائيلية وعدم الإفراج عن أسرى فلسطينيين، فما رأيكم في هذه الشروط؟ أذكر هنا أن القمة العربية الأخيرة أرادت إحياء المبادرة العربية للسلام، التي دشنت في قمة بيروت في العام 2002، ليرفضها نيتانياهو، على الفور، حينما أمر ببناء مستوطنة جديدة، وهو القرار الذي لم يتخذه على مدار عشرين سنة مضت، وأعتقد أن هذا ردٍ كافٍ على القمة العربية. على غرار ما فعله رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، أرئيل شارون، بعد قمة 2002 حينما اجتاح مدينة جنين بالضفة الغربية ولم يقدم أصحاب المبادرة، آنذاك، شيئًا للشهداء والمصابين، ولم يردوا عليه! وماذا عن المبادرة الخليجية الأخيرة، إن صحت؟ المبادرة الأخيرة تتعارض مع المبادرة العربية للسلام المقدمة في العام 2002، كما ذكرت، والتي رأت ضرورة قيام دولة فلسطينية والانسحاب من الأراضي المحتلة في العام 1967، والآن نتوقف عن طلب تجميد بناء المستوطنات فحسب، أي تقديم لا شيء، إنه نوع من الضحك على الذقون.