فنانون مستقلون ينتجون أفلام الرسوم المتحركة للكبار ويدربون أطفال مصر وألمانيا إبراهيم سعد: ثانية الفيلم تستلزم 24 رسمة.. والاحتراف يحتاج لتأهيل نفسي
غرفة واسعة لكنها وحيدة في مصر، انطلقت منها أعمال أضخم مشروع مستقل لإنتاج الرسوم المتحركة، بلا تمويل حكومي أو شركات لإنتاج أفلام الرسوم المتحركة.. في هذا المشروع، قضى عشرات من المهتمين بالرسوم في جمعية النهضة الثقافية 6 سنوات لتصميم برامج عمل لتعليم هذا الفن واحترافه، وإنتاج أفلام قصيرة للأطفال والشباب على السواء. وعلى مدى السنوات الست، استطاع المشروع تشكيل مدرسة مستقلة لتعليم كل الفنون المتعلقة بالرسوم المتحركة، بداية من الرسم أو التصوير الفوتوغرافي والإضاءة والمونتاج وتحريك الأشكال والرسوم وتصميم الأفلام وكتابة القصص، وانتهاء بإنتاج أفلام كاملة. كيف نجح عدة أشخاص في لمّ شمل أساتذة الجامعات والفنانين لإعطاء شباب الهواة ما يشبه المناهج العلمية؟ وكيف نجح الهواة في أن يحترفوا الرسوم المتحركة؟ وكيف نجح المحترفون في تعليم الصغار؟ وكيف سافرت أفلامهم إلى دول العالم؟ في السطور التالية ستقرأون حكايتهم كاملة.. إبراهيم سعد أثناء ورشة تدريب سابقة تبدأ تفاصيل المشروع من إبراهيم سعد، الفنان التشكيلي وصاحب المبادرة.. انطلقت الفكرة كلها من 6 سنوات، بمساعدة فنانة أمريكية تدعى الكسندرا زيفين، التي وفدت إلى القاهرة لتأسيس مشروع "لا شيء إلا ظلي"، وعقب انتهاء المشروع انطلق "سعد" يجمع شباب المهتمين باحتراف الرسوم المتحركة ويعقد جلسات تشبه ورشة عمل أسبوعية، وتطورت الجلسات إلى مشاركة الشباب وتفاعلهم في الورشة ليصبح مجموعة مكونة من أكثر من 20 شخص مهتمين بفن الرسوم بشكل شبه يومي على مدار الأسبوع. يقول إبراهيم سعد: "كنا نجتمع ونذاكر ونرسم اسكتشات ونشاهد الأفلام، نتشارك في الاهتمام بهذا الفن رغم أن معظم الشباب ليسوا من خريجي كليات الفنون الجميلة أو الفنون التطبيقية، ثم تطور الأمر بمشورة الفنانين ياسر نعيم وهالة لطفي وغيرهما إلى إنتاج ما يشبه المناهج العلمية لتعليم الطلبة مهارات الفن". ويتابع سعد: فتشت في مناهج الكليات المصرية، وفي العديد من الجهات البحثية إلا أنني لم أصل إلى منهج علمي متكامل لتعليم فن الرسوم المتحركة، واقترحت علي "هالة لطفي" بأنه "مش هاينفع كل مرة ياكلوا ملوخية"، في إشارة إلى توجيهي للطلبة طوال الوقت، ففتحنا نقاشات واسعة انتهت بتقديم مجموعة كبيرة من الفنانين والمحترفين وأساتذة الجامعات الدعم بمحاضرات على مدى عدة أشهر لتعليم الطلبة المونتاج وتقنيات الإضاءة والصوت والموسيقى والكتابة وحتى تاريخ الأزياء اللازمة للشخصيات، ومن هنا نجحنا في تكوين منهج للتدريس، انطلقنا به وبالمشروع حتى نجحنا في تقديم نموذج مماثل له تماما في مدينة "ميني ميونخ" بألمانيا، وهي مدينة مصممة للأطفال تحاكي ميونخ في شوارعها وتخطيطها. بعض رسوم الأطفال التي يتم تحريكها بعد عام، تخرجت أول دفعة من الشباب بعد إنتاج 6 أفلام رسوم متحركة، شاهدتها "الأهرام العربي" ومتاحة على الرابط التالي، وأصبح هؤلاء الشباب هم نواة المشروع لتعليم الأطفال فن الرسوم المتحركة، هم عبده حمدان ومروة عبد المنعم وشيماء الجزار وغادة فريدة ومريم عبد الرحمن. تتحدث مريم عبد الرحمن عن تجربة صعوبة الرسم بجملة قاطعة: "كان فيه مشهد دقيقة واحدة في فيلمي مكون من 4 آلاف لقطة". تتألف ثانية الرسوم المتحركة من 24 رسمة، ويقول إبراهيم سعد إن اندماج الشباب في هذا الفن يحتاج لتأهيل نفسي، لأنه بحاجة لمزيد من الصبر. مروة عبد المنعم خلال إحدى ورش العمل أرشيفية فيما يقول عبده حمدان، هناك تقنيتان للرسوم هما "ستوب موشن" ويستخدم فيها عرائس وماكيتات يتم تحريكها تباعا، وتقنية "الشفافات" وتحوي الثانية الواحدة 24 كادر، ومن الوارد دمج عدة تقنيات في الفيلم الواحد، ويستغرق الفيلم من 3 إلى 4 أشهر عمل، لكن التفكير في العمل أو الفيلم بكافة أبعاده قد يستغرق وقتا أطول. ما الفارق بين إنتاج فيلم رسوم متحركة للأطفال أو الكبار؟ تقول مروة عبد المنعم، المشاركة في المشروع: هناك أفكار مغلوطة عن فن الرسوم المتحركة، أولها أنه "لازم يكون بيضحك، أو إنه للأطفال"، إنما الأهم من وجهة نظرها هي إنجاز الفيلم "لما بتشوف الفكرة بتاعتك بتتحرك قدامك الأمور بتختلف تماما، إنك بتبني الفكرة بتاعتك من الألف للياء، فيه عملية إبداع كاملة .. وبتشتغل كل حاجة بإيدك". طلبة المدارس خلال إحدى الورش التدريبية أخيرا، ما هو واقع هذا الفن في مصر؟ يعود إبراهيم سعد ليؤكد أن الرسوم المتحركة جثة هامدة متحللة، رغم أن مصر بادرت منذ عشرات السنين بتجارب مهمة على مستوى الوطن العربي، إلا أن الوضع في مصر بائس.. "المشكلة مش في الفنانين ولكن في المنتجين، لأنهم بيخافوا يضخوا فلوس في الأنيميشن"، ووفقا لسعد لم يشعر المنتجون بالمكسب أبدا، خاصة إذا تعلق الأمر بإنتاج أفلام طويلة أو مسلسلات، لذا انصب عملهم الآن على إنتاج إعلانات قصيرة المدة ومضمونة المكسب.