صحراء خاوية من أي أثر لبشر، لا حدود لمرمى بصرك ولا حتى لسراب يأوي آمالك مؤقتًا عن اقتراب الحلم.. المهرب.. والملاذ، عن لمسة يد تطمئنك أن القادم أفضل، عن كذبة «الأمل» البيضاء، مسكنات وهمية لوجع يقتات على ما بقي من شتات روحك، حبل رجاء أخير يسحبك من فجوة «الفراغ النفسي» التي تبتلعك من الداخل، تائه أنت ووحدك تعرف الوجهة، نسائم من بعيد تكسر حواجز وحدتك بأصوات أنثوية من روح «هارب»، وأنفاس من رقة «فلوت» و«دودوك» وليونة «ساكس»، دقات قلبك ظبطت تلقائيًا على وقع «إيقاعات» عزفية من «بركشن» و«درامز»، و«آهاتك» انطلقت لا إراديًا مع كل «تأويهة» من أنين عود، ولمسات من أصابع بيانو، لتفيق بعد لحظات مرت كالدهر على صيحات من حولك، لينقشع ضباب المكان، وتجدك مكبلًا في «كرسي» وسط حشود جماهيرية، في حفلة موسيقية. قد ينتابك هذا الشعور إذا حضرت الحفل الموسيقي في دار الأوبرا المصرية الذي جمع الفرقة الألمانية كايرو ستيبس، إحدى أقدم الفرق في ألمانيا المتأثرة بالروح المصرية والشرقية في موسيقى الجاز، مع رباعي التانجو العالمي كوادرو نويفو، والذي قدم آلاف الحفلات حول العالم وأكثر من 40 ألبومًا في مسيرته، لأشهد على نتاج مشروع موسيقي مشترك يمزج موسيقى الجاز العالمية بلمحات من الموسيقى الشرقية، بين قطبين من عوالم سماعية مختلفة، فرقة ألمانية من أصول مصرية، وفرقة أرجنتينية الهوى من أصول ألمانية، ارتوت بموسيقى التانجو، أطلقا على المشروع اسم «البساط السحري» أو «فلاينج كاربت»، كان لنا هذا الحوار مع الموسيقي المصري باسم درويش، مؤسس الفرقة، الذي حدثنا عن المشروع والألبوم الجديد. بداية.. ما سر اختيار الاسم؟ «سجادة طائرة سحرية»؟ استوحينا الفكرة من «سجادة» اشتراها أحد أعضاء كوادرو نويفو من «الحسين»، خلال جولتنا الأخيرة في مصر يناير الماضي، ومن شدة إعجابه بها أخذ عدة صور تذكارية معها بل جلبها في الحفلات الثلاث التي جمعت كايرو ستيبس مع الرباعي في دار أوبرا دمنهور وأوبرا إسكندرية ومسرح الأوبرا الكبير بالقاهرة، وأصبحت علامة مميزة حتى عند التقاط صور الحفلة، ومنها جاءت فكرة الكليب الرسمي للمشروع، ألماني اشترى سجادة وفوجئ بكونها أشبه ببساط علاء الدين، وأخذته في جولة في أنحاء مصر من الأهرامات إلى الأقصر، ليستوحى موسيقاه الجديدة من روح المصريين وجمال الطبيعة الأثرية في أم الدنيا، لينتج «مشروع» مزج بين الموسيقى الألمانية بلمسة التانجو مع الموسيقى الشرقية المصرية القديمة.
موسيقى «الجاز» غير مألوفة كثيرًا للجمهور المصري.. كيف استطعتم تقديمها بشكل جديد يجعل حفلاتكم «كاملة العدد»؟ الذوق العام في مصر متغير باستمرار، وموسيقى الجاز ليست جديدة في المجال الفني في المحروسة، فمصر كانت دومًا وجهة لروادها قديمًا أيام الزمن الجميل، فإن عقدا تلو الآخر مر وتغيرت الشريحة الموسيقية بأكملها، إثر تغير الجمهور المتلقي والذي أصبح غالبيته حاليًا «شباب» يميلون لموسيقى أكثر «حيوية» و«بساطة»، كموسيقى «الأندرجراوند» والمهرجانات وغيرها، ومن جانبنا حاولنا إعادة إحيائها بطريقة مختلفة، تارة بمزجها مع الموسيقى الشرقية وتارة أخرى بإضافة الترانيم والألحان القبطية، وحتى قليل من الأجواء الصوفية والابتهالات، وهو بالفعل ما نال استحسان الجمهور ممن يملأون حفلاتنا كل عام بالكامل. قدمتم حفلات في أنحاء أوروبا، ولمع نجمكم في ألمانيا في أكبر المسارح ودور الأوبرا.. ماسر إصرارك على العودة إلى مصر كل عام؟ وما الصعوبات التي تواجهك لإقامة حفلة في بلدك الأم؟ كايرو ستيبس يمتد عمرها لأكثر من 14 سنة، وبدأنا بالفعل في ألمانيا وعرضنا على أكبر المسارح هناك، منها دار أوبرا فرانكفورت، وبرغم رضاي لما وصل إليه الباند من نجاح عالمي، فإن «مصر» تظل في القلب مهما ابتعدت عنها، ويظل عشقي الأول هو تقديم موسيقاي في بلدي الأم، برغم الصعوبات التنظيمية والمادية التي تواجهني بمجرد التفكير في إقامة حفلة وجولة في مصر، أهمها «الروتين»، في الإجراءات الورقية والتصاريح وغيرها، بجانب التكلفة العالية لنقل وإقامة أعضاء الفرقة بالكامل من ألمانيا لمصر، مع تكلفة المعدات الصوتية والإضاءة وحتى المسرح نفسه، مع صعوبة وجود «متعهد حفلات» يتحمل مسئولية الفرقة والحفلة من الألف للياء، إضافة إلى تحملي عبء إدارة أعمال الفرقة.
عند ذكر «كايرو ستيبس» يأتي في أذهان الجمهور فورًا مشروع «المولد والميلاد».. حدثنا أكثر عن فكرته، وهل تنوي إعادة تقديمه في مصر كل عام؟ المولد والميلاد من اسمه يجمع بين روح المولد النبوي الشريف مع احتفالات الكريسماس ورأس السنة الجديدة، انطلقت الفكرة منذ حوالي سنتين، عند تلاقي العيدين لأول مرة في نفس اليوم تقريبًا، مما جعلنا نفكر في مزج موسيقى الترانيم مع الجو الصوفي مع موسيقى الجاز وتجربة الناتج، ونال المشروع استحسان الجمهور عند عرضه لأول مرة بدار الأوبرا المصرية وأقمنا جولات بين إسكندرية ودمنهور، وكررنا التجربة بعدها بعام، وأصبح المشروع مطلبًا جماهيريًا لإعادة تقديمه في شهر ديسمبر من كل عام، لم نقرر بعد إذا كنا سنعيد تقديمه هذه السنة، ولكن إن حدث فسيحمل في جعبته مفاجآت من حيث المحتوى الموسيقي والضيوف.
هل يعتبر «المولد والميلاد» الجيل الثاني لمشروع «موزارت المصري»؟ وحدثنا أكثر عن مفاجأة «جينوسيان» التي ذاع صيتها على مواقع التواصل الاجتماعي أخيرا. إلى حد ما هو إعادة إحياء روح «موزارت المصري» أقدم مشروع موسيقي في مصر مزج بين الألحان القبطية والصوفية، والذي أسسه المرنم جورج كرلس والشيخ محمد الهلباوي، وأعدنا تقديمه بالجيل الثاني على يد أبنائهما، المرنمة مونيكا جورج والمطرب علي الهلباوي، كما أعدنا فيه توزيع موسيقى كايرو ستيبس بشكل جديد، ومن أبرز مقطوعاتها «جي ناي نام»، و«جينوسيان»، والتي كانت الأخيرة مفاجأة بالنسبة للجمهور المصري، بمشاركة الشيخ الأزهري إيهاب يونس، لأول مرة مع الفرقة في حفلاتنا الأخيرة شهر ديسمبر الماضي، وأضاف إليها لمسات من رائعة «يا مالكًا قدري»، بصوته القوي الذي لم أرى مثيلًا له من قبل، وبالفعل تم تداول فيديو الأغنية على مواقع التواصل وكسرت حاجز المليوني مشاهدة، ويستمر معنا حاليًا «يونس» في جولتنا مع كوادرو نويفو في ألمانيا. كيف ترى التغير في المحتوى بين ألبوم كايرو ستيبس الأخير «أرابيسكان»، وبين «فلاينج كاربت»؟ أرابيسكان كان بمثابة خلاصة تجربة موسيقية امتدت لحوالي عقد من الزمن، قدمنا خلالها رؤيتنا الخاصة لموسيقى الجاز المعاصرة، عبر خلطها بالطابع الشرقي للموسيقى وتخللتها عدة تجارب في المحتوى الصوفي والابتهالات والترانيم، لكن في فلاينج كاربت» تعتبر مرحلة موسيقية جديدة، خاصة بتعاملنا مع أربعة من أشهر وأعرق عازفي التانجو في العالم «كوادرو نويفو»، ومثلت حفلاتنا معهم في مصر «نقلة» و»استثنائية» خصوصا مع انشغال جدول حفلات الرباعي لقرابة أربع سنوات مستقبلًا، وفكرة مزج التانجو بالجاز في حد ذاتها مغامرة، وبالفعل استمتعنا جدًا بالعمل معهم واستفدنا من خبراتهم، ويضم الألبوم أكثر من 12 مقطوعة موسيقية، منها «مقطوعة «أرابيسكان» والتي أعدنا توزيعها بشكل مختلف، ولعل مفاجأة الألبوم تكمن في مشاركة الدكتورة إيناس عبد الدايم، رئيس دار الأوبرا في مقطوعتين بعزف الفلوت.
أخيرًا.. ما المحطات التي تمر خلالها جولة الألبوم حول العالم؟ وهل سنراكم في مصر عما قريب؟ وما أخبار مشروع كايرو ستيبس الجديد مع «سعاد ماسي»؟ جولة الألبوم بدأت من قبل أن يظهر الألبوم نفسه للنور، فالانطلاقة الحقيقية كانت من مصر خلال جولة حفلاتنا بالقاهرة وإسكندرية ودمنهور بشهر يناير الماضي، وقدمنا فيه نتاج ورش عمل جمعتنا مع كوادرو نويفو في ألمانيا، ونكمل الجولة حاليًا في مدينة ميونخ الألمانية ومنها لعدة دول أوروبية وتستمر قرابة الشهر، ويشارك معنا من مصر جميع أعضاء الفرقة المصرية وبمشاركة الشيخ إيهاب والهلباوي وضيافة إيناس عبد الدايم، وبدعم كبير من دار الأوبرا المصرية وشركة مصر للطيران والخارجية الألمانية، ويظهر الألبوم رسميًا للجمهور عبر المتاجر الإلكترونية خلال شهر إبريل، أما عن مشروعنا مع «سعاد ماسي» فهو ببساطة محاولة تقديم أبرز أعمالها خلال العشرين سنة الأخيرة بشكل «نوستالجيا ماسي» وإعادة تقديمها على طريقتنا الموسيقية، وسيظهر للنور بأول حفلاته بالقاهرة فى 20 أبريل الحالى.