خالد سعيد في الوقت الذي يحل رئيس الوزراء الصهيوني، بنيامين نتانياهو، ضيفًا على الرئيس دونالد ترامب، في أول لقاء بينهما بعد تولي الأخير مقاليد الأمور في البيت الأبيض في العشرين من الشهر الفائت، تتجه حركة المقاومة الإسلامية (حماس) نحو إجراء تطورات سياسية وعسكرية في صفوفها الأولى تشي fتغييرات حقيقية على الأرض. منذ عدة أيام وجُل الصحف الإسرائيلية، المنشورة باللغة العبرية، تتحدث عن الزيارة المرتقبة لنتانياهو لواشنطن ولقاءه بالإدارة الأمريكية الجديدة، مع وضع أجندة معينة للقاء المهم والتاريخي، كونه اللقاء الأول لترامب ونتانياهو، بعد سنوات ثماني اعتبرتها إسرائيل " سنوات عجاف "، وهي ولايتي الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، كانت وبالاً على الأمن القومي الإسرائيلي، وذلك بحسب مصادر صهيونية عدة، رغم أن أوباما نفسه قد ساند العدو الصهيوني في أغلب ملفاته وقضاياه المتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي، وزادت في فترته وتيرة بناء المستعمرات الصهيونية على الأراضي الفلسطينيةالمحتلة. بيد أن رفض إدارة أوباما استخدام حق النقض "الفيتو" ضد قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2334، الصادر في الثالث والعشرين من ديسمبر الماضي، والمتعلق بوقف أو تجميد بناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة، كان القشة الذي قصمت ظهر البعير فيما يتعلق بالعلاقات الصهيونية الأمريكية، ما دفع تل أبيب إلى كيل الاتهامات لأوباما، واعتباره أسوأ من تولى مقاليد الأمور في البيت الأبيض. وعلى النقيض من ذلك، فإن حكومة نتانياهو تأمل من ترامب تغيير الوضع على الأرض في قلب فلسطينالمحتلة، بمعنى أنها طلبت منه إلغاء القرار السابق (2334) وما يترتب عليه، بل دعم بناء المستوطنات، وإلزام الجانب الفلسطيني ب"الاعتراف بيهودية الدولة"، مع احتمالية توجيه ضربة استباقية لحركة حماس في قطاع غزة، بهدف ردعها وإجبارها على الرضوخ للمطالب الصهيونية، وإلزامها ب" الهدوء " بطول الحدود الإسرائيلية الغزاوية، خاصة في ظل سقوط القذائف والصواريخ الفلسطينية على مستعمرات غلاف غزة، بين الفينة والأخرى، من قبل بعض التنظيمات السلفية التي لم تتحكم فيها الحركة، أو ربما يتم توجيه تلك القذائف تحت بصر الحركة، ولكن بشكل غير مباشر، أو أن هناك اتفاقًا ضمنيًا بين الحركة والتنظيمات السفلية بالقطاع! في قلب ذلك كله، وبعيد انتخاب ترامب للرئاسة الأمريكية في نوفمبر الماضي، اتجهت حركة حماس لإجراء انتخابات داخلية قبيل عدة أيام، وبشكل سري للغاية، أسفرت عن اختيار يحيي السنوار، القيادي القسامي المعروف، بدلا من اسماعيل هنيه، قائدًا لقطاع غزة، وانتخاب خليل الحيه نائبًا له، في واحدة من الانتخابات الأكثر جدلاً في تاريخ الحركة منذ تشكيلها في العام 1987، إبان الانتفاضة الفلسطينية الأولى! وبالتزامن مع إجراء تلك الانتخابات التاريخية يجري التهميش الصهيوني الأمريكي للقضية الفلسطينية ومسار التفاوض الفلسطيني الإسرائيلي، حيث أفردت وسائل الإعلام الإسرائيلية، المنشورة باللغة العبرية، الحديث لرحلة نتانياهو، ومدى تهميشها لذاك المسار، واهتمامها بقضايا أخرى، لكن عاد ملف اختيار السنوار لقيادة حماس في القطاع إلى صدارة الاهتمام بدلا من زيارة نتانياهو للبيت الأبيض لما لها من تداعيات على الأمن القومي الصهيوني. فقد رأت تلك الوسائل أن السنوار سيغير من طريقة وأسلوب حماس ومن ورائه الفصائل الفلسطينية في غزة تجاه العمل العسكري بدلا من العمل السياسي وأسلوب المهادنة واتباع طريقة " الهدوء المطبق " في القطاع بين الكيان الصهيوني والأهالي الفلسطينيين في غزة، إذ يجنح السنوار للعمل الفدائي ويميل ناحية تحرير الأراضي الفلسطينية بالقوة، دون استخدام العمل السلمي الذي اتبعه سلفه اسماعيل هنيه، والذي فضَّل، على الدوام، سلمية المسار الفلسطيني في القطاع، مقارنة بشخصيات تعد صقورًا داخل الحركة، أمثال الدكتور محمود الزهار، الذي استشهد لديه عدد من أبناءه، وإن لم يكن ذلك الأمر دافعًا للعمل العسكري لديه، ولكن منذ دراسته في جامعة الزقازيق، والزهار يجنح نحو العمل العسكري على حساب سلمية الخيار الفلسطيني! على الرغم من خروجه من الأسر الصهيوني في العام 2011، على إثر صفقة تبادل أسرى مع الكيان الصهيوني، مقابل عودة الجندي الإسرائيلي، جلعاد شاليط في الثامن عشر من أكتوبر من العام نفسه، وهو يسير تجاه قيادة الحركة، وخاصة العمل العسكري، إذ بات أحد أكثر الشخصيات قوة وعنفوانًا داخل القطاع وبين قادة حماس بوجه خاص، وهو ما ارتأته تل أبيب من أن الهدوء السابق في القطاع إبان فترة هنيه كان مخادعًا، حيث دعت أقلام إسرائيلية مختلفة المشارب إلى توجيه ضربة قاصمة لحماس بهدف ردعها، ووقفها عن إطلاق القذائف والصواريخ المتوالية تجاه مناطق غلاف غزة، رغم قلتها مقارنة بالأعوام الماضية، على سبيل المثال، في وقت رأت أقلام أخرى أن القطاع شهد فترة هدوء حقيقي ولم تشهد " إرهابًا " كما سبق من سنوات! وبالتالي، فإن رؤية وسائل الإعلام الصهيونية لانتخابات حماس الداخلية حول اختيار " السنوار " كأحد الشخصيات الحمساوية الأكثر دموية، ووصفه ب " الإرهابي " تعني إجراء تغيير على أرض الواقع في القطاع، فلم تردع السنوات ال22 التي قضاها السنوار في السجون الإسرائيلية، ولكنه خرج منها قويًا راغبًا في العودة بقوة، ولقيادة الحركة نحو العمل الفدائي، مؤكدة تلك الوسائل أنه أضحى بالفعل أحد الشخصيات العسكرية والسياسية في آن، حتى قبيل انتخابه قبل أيام قليلة فقط، ورغم وجود محمد ضيف قائد كتائب عز الدين القسام، الذراع العسكرية للحركة، في الصورة، فإنه سيصبح القائد الفعلي، العسكري والسياسي، للحركة في القطاع، وإن يظل ضيف أفضل من أنجبتهم حماس في العمل العسكري حتى الآن، وستظل له مكانة مميزة في ذلك العمل الجهادي! فعلى الرغم من وصفه ب " وزير دفاع " الحركة، بحسب موقع إلكتروني عبري، فإن السنوار سيبقى الرجل الواجهه للحركة في القطاع، وخارجه، بينما سيظل محمد ضيف هو الحاكم الفعلي للجناح العسكري للحركة، كونه قريب من أفراد الذراع العسكرية وتابع العمليات العسكرية الأخيرة عن كثب، بل كان قريبًا منها بالفعل. بيد أن ثمة ملفًا يجب الإشارة إليه، وهو لا يقل أهمية عن اختيار السنوار وزيرًا لدفاع الحركة، وقائدًا لها في القطاع، والمتعلق بزيارة الوفد الحمساوي للقاهرة خلال الأيام القليلة الماضية، ولقاءه بالمسئولين المصريين، فإن اختيار السنوار سيكون حلقة فاصلة في تاريخ حركة حماس، وربما في تاريخ العمل النضالي الفلسطيني قاطبة، كونه يحمل الضغينة الحقيقية للكيان الصهيوني، واتسامه بدوافع جهادية تجاه إسرائيل، فهو أحد القيادات الفلسطينية التي ترى أن العمل السياسي هو مفاوضات عبثية لا طائل منها سوى إطالة أمد العدو الصهيوني على الأراضي الفلسطينيةالمحتلة، ولا سبيل سوى التحرير بالقوة، وهو ما سيواجه بقوة باطشة من الجيش الإسرائيلي وآلته العسكرية الغاشمة، ومن المحتمل أن تتجه تل أبيب ناحية عودة الاغتيالات الانتقائية للقيادات الفلسطينية كما سبق وفعلت مع الشيخ أحمد ياسين وخلفه الدكتور عبد العزيز الرنتيسي وآخرهم أحمد الجعبري. من المعروف أن الخط العام للحركة، أو ثوابت حركة حماس يدور في فلك المقاومة وتحرير الأراضي الفلسطينيةالمحتلة، ولكن لكل قيادة أسلوب وتكتيك مختلف عن الآخر، فكما سبق الإشارة إلى أن اسماعيل هنيه يميل للسلم، فإن الزهار ومن بعده السنوار، وبينهما ضيف يميلون نحو العمل العسكري، وهو ما سنلاحظه خلال الأسابيع القليلة القادمة من مدى تعاطي القيادات الحمساوية الجديدة مع الكيان الصهيوني!