إطلاق حرية التفكير(1) لست أريد أن أكرر كلاما سبقني إليه الكثيرون حول الآفاق الرحبة لربيع الثورات العربية وما يمكن أن يتركه ذلك من انعكاسات إيجابية علي مستقبل هذه الأمة بوجه عام ومستقبل مصر علي وجه الخصوص. ولعل هذه الأجواء التفاؤلية تكون مدخلا للحديث عن قضية بالغة الأهمية في استراتيجية التعليم والبحث العلمي في مصر وضرورة الانتقال بها من دوائر الحفظ والنقل والتلقين وأساليب قياس التفوق بآليات الامتحانات والاختبارات التقليدية إلي الدائرة الأوسع وهي دائرة التفكير والتأمل والقدرة علي الخيال والابتكار والإبداع. وهذا الذي أتحدث عنه بشأن أهمية الدخول إلي دائرة التفكير ليس بدعة جديدة وإنما هو حقيقة أزلية فالإنسان لم يصل إلي ما وصل إليه من امتياز وتفوق علي سائر الكائنات الأخري في الوجود إلا بحسن تفكيره ورجاحة عقله.. فليس الإنسان أقوي الكائنات ولا أضخمها جسما ولا أرهفها حسا ولكنه أشدها قدرة علي التفكير والتأمل. ولا شك أن التفكير هو أساس الحضارة التي تحققت تباعا علي مر الزمن ومازالت طموحات التقدم الحضاري مرشحة للمزيد طالما بقي الإنسان قادرا علي التفكير الذي ساعد الجنس البشري علي كشف أسرار هذا الكون وتمكين الإنسان من اكتشاف القوي المحركة بدءا من البخار والكهرباء ووصولا إلي الذرة وتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات من أجل تذليل ما تواجهه البشرية من صعوبات وتحديات. إن ميزة التفكير التي يتمتع بها الإنسان هي التي أفرزت تلك الطفرات الهائلة في ساحة الاكتشافات البحثية والاختراعات العلمية في جميع مجالات الحياة مما أسهم في تشييد صروح الحضارة الإنسانية علي مسار التاريخ. وفي اعتقادي أن رايات الديمقراطية التي ترتفع في سماء ربيع الثورات العربية تعني إعادة إطلاق حرية التفكير كمقدمة ضرورية لحرية البحث العلمي والإبداع التي لا يمكن بلوغها إلا من خلال إدراك سياسي لأهمية التعليم والبحث العلمي ومن خلال نظم تعليمية وبحثية حديثة ومتطورة ومواكبة لروح العصر. المطلوب هو تهيئة الأجواء وتغيير الأساليب وتعزيز روح الرغبة في التعامل مع كل شيء بمنطق التفكير والبحث والتأمل والثقة في القدرة علي الابتكار. وغدا نواصل الحديث خير الكلام: الجهل هو الذي يقودك إلي الفشل ويدفعك إلي الحقد علي الناجحين! المزيد من أعمدة مرسى عطا الله