أسابيع قليلة ويخوض الشعب المصري غمار أول انتخابات برلمانية بعد ثورة25 يناير, وهي انتخابات ستحدد الي درجة كبيرة اتجاهات المستقبل السياسي والاقتصادي والاجتماعي في مصر. وفي ظل حالة السيولة والاستقطاب والانفلات الأمني والوجود المحسوس لفلول النظام السابق, فإن هناك مخاوف عديدة علي نزاهة وشفافية وعدالة الانتخابات, والأمر هنا لا يتعلق بتزوير مباشر علي طريقة عهد مبارك, ولكنه يرتبط مباشرة بأشياء أخري تؤدي في النهاية الي نتيجة غير حقيقية, ومن أهمها هذه المخاوف من استخدام العنف وشراء الأصوات, واستخدام الدين في الدعاية وتشويه المنافسين بغير حق وغيرها. هذه المخاوف والمحاذير كانت محور إجابات عدد من الخبراء والمفكرين والسياسيين في إطار الجزء الثاني من محاولة الأهرام استشراف مستقبل مصر السياسي. الدكتور محمد السعيد إدريس نائب رئيس المجلس الوطني المصري, أكد أن الحالة التي تمر بها مصر بالوقت الراهن فيها هدر للطاقات والامكانات في مشكلات عبثية ليس لها ضرورة بين القوي السياسية. وقال إنه كان من الأولي التوافق بين جميع القوي خاصة بعد النجاح الأول للثورة ويتم تشكيل مجلس قيادة ثورة أو هيئة جامعة لكل القوي السياسية وممثلة لكل الأطراف لقيادة عملية التغيير الثوري علي مستويين: الأول مستوي اسقاط ما تبقي من النظام السابق والثاني بناء النظام الجديد دون أن يتم الخلط بين الأمرين. وأضاف أن هناك انفراطا لوحدة القوي السياسية حدث وتداخلا في المهام وبدأت المشكلات تظهر فيما بينها, بداية من الاستفتاء علي المواد الدستورية والذي تم بمبادرة من المجلس العسكري ذاته دونما استشارة أي طرف من الأطراف السياسية التي تمثل الشريك المدني في السلطة وجاءت التعديلات الدستورية في سياق غير منطقي فيما يتعلق بالتطور الطبيعي لعملية التغيير الثوري. وقال إن هذا المشهد مازال يفرض نفسه بالارتباك والتشويش والتخبط وعدم التوافق, وعندما ظهرت فكرة الحل الوسط الذي يقوم علي إعداد وثيقة دستورية تتضمن المبادئ والقيم السياسية التي يجب أن يأتي الدستور الجديد متوافقا معها أو ملتزما بها, حصل مزيد من الانقسام بين من يرفض هذه الوثيقة متذرعا بأنها لا تخدم الإرادة الشعبية وبين من يطالبون بالوثيقة وتأكيد معالم هذا الدستور الجديد والنظام السياسي الجديد, خشية أن يؤدي إلي سيطرة أي طرف من الأطراف علي العملية السياسية بعد الانتخابات, والنكوص بتعهدات سابقة فيما يتعلق بالديمقراطية والدولة المدنية. وأضاف أن الأزمة تفاقمت بنزول التيار السلفي بمجموعاته المختلفة والمتباينة ورفع شعارات تطالب بدولة دينية رافضة الدولة المدنية, ولم تحقق أي إنجاز وحدث ارتباك. كما أكد أن الدستور لابد أن يكون متوافقا مع الارادة الشعبية وممثلا لكل القوي السياسية وأنه لا يجب أن يكون هناك اجبار من طرف علي طرف بل لابد من التراضي والتوافق وأن يكون هناك عقد اجتماعي سياسي جديد نتعاقد به كشركاء في هذا الوطن. وأضاف أن الوطن يبني بالتوافق والدستور ويصاغ بالإرادة الشعبية, ويجب ألا تدار معارك وغزوات بين القوي السياسية حتي لا تضيع مصر منا جميعا. ومن جانبه, أكد اللواء أحمد عبدالحليم عضو المجلس المصري للشئون الخارجية والخبير الاستراتيجي, أن المرحلة الانتقالية التي تمر بها مصر حاليا لا تمثل أزمة لكنها تحتاج لجدول زمني واضح لكي يتشكل الاتفاق بين المجموعات المتنافرة ولتقوم الدولة الجديدة وأن الانتخابات لن تجري إلا في حالة ضبط اللجان وتأمينها ومواجهة ظاهرة العنف والبلطجة. وأشار الي أن المرحلة الحالية تتطلب أيضا دوران عجلة الانتاج في البلاد لكي يشعر الجميع بأن الثورة حلت مشكلاتهم وأعادت الحقوق لأصحابها. في حين رأي اللواء سامح سيف اليزل رئيس مركز الجمهورية للدراسات والأبحاث السياسية والأمنية.. أنه من المستحيل في خضم هذه الأحداث التي تمر بها مصر والتي تشكل أزمة أن يتم تزوير الانتخابات أو التفكير في ذلك, وأن أحد المزايا الرئيسية لإجراء الانتخابات البرلمانية في فترة قريبة هو بدء عملية الاستقرار في البلاد. وأضاف أنه برغم المحاذير والظروف التي يمكن أن تقع فيها الانتخابات إلا أنه في النهاية وجود برلمان ومجلس شوري سوف يضفي حالة من الاستقرار علي البلاد, سواء من خلال إقرار قوانين جديدة من أعضاء منتخبين بحرية كاملة وأيضا يضيف ثقة من الرأي العام في جهاته النيابية والتشريعية, وهي المرحلة الأولي للاستقرار الدائم داخل البلاد. وأشار الي أن هناك ما يزيد علي180 حزبا وتيارا سياسيا ودينيا موجودين علي الساحة الداخلية المصرية وائتلافات شباب بمختلف الاتجاهات والبرامج السياسية كل منهم يريد اثبات ذاته للرأي العام بأنه الأصلح في الحصول علي مقاعد خلال الانتخابات البرلمانية المقبلة. وتوقع سيف اليزل أن الانتخابات البرلمانية المقبلة سواء تمت في نهاية نوفمبر كما هو متوقع, أو حتي مع المبالغة مع بدء العام المقبل, فإن حالة العنف وضعف الأمن ستؤدي الي سقوط ضحايا وظهور أعمال عنف كبيرة بين المتنافسين ومؤيديهم في ظل الانفلات الأمني وزيادة أعمال البلطجة وكميات الأسلحة الموجودة في الشارع المصري مع استمرار تهريب الأسلحة من الحدود الدولية الي مصر, مؤكدا أن شراء الأصوات ممكن جدا خاصة للناخبين الذين ليست لهم اهتمامات سياسية, خاصة في القري والنجوع. من ناحيته, قال المستشار محمود الخضيري عما يدور بالمشهد السياسي الحالي من أزمة توافقية بين أغلب القوي السياسية, انه نتيجة الكبت الذي عاشه الشعب المصري منذ ستين عاما فلم يكن هناك انتخابات أو أحزاب أو حرية.وأضاف أن هناك قوي لم تكن تمارس السياسة من قبل وليست من خططها خرجت من تحت الأرض مثل الصوفيين والسلفيين ومعظمهم لا يعرفون شيئا في السياسة, وبدأ هؤلاء الناس يتصرفون تصرفات غير محسوبة في ظل حرية جديدة علي الجميع, لذلك لابد من الصبر علي بعضنا البعض وأن نقرب بين وجهات النظر ونتوافق معا لكي نعبر هذه الأزمة. وأشار الي أن ذلك حدث في المبادئ الدستورية وأن هناك من قال إنه لايمكن الاتفاق اطلاقا علي مبادئ فوق دستورية برغم أن اللجنة التي ستضع الدستور ستكون منتخبة من الشعب ولايمكن أن تتقيد بمبادئ لم يوافق الشعب عليها. وأكد أن هذه المبادئ التي تضمنتها وثيقة الأزهر لايمكن أن يختلف عليها أحد, والفترة المقبلة تستوجب أن نقوي الأزهر وأن ينتخب شيخ الأزهر من بين هيئة كبار علماء العالم الإسلامي كله وليس في مصر فقط حتي يكون مستقلا تماما بموارده ويكون المرجع الديني للجميع في العالم الإسلامي كله ووسيلة للتوحيد.وقال أتمني أن نخرج من هذه الأزمة بالانتخابات الحرة السلمية ورجوع الحياة المدنية العادية وأن الانتخابات لو تمت بشفافية فلن يكون هناك عنف ما, فالعنف لن يحدث إلا في حالة العبث في الانتخابات والدليل علي ذلك أن الاستفتاء لم يشهد أي عنف.وحذر الناشط السياسي جورج اسحاق من الخطر الداهم الذي تتعرض له مصر من قبل إسرائيل وليبيا, وأكد ضرورة أن يتوحد المصريون, وطالب بسرعة إقامة دولة مدنية بإدارة مدنية لها. وأوضح أن ذلك يتطلب أن تكون هناك مبادئ حاكمة للدستور القادم الذي تختلف فيه أغلب القوي السياسية الموجودة, مؤكدا أن هذه المبادئ موجودة في ضمير الشعب.وأشار إسحاق الي ضرورة إجراء انتخابات نزيهة دون أن تسيطر أي من القوي السياسية علي الحكم أو الانفراد بوضوع الدستور وأنه من الضروري أن يشارك الجميع في بناء هذا الوطن في المرحلة المقبلة, لأن هذه المرحلة الانتقالية تتطلب أن يتوحد الجميع للخروج من هذا المأزق لأن أخطر مراحل الثورات هي المرحلة الانتقالية. وأكد ضرورة استعداد الأمن وضبطه لأنه لن تجري انتخابات دونما انضباط أمني, وقال إن هناك كما كبيرا من الأسلحة لم تشهدها مصر في تاريخها برغم أن هناك قرارا أصدره المجلس العسكري للحد من ذلك لكن هناك تخاذل. وأضاف أن الانتخابات لو أجريت في حالة الانفلات الأمني الحالية, ستشهد مجازر, ولن نخرج من هذه الأزمة الحالية إلا بتطبيق القانون بصرامة وعقوبات مشددة ومواجهة جميع أشكال البلطجة. وأضاف أن كل القوي الوطنية مجمعة علي أننا نريد القائمة النسبية المغلقة بنسبة100% دون تحايل حتي لا تضطر القوي السياسية الي مقاطعة الانتخابات.