كان لهذا الاهتمام الدور الكبير في تشجيع الفتي القرآني حمدي الزامل علي الإقبال علي الحفظ عن حب ورغبة, فرضت الاسرة رقابة شديدة علي الشيخ الصغير حمدي الزامل وأحاطوه بالحب والتقدير وأدخلوا علي نفسه الثقة بجلوسهم أمامه يستمعون إليه وكأنه قاريء كبير فزادوه ثقه بنفسه ليصبح حديث أهل القريتين التوءم اللتين يفصلهما بحر صغير يفصل بينهما من حيث الحدود فقط ولكنه بمثابة حبل الوريد الذي يغذي الجسد الواحد. كأن لنشأته بمنطقة تجارية سميت بمنطقة بلاد البحر الأثر الكبير في تعلقه بأن يكون قارئا مشهورا وصييتا كبيرا مثل مشاهير القراء الذين تنافسوا فيما بينهم من خلال المآتم الخاصة بالعائلات الكبري في المنطقة بلاد البحر أمثال الشيخ مصطفي إسماعيل والشيخ عبدالفتاح الشعشاعي والشيخ عبدالعظيم زاهر وغيرهم من قراء الرعيل الأول بالإذاعة. بدأ والده يشعر بأن مجد العائلة وعزها يرتبط بمستقبل ابنه حمدي الذي بدأ يقلد مشاهير القراء أمثال الشيخ مصطفي إسماعيل والشيخ عبدالفتاح الشعشاعي ساعده علي ذلك تمكنه من حفظ القرآن وجمال صوته وقوته بمساحاته التي أهلته لأن يكون قارئا له وزنه وثقله بين القراء. أشار أحد أقاربه علي والده بأن يرسل أبنه حمدي إلي الزقازيق ليلتحق بالمعهد الديني الأزهري ما دام قد حفظ القرآن كاملا في سن مبكرة حتي يكون أحد رجال الدين البارزين أصحاب المكانة المرموقة داخل نطاق المجتمع الريفي. لم يتردد الوالد في قبول هذه النصيحة فألحق ابنه بمعهد الزقازيق الأبتدائي الأزهري فأستقبله شيخ المعهد بحفاوة وطلب منه أن يتلو عليه بعض آي القرآن ليتعرف علي مدي حفظه فأكتشف أنه صييت صغير ينتظره شأن كبير ولم يصدق شيخ المعهد بالمفاجأة التي جعلته يقول للفتي الموهوب ابن العاشرة تاني ياشيخ حمدي, ربنا يفتح عليك وظل الشيخ يستمع لصاحب الصوت الجميل والاداء القوي الموزون المحكم فقبله ودعا له بالتوفيق وأوصي به أباه وأخبره بأن هذا الابن يعتبر ثروة لا تعادلها ثروة وسيكون له شأن كبير بين أهل القرآن وقرائه قضي الفتي القرآني حمدي محمود الزامل المرحلة الابتدائية الازهرية بمعهد الزقازيق محمولا داخل قلوب المشايخ والزملاء وبأعينهم لأنه كان يتلو ما تيسر من القرآن صباح كل يوم يفتتح اليوم الدراسي بخير الكلام بالقرآن الكريم. وبعد حصوله علي الابتدائية الأزهرية ظهرت كل إمكاناته التي مكنته من تلاوة القرآن بطريقة لا تقل عن أداء كبار القراء فتدخل شيخه عوف بحبح لدي والده وأشار عليه بتفرغ الشيخ حمدي لتجويد القرآن في هذه المرحلة حتي ينطلق كقاريء مادامت الموهبة موجودة والامكانات تفوق سنه. وافق الوالد مباشرة لأنه يتطلع إلي مجد يستطيع أن يرفع رأسه بين كبار العائلات بالقريتين المتجاورتين اللتين تشهدان منافسات بين العائلات, لقد جاء اليوم الذي يستطيع فيه الحاج محمود أن يقول لهم: إذا كان التنافس بينكم في أحد طرفي الزينه الدنيوية وهو المال فإن الله وهبني طرف زينه الحياة الدنيا من خلال موهبة الشيخ حمدي.. وهذا ما جعل الحاج محمود يوافق علي فكرة الشيخ عوف بحبح الذي سيتولي تجويد القرآن للشيخ حمدي الذي تلقي أحكام التجويد وعلوم القرآن من فمه مباشرة عن حب ورغبة شديدة في التمكن من تلاوة القرآن.. لما بلغ الشيخ حمدي الثانية عشرة من عمره ذاع صيته بمنطقة البحر كما أطلق عليها فنهالت عليه الدعوات من هذه البلاد بداية من شها وصولا إلي المنزلة التي اشتهر بها قبل بلوغه الخامسة عشرة وأثني عليه الشيخ توفيق عبدالعزيز وبشره بعلو منزلته بين قراء القرآن المشاهر لأن الشيخ توفيق رحمه الله كان من العلماء المتخصصين في علوم القرآن وهو والد الإذاعية القديرة فضيلة توفيق وكانت شهادة الشيخ توفيق بمثابة وسام علي صدر الشيخ حمدي الذي دخل قلوب الناس وأصبح قارئهم المفضل صاحب الصوت العذب الفريد المصور لمعاني القرآن أبلغ ما يكون التصوير حتي أطلق علي صوته مزمار القرآن. تدهورت فيه حالته الصحية حتي لفظ أنفاسه الاخيرة حملت الملائكة روحه لتضعها في مكان حيث أمرهم الله بأن ما رحل من أهل القرآن متكئا مرتقيا علي الارائك يقرأ ويرتل كما كان يرتل في الدنيا فهذه هي منزلة صاحب القرآن كما ورد عن النبي صلي الله عليه وسلم. وكان ذلك في21 مايو عام2891 م.