هي حالة من الوجد والمحبة والتعبير التلقائي الصادق أقرب منها الي حالة التمثيل المسرحي, بل ان الوصف الدقيق لعرض, فتح الفتوح الذي يقدمه مسرح الغد في ليالي شهر رمضان المبارك أنه أمسية دينية في حب رسول الله صلي الله عليه وسلم, الهدف منها التشرف بذكره والصلاة عليه وايجاد حالة من التطهر الروحي عند كل من المؤدي والمتلقي.. وفتح الفتوح هي التجربة الثالثة للمؤلف والمخرج حمدي أبو العلا بعد بأحب سيدنا النبي ولحظة صفا في رحاب المصطفي. وقد استعان فيها بمجموعة من الممثلين الموهوبين واصحاب الخبرة في اداء الشعر بالفصحي والعامية وهم عبير عادل وشريف عواد وفتحي الجابري ومني شاكر وبدور ومحمد دياب واحمد الزيات واحمد الشريف ومحمد عمر كما استعان بطفل هو آسر متولي أسر الجمهور بالفعل وهو يقول: أحب سيدنا النبي وأحب أحبابه وقلبي طول الليل واقف علي بابه جمع الأحبة محبة واحنا في رحابه يارب بالمصطفي نور قلوب الناس وفيض علينا بنورك ده احنا طلابه واحتشد العرض بمجموعة جميلة من الأغاني لحنها الفنان المبدع يحيي غانم وكان أكثرها من تأليف حمدي ابو العلا وبعضها من تراث المدائح النبوية مثل قول الامام محمد ماضي أبو العزايم. صلي ياربي وسلم علي النبي طه السعيد. لا وحقك لا أحب أن أكون كما أريد بل مرادي منك أني عن مرادك لا أحيد. وتألق كل من المطربين فارس وزينب وهما صوتان جديدان وكانا هما مفاجأة العرض وهو ما يؤكد وجود العديد من المواهب الجميلة الدارسة التي تحتاج أن يلقي الضوء عليها وتأخذ فرصتها مع ثورة الشباب, وقد حرص الفنان صبحي عبد الجواد علي عمل ديكور بسيط ثابت وألوان هادئة مبهجة يسودها اللونان الأبيض والأخضر حتي يتفرغ المتلقي للانصات ولاتشغله الحركة عن متابعة المعاني.. ولكن العرض علي المسرح بالتأكيد يحتاج الي رؤية بصرية موازية لمتعة الاستماع ولو في شكل أداء حركي وقور يناسب طبيعة الموضوع. والحقيقة أنه يحسب لحمدي أبو العلا إصراره علي تقديم شكل الأمسية الدينية او فن المدائح اذا صح هذا التعبير.. وهو شرف لكل شاعر بدأه حسان بن ثابت الملقب بشاعر الرسول صلي الله عليه وسلم وأبدع فيه ومن مدائحه. خلقت مبرءا من كل عيب كأنك قد خلقت كما تشاء وأفضل منك لم ترقط عيني وأفضل منك لم تلد النساء ولعل من أولي قصائد المدح المطولة بردة الصحابي الجليل كعب بن زهير رضي الله عنه, لكن أشهر تلك القصائد بردة الامام البوصيري رضي الله عنه والذي يقول في مستهلها: أمن تنكر جيران بذي سلم مزجت دمعا جري من مقلة بدم ثم يدخل مقام الاستغفار قائلا: استفرغ الدمع من عين قد امتلأت من المحارم والزم حمية الندم وخالف النفس والشيطان واعصهما وإن هما محصاك النصح فاتهم استغفر الله من قول بلا عمل لقد نسبت به نسلا لذي عقم ثم يصل الي قمة التألق في مدح الرسول صلي الله عليه وسلم قائلا: محمد سيد الكونين والثقلين والفريقين من عرب ومن عجم هو الحبيب الذي ترجي شفاعته لكل هول من الأهوال مقتحم فمبلغ العلم فيه أنه يشر وأنه خير خلق الله كلهم ولعلنا لاننسي نهج البردة لأمير الشعراء أحمد شوقي وهي القصيدة التي يبدأها بقوله: ريم علي القاع بين البان والعلم أحل سفك دمي في الأشهر الحرم ثم يروي جوانب من السيرة النبوية المشرفة ومواقف مضيئة لسيد الخلق الي أن يقول: وصاحب الحوض يوم الرسل سائلة متي الورود وجبريل الأمين ظمي أسري بك الله ليلا اذ ملائكة والرسل في المسجد الأقصي علي قدم حتي بلغت سماء لايطار لها علي جناج ولايسعي علي قدم وقبل كل نبي عند رتبته ويامحمد هذا العرش فاستلم وعلي مستوي العامية المصرية قدم عدد كبير من الشعراء والمنشدين تجاربهم في المدائح النبوية لعل انضجها علي مستوي الشعر ديوان الحضرة الذكية للشاعر فؤاد حداد وعلي مستوي الغناء اعمال الفنان الراحل محمد الكحلاوي الذي عرف بمداح الرسول وانتهج ابنه نفس الطريق ليصبح امتدادا طيبا لابيه ويقدم في رمضان هذا العام مسرحية عد إلينا يا محمد في نفس توقيت فتح الفتوح, ولعل مثل هذه العروض والأمسيات الدينية تتواصل علي امتداد العام ولا تكون مقصورة علي شهر رمضان المبارك فقط