ياما قولت.. ياما!! في الازمنة السحيقة أن كانت أرض الله واسعة, وكانت الناس تعيش في قبائل متفرقة من الرحل, تسوقهم الانعام الي حيث المطر والعشب و الكلأ كلما تغيرت الفصول المناخية, كان الناس يرتحلون وقتما شاءوا, وأينما شاءوا; فلما يستقر بهم الحال علي بقعة من البقاع,كان الناس يستقرون في ربوع هذه البقعة أو تلك, وكانت الحدود وقتئذ بين هذه المجتمعات افتراضية,وان ظلت شبه محددة المعالم في النهاية بشكل أو بآخر. فلما بدأت البشرية في تأسيس المدن مدينة تلوالاخري, وبدأت الدولة تأخذ شكلها المتعارف عليه والمؤلف من عدة مدن, بدأت حدود المجتمعات ترتسم من حولها بشكل قطعي تحميه الآله العسكرية بما لا يجوزالتعدي عليه بأي حال من الاحوال إلا بعلم الدولة المهيمنة عليه,وإلا فالحرب هي البديل الوحيد سواء كانت بالدفاع عن تلك الحدود تحت لواء الوطن,أو بالاغارة علي حدود الغير تحت وطء الطمع سواء في مزيد من مساحة الارض أو في مورد طبيعي ربما تطلبه العلم و مستحدثاتة في هذا الأوان و تعذر الحصول عليه إما لندرة وجوده في اقليم الدولة التي تطلبه, أو لفشل هذه الدولة في الحصول عليه علي نحو تجاري سلمي نتيجة لظرف سياسي أو لوجيستي تسبب فيه ابتعاد المسافات من ناحية,أو تسببت فيه صعوبات النقل و الشحن في هذا الحين أو ذاك. ولأن المجتمعات البشرية قد استقرت في حدود( آمنه) بعد ذلك تكفلها اتفاقات و ترسيمات حدودية دولية التزم بها الجميع طوعا أو كرها لمصلحة الجميع,حتي أن الارض كلها قد ازدانت بدولة هنا و أخري هناك في كل بقعة من البقاع( تقريبا) في هذا العصر الذي نحياه;فقد أصبح من المستحيل اعادة الاختيار,فالمجتمعات قد نمت و استقرت و توغلت و انتشرت في اليابسة بما أصبح معه التفكير في استيطان جماعة هنا أو أخري هناك هو ضرب من ضروب الخيال أو قل الجنون!! ومن ثم فأنه أصبح لزاما علي الحياري من الإثنيات أو الاقليات أو ربما( المقهورين) من الشعوب التعايش في الأطر الديموجرافية التي بزغوا في وسطها رغما عن أنوفهم, و عليه, فإن أرض الله لم تعد كما كانت من قبل واسعة, بل ضاقت علي من فيها!! ولعل ما يعزز هذا الواقع هو أن كل دولة في حدود اقليمها الذي ارتضته أو كما قلنا ارتضاه لها الجميع,راحت توزع كثافتها السكانية علي ضوء ما هو متاح من الارض,و بما لا تستطيع معه أن تتقدم قيد أنمله الي خارج هذه الحدود في هذا الاتجاه أو ذاك مهما ضاقت بها الارض. إلا أن مجتمعات( معاصرة) بعينها قد أخفقت في هذا الانتشار الأفقي داخل أرضيها إخفاقا( شديدا), بل شرعت في انتشار رأسي غير مبرر,تتجرع فيه كئوس( الاختناق السكاني) بحجة العوز تارة,و بحجة سوء التخطيط تارات و تارات; بيد أن النتيجة النهائية علي أرض الواقع داخل هذه الدول,و أيا كان السبب من ورائها,أسفرت عن مساحات هائلة( جدا) من الاراضي( الخاوية) غير المستغلة بالمرة و التي تنعم بندرة سكانية غريبة في ضآلتها ان لم تكن منعدمة الكثافة أصلا, وذلك في مقابل كثافة سكانية( مضحكة) الاكتظاظ داخل شرائط( رفيعة) داخل الاقليم الذي تهيمن عليه هذه الدولة(!!) بل أن الأدهي من كل ذلك هو أن هذه الدول لم تعد تكترث بهذا الوضع الشاذ في شيء, بل و لم تعد تضع فكرة معالجتة في أي من حساباتها أو خططها علي أي مستوي من مستويات التصنيف العلمي للمستقبل سواء كان المباشر أو القريب أو المتوسط أو البعيد المنظور أو حتي غير المنظور. ما لا تدركه هذه الدول(المستهترة جغرافيا) في هذا السياق هو أنها أصبحت من الجائز جدا أن( تشكل مطمعا) نادر التكرار فيما تبقي من عمر الزمان, و هو مطمع قد يكون من شأنه ان( يحرك مطامع استعمارية كامنة) كانت قد خمدت منذ زمان, و هي ليست بالضرورة مطامع استعمارية توسعية كما قد يتصور الساذجون,وانما قد تكون( بسبب ضغوط إقليمية) ناشئة عن صراعات سياسية( لها سنوات وسنوات) و هي( تبحث عن حل)...حل لن تتيحه سوي( بقعة من أرض) يمكن أو( يجوز أن تستوطن) فيها( جماعة من بشر).... بقعة يتعذر الحصول عليها داخل سياق الوضع الدولي المعاصر علي حاله( المستقر)(المتحضر), و لكنها( الفراغات المساحية القادرة علي تحريك سواكن الأمور) دائما علي نحو قد يستدعي( طرح جديد) ربما يلقي منتهي القبول حين يبزغ,و بخاصة اذا ارتدي ثوب الواقع المسلم به( هنا) أو هناك; فالمهم هو أن تتحرك هذه السواكن علي نحو يبدو و كأنه نتاجا منطقيا( ممكن الحدوث) لن يكون أمام( الجميع) سوي القبول به و التعايش معه علي حاله, خاصة اذا ما و ضعنا في الاعتبار أن( الجميع) هذا تربطه روابط( الدم) و( العرق) و(اللغة) و(الدين) وأهم من ذلك( القضية), فيما قد يشكل طرحا غير متصور التخطيط له أوحتي( التكهن به) بالنسبة لقصاري النظر, و لكنه مستضغر مؤشرات تجري علي الارض( في هذه اللحظة) تضغط بضغوطها( غير المعلنة بعد) من أجل تحريك هذه السواكن( المقهورة) في غفلة من كل( الحناجر الغشيمة) بيننا و الباحثة عن منفث لطاقة( هرتلة) و تخبط داخل عقولها قليلة البصر عديمة البصيرة. إن( مساحات الفراغ الصحراوي)الهائلة التي تحيط بنا من كل جانب مثلما هي تشكل( حلا) مستقبليا للمتفائلين منا نحو القضاء علي كثير من مشكلاتنا الديموجرافية و التنموية,هي ذاتها قد( تشكل حلا لمشكلات آخرين) من حولنا( ومرتعا لكارثة) قد تحل بنا داخل هذا الاقليم الذي نهيمن عليه( خرائطيا) وليس فعليا.. و هو طرح ما اذا بزغ في الآفاق فأنه سيشخص الإبصار. فهل من منتبه؟ أرجوك أن تعيد قراءة هذا المقال مرة اخري!! , جريدة الأهرام 2 يناير2009] كان هذا هو نص المقال الذي كتبته في نفس هذا المكان منذ قرابة سنوات ثلاث بعنوان الفراغات المشجعة, تعبيرا عن إحساس دفين تملكني بحراك ما تجاه سيناء, ربما لم يكن معلنا وقتها, ولكنه الحدس أحيانا واستشعار المستقبل من مستصغر الأحداث,و لقد رجوت( القارئ) وقتئذ أن يعيد قراءة المقال كي يستبين ما بين السطور فأبرئ ذمتي.. و تمر السنون مرور السحاب وتتكشف النوايا فجأة, وإن لم تزل تحاول الإبقاء علي ما تيسر من برقع الحياء.. ولكن الكلمات والمعاني والأفكار في المقابل قد سبقتها لتبقي متشبثة بالأوراق, من بعد أن التقطت من عمر الزمان لقطة ستظل شاهدا لمن يريد أن يعود إليها.. فيتلقفها!! فهل لي أن أرجوك إعادة قراءة هذا المقال مرة أخري!! المزيد من أعمدة أشرف عبد المنعم