كان الزجال الكبير أبو بثينة موفقا حين وصف الشاعر الساخر حسين شفيق المصري بأنه أبو نواس الجديد, إذ جمعت السخرية والميل للفكاهة والدعابة بين الشاعرين, ولم تخل أشعارهما في الوقت نفسه من رؤية فلسفية عميقة للحياة, أفلحا في تبسيطها للعامة من خلال أسلوب رقيق فكه ومفردات بسيطة يسهل هضمها, لتشكل وجبة خفيفة تصلح لترويح القلوب حين تكل من مصاعب الحياة ومشاقها, والفرق أن المصري لم يكن في مثل مجون رفيقه أبينواس. وحسين شفيق المصري(2881 8491 م) شاعر معجون بحب تراب مصر عاشق لأزقتها ودروبها وقهاويها, وبرغم أنه من أب تركي وأم يونانية من سبايا حرب المورة, إلا أنه نبذ أصله غير العربي, وأضاف إلي اسمه لقب المصري اعتزازا منه بالأرض التي ولد وتربي عليها, وإذا كان أديبنا الكبير نجيب محفوظ قد قدم لنا صورا حية لواقع الحارة المصرية في رواياته, فإن المصري بدوره استطاع من خلال صوره المرحة وتعبيراته الطريفة أن يعبر عن انتمائه للحارة وأهلها عبر أشعار انتقادية فكهة رامية للإصلاح, حافلة بالنقد السياسي والاجتماعي الساخر. وقد أحسنت هيئة قصور الثقافة صنعا حين أصدرت قبل شهرين مختارات من أشعاره اختارها وقدم لها تلميذه الشاعر ياسر قطامش, مستعينا بجهد كاتبين سبقاه إلي رصد أشعار حسين المصري هما الزجال الكبير أبوبثينة والكاتب محمد صلاح الدين. عمل المصري بالصحافة في عدة جرائد أبرزها الجوانب المصرية, إلا أن آثاره الكبري جاءت من خلال مشاركته في صحف ومجلات أسبوعية ساخرة منها: الشجاعة والمسامير والسيف وكل شييء والفكاهة, كما اشترك في تأليف عدد من مسرحيات نجيب الريحاني أشهرها ريا وسكينة. وجاءت شهرته من خلال ما سماه المشعلقات وهي عبارة عن معارضات فكهة ساخرة للمعلقات العشر, وأيضا المشهورات وهي معارضات لقصائد لشعراء كبار من مختلف العصور, إذ كان كلما راقته قصيدة عارضها بأخري حلمنتشية, أعجبته قصيدة أبي العتاهية التي مطلعها: ألا سيدتي مالها أدلا فأحمل دلالها فأبقي علي المطلع وأكمل معارضا: أظن الولية زعلانة وما كنت أقصد إزعالها أتي رمضان فقالت هاتوا لي زكيبة نقل فجبنا لها ومن قمر الدين جبت ثلاث لفائف تتعب شيالها وجبت صفيحة سمن وجبت حوائج ما غيرها طالها وهذه الرؤية الفكهة لمطالب الأسرة المصرية, التي تنفق الأموال بلا حساب علي صنوف المأكولات وأنواعها في شهر كريم يفترض أن تزهد خلاله عن الطعام وتكثر من غذاء الروح, تتواصل خلال معارضته لقصيدة أبي العلاء المعري التي مطلعها: عللاني فإن بيض الأماني فنيت والزمان ليس بفان قال: ليس معني الصيام لو كنت تدري جوعة ثم أكلة عمياني بل يصومون حمية للتداوي إن في الجوع صحة العيان وقد مزج من مشعلقاته ومشهورته الفصحي والعامية في قالب ضاحك فريد, يصور كثيرا من جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية في مصر, في زمن كان كبار الشعراء لا يجرؤ أي منهم علي الاعتراف بكتابة الشعر الفكاهي ولا يضيفونه إلي ما يطبع من دواوينهم خشية أن يستخف بهم المجتمع, ويتداولونه سرا في مجالسهم كأنه من الممنوعات, فقد عارض حسين شفيق المصري كبار شعراء العربية القدامي بدءا بإمرئ القيس والنابغة وانتهاء بالمحدثين مثل شوقي والجارم, مقدما لوحات تشكيلية ضاحكة, ذات مغزي فلسفي نقدي عميق, نراه يعارض معلقة أمرئ القيس: قفا بنك من ذكري حبيب ومنزل بسقط اللوي بين الدخول فحومل يقول: فشبرة فالبراد لم يعف رسمها لمن هو فيها من تهامي وفرغلي يبيعان مشوي الطحال وتارة يبيعان ممبارا فخذ منه وأكل كدأبك من أم الفلافل قبله وجارتها أم الخلول يا شيخ علي مطاعم ميكروباتها تلد العمي لعين كثير الأكل والمتقلل ويقرأ قول علي الجارم: مالي فتنت بلحظك الفتاك وسلوت كل مليحة إلاك فيعيد كاتبتها بأسلوبه الساخر: وأري الهوي قفصا وقلبي فرخة إن أبصرت ديك الجمال تكاكي أنت القطار علي شريط صبابتي وأنا السبنسة في المسير وراك وبالمثل يفعل مع نونية أبن زيدون: أضحي التنائي بديلا عن تدانينا وناب عن طيب لقيانا تجافينا يقول: معارضا: هجرتمونا لأن المال خاصمنا وغاب عنا فغبتم أنتو رخرينا إن الجنيه هو المحبوب لا كحل في العين أو حمرة في الخد يا أخينا وكما قال ياسر قطامش في تقديمه لصاحب هذا الديوان الضاحك وقصائده فإن أشعار حسين شفيق المصري الحلمنتيشية هي خير مضاد للاكتئاب, لما فيها من طرفة تروح عن القلب, وتعيد رسم البسمة علي الشفاه المتعبة والحزينة.