يعتقد أغلب المراقبين أن جماعة الإخوان المسلمين هي أكبر كيان سياسي وتنظيمي في مصر, والأكثر قدرة علي العمل في الشارع. وقد حققت الجماعة مكاسب هائلة بعد ثورة52 يناير أهمها العلنية والاعتراف الرسمي بشرعيتها, لكن هذه المكاسب لم تنجح في إخفاء الأزمة الهيكلية الحادة التي تضرب بجذورها في البنية الفكرية والمؤسسية للجماعة, بل علي العكس ولدت تناقضات وأزمات جديدة لم يسبق للجماعة منذ أكثر من نصف قرن أن واجهتها. الأمر الذي انعكس بوضوح في تضارب المواقف المعلنة والخطاب السياسي للجماعة. وإذا كانت الأزمة في أبسط معانيها هي وجود خلل في المسلمات والفرضيات التي يقوم عليها النظام, مما يتطلب تدخلا سريعا بحلول وأفكار جديدة تعيد لهذا النظام توازنه. فإن قيادة الجماعة وبحكم السن والخبرة غير قادرة علي طرح أفكار جديدة أو تعديل الفرضيات والمسلمات التي قامت عليها الجماعة والتي لابد من تغييرها أو تطويرها حتي يمكن أولا احتواء مطالب القواعد الشبابية من جهة, والتعامل بكفاءة مع المتغيرات الجديدة التي تطرحها مرحلة التحول الديمقراطي وبناء الدولة في مصر بعد مبارك. وهنا أتوقف عند أربعة مسلمات انهارت أو علي وشك الانهيار, لذلك أتمني أن تتمكن الجماعة من مواجهتها بشجاعة وحسم والتعامل معها بحكمة: 1 مع الاتفاق علي مسلمة الإسلام دين ودولة فإن هناك غموضا وارتباكا في استنزال وتجسيد هذا المبدأ العظيم في أفكار تفصيلية ومؤسسات سياسية وتنظيمية تحدد أولا: ما المقصود بالإسلام( القرآن والسنة أم الفقه, وأي مدارس أو مبادئ فقهية). وثانيا ما هي حدود العلاقة بين الدين والدولة, وما هي سلطة رجال الدين والمؤسسات الدينية. ثالثا: ما هو شكل الدولة المقترحة ونظامها السياسي والاقتصادي, وهل ستكون الشوري ملزمة أم لا, وما حدود هذا الإلتزام إذا تعارض رأي الأغلبية مع بعض أحكام الشريع. رابعا: التأكيد علي أن الاختلاف السياسي لا يعني الخروج عن الدين, أو اتهام المختلفين سياسيا بأنهم مختلفون أو خارجون عن الدين. خامسا: تحديد حقوق المرأة والأقليات في صيغ وقوانين تتلاءم مع الأوضاع المعاصرة والحقوق المكفولة لهم في العالم. 2 الخلط بين العمل السياسي والعمل الدعوي والإصلاحي, وأعتقد أن صيغة حزب الحرية والعدالة وما جاء في برنامجه يضاعف من الارتباك والتداخل بين الدعوي والسياسي, فهناك تداخل والتحاق أكثر منه استقلال وانفصال بين الجماعة والحزب. كما أن الجماعة رغم العلنية والشرعية التي حصلت عليها بنضالها الطويل, لم تتقدم للحكومة كي توفق أوضاعها كجمعية دعوية إصلاحية, سيقال إن للجماعة تحفظات أو اعتراضات علي قانون الجميعات الأهلية, وهذا من حقها تماما ولكن يجب أن تعلن الجماعة عن مصادر تمويلها, وتكافح جنبا إلي جنب مع بقية الجمعيات الأهلية في الوطن لاستصدار قانون جديد أكثر ديمقراطية. 3 إن حصول الجماعة علي الشرعية وخروجها إلي العلن أدي إلي انهيار مسلمة أن الجماعة كانت ولاتزال ضحية مؤامرات أعداء الإسلام في الداخل والخارج, باعتبارها صوت الحق والأقرب إلي صحيح الدين. هكذا انتهي دور الجماعة كضحية وهو دور أجادت الجماعة القيام به وساعدها علي تماسكها الداخلي, وحجب كثيرا من الخلافات وساعد علي تطويقها قبل أن تظهر إلي العلن حتي لا يستفيد منها أعداء الجماعة. وأصبح علي الجماعة القيام بأدوار طبيعية تمارس فيها العمل الدعوي والسياسي بشكل معلن وديمقراطي يسمح باختلاف الآراء والمواقف, من هنا ضربت الجماعة عدة انقسامات. 4 جاء دخول السلفيين ساحة العمل السياسي بشكل مباشر ليضع نهاية المسلمة الرابعة ومفادها أن الجماعة هي أكبر جماعات الإسلام السياسي وأكثرها تنظيما, وأكثرها موارد وأقدرها علي الحشد والتعبئة, فالحشد الهائل للسلفيين في جمعة 29 يوليو كشف عن حقيقة التراجع العددي لجماعة الإخوان مقارنة بالسلفيين الذين يمارسون العمل الدعوي ويقدمون الخدمات الاجتماعية والصحية بأساليب وإمكانات مالية وتنظيمية تتجاوز إمكانات الإخوان خاصة في الاسكندرية والبحيرة, وفي ظني أن هذه الحقيقية الكاشفة تفرض علي الجميع إعادة حساباتهم بشأن خريطة الشارع الإسلامي وتوازن القوي فيه, كما تفرض علي جماعة الإخوان ضرورة إعادة التفكير في مصداقيتهم وقدرتهم علي قيادة القوي والجماعات الاسلامية, حيث لا تخفي الاختلافات الفقهية والتنظيمية الكثيرة بين الجماعة السلفية من جهة وبينهم وبين جماعة الإخوان من جهة ثانية, الأمر الذي قد يخلق مشكلات عملية وسياسية أمام قيام جبهة موحدة للعمل الإسلامي.