إنه الاقتصاد دائما من العبث تجاهل وجود قاسم مشترك اعظم يربط بين احتجاجات الشباب العنيفة في انحاء العالم الا وهو الأزمة الاقتصادية وماادت اليه من تقشف وتراجع في الانفاق الاجتماعي للحكومات واذا كان الاستبداد السياسي والقهر واستشراء الفساد هي اهم اسباب ثورات الربيع العربي الا ان هذه الثورات لم تنفجر الا عندما اقترن الاستبداد بتفشي البطالة وتراجع مستويات المعيشة, وفي انتفاضة المهمشين في بريطانيا وقبلها فرنسا كانت الشكوي من العنصرية هي الاساس ولكن برامج التقشف بعد الأزمة الاقتصادية هي التي اشعلت النيران في قلوب الشباب المهاجر وعقولهم. اما في اليونان والبرتغال واسبانيا فإن الامر كان اكثر وضوحا, فهؤلاء شعوب اوروبية صرف وقد هالهم حجم الاقتطاعات في الرواتب والمبالغ المخصصة للتقاعد والرعاية الصحية والاجتماعية فنزلوا الي الشوارع يحطمون كل شئ امامهم مكبدين اقتصادات بلادهم عشرات المليارات من الدولارات. وفي مصر فإن 20% من الشباب بين 18 و29 عاما بلاعمل كما ان نصف الحاصلين علي شهادات عليا ومتوسطة متعطلين او يعملون في مهن لايرضون عنها وهذه كارثة اجتماعية وسياسية وهي كذلك بمثابة صك عملي يؤكد فشل السياسات الاقتصادية المتبعة طوال العقود الاخيرة. قد يكون لدينا في مصر ظروف اضافية ادت لتفاقم الاوضاع الاقتصادية سوءا لكن الانصاف يحتم القول ان العالم كله بات يعاني من اختلالات اجتماعية ناتجة عن خلل في الأداء الاقتصادي, فاطلاق الحرية للاسواق وسيطرة المضاربات والالعاب المالية علي مقدرات الاقتصاد نتج عنها تشوهات اجتماعية خطيرة وهاهي تعبر عن نفسها سياسيا الآن بثورات ومظاهرات واضطرابات هنا وهناك العالم يعيش الآن علي مفترق طرق اقتصادي, وكما حدث بعد الحرب العالمية الثانية عندما اعادت الحكومات الاوروبية الوجه الانساني للاقتصاد وتدفقت المزايا الاجتماعية علي الفئات الاقل دخلا وغير القادرين, فنحن الآن بانتظار تغييرات حقيقية في القواعد الاقتصادية التي تحكم الاسواق.. نظريات جديدة تحد من المضاربات المالية والشطط المصرفي وتمنع ان يتحمل دافعو الضرائب والفئات الاقل دخلا تكلفة الانهيارات المالية والاقتصادية كما حدث في 2008, ونعالج كذلك الآثار الناجمة عن التفاوت الرهيب في الدخول الذي ظهر بعد نشوء شركات الاقتصاد الجديد باجورها الضخمه فيما لاتزال بقية القطاعات الاقتصادية تعيش وفق اقتصادياتها التقليدية باجورها المتدنية. المزيد من أعمدة عماد غنيم