الأمر المؤكد ان يوم الاربعاء3 اغسطس2011 الموافق3 رمضان1432 هو يوم تاريخي بكل المقاييس لانه شهد اول محاكمة لرئيس مصري علي مر التاريخ والاهم من ذلك ان المحاكمة هي محاكمة عادية امام القاضي الطبيعي وطبقا للقوانين العادية, ممايعني تأكيد قيام دولة القانون في مصر بعيدا عن المحاكمات الاستثنائية الفاسدة اواللجوء الي اجراءات غير قانونية تعيدنا الي الوراء خطوات وخطوات. بعيدا عن هؤلاء الذين يريدون التشفي وتحركهم شهوة الانتقام اوهؤلاء الذين يرفضون مبدأ المحاكمة من الاصل فإن محاكمة الرئيس السابق مبارك هي علامة فارقة في النظام السياسي المصري ودرس عميق سوف يتوقف الجميع امامه فلم يعد هناك احد فوق القانون ولن يستطيع ان يفلت كبيرا كان أو صغيرا بجريمته مهما طال الزمن وذلك هو الدرس الاهم في تلك المحاكمة.. المهم ان تكون محاكمة عادلة تتوافر لها كافة الضمانات القانونية, والاهم الا نتحول جميعا الي قضاة فهذا يتمني البراءة وذاك يتمني الاعدام لان القضاء لو سار وفق مانتماه لن يكون قضاء ولكنه سيكون مسرحية هزلية بغيضة ولن يحترمنا العالم الذي لم يعد يؤمن الا بالقضاء المستقل العادل الذي لايتأثر بالاجواء المحيطة سلبا اوايجابا ويعطي كل ذي حقه. منذ اكثر من عشرين عاما كنت اقوم بعمل تحقيق صحفي حول جرائم الاغتصاب وكنت من المتحمسين لضرورة تعطيل المادة17 وهي المادة الخاصة بالرأفة والتي تجيز للقاضي تخفيض العقوبة درجة او درجتين طبقا لظروف القضية بحيث يتم الحكم بالاعدام علي مرتكبي تلك الجريمة فورا, ووقتها قابلت المستشار ممدوح حشيش رئيس لجنة التعاون القضائي الدولي بمجلس رؤساء محاكم الاستثناف الذي رفض وجهة نظري بتعطيل المادة17 في تلك القضايا مؤكدا ضرورة اطلاق يد القاضي في نظر القضايا وتقدير العقوبة المناسبة مشيرا الي ان القاضي يجب ان ينظر بحياد الي المتهم ايا كان حتي تكتمل امامه اركان القضية ثم يبت فيها. واذا تكونت لدي القاضي وجهة نظر مسبقة في القضية عليه ان يتنحي عنها علي الفور, فالمتهم بالنسبة للقاضي شخص عادي لاهو بريء ولاهو مدان حتي تتضح كافة اركان القضية المنظورة امامه ثم يصدر الحكم الملائم دون قيود تعطله عن اصدار هذا الحكم طبقا لظروف وملابسات كل قضية علي حدة, فهناك قضايا قد تستحق عقوبة الاعدا م,واخري قد لاتستحق, والمهم التقدير الجاد والصادق من هيئة المحكمة لكل قضية علي حدة. تذكرت هذا الحوار القديم ونحن بصدد محاكمات رموز النظام السابق والتي دخلت مراحل التقاضي الحاسمة بعد انتهاء الاجراءات وتحديد الدوائر وحسم الجدل حول مكان وموعد المحاكمة والتشكيك في امكانية حضور الرئيس السابق بعد ان تم نقل المحاكمة بالصوت والصورة وهو الامر الذي يدعو الي الهدوء والاطمئنان, ويؤكد حرص المجلس الاعلي للقوات المسلحة علي الانتصار للعدالة ودعمه لمحاكمة المتورطين في قضايا الفساد ايا كانوا, لكنه في ذات الوقت ينحاز الي فكرة ترسيخ دولة القانون من خلال اجراء المحاكمات العادلة امام القاضي الطبيعي للجميع بعيدا عن المحاكمات الاستثنائية. المحاكمات الاستثنائية والموجهة تعتبر ردة عنيفة الي الخلف كماحدث مع خميس والبقري حينما تم اعدامهما عام1952, ولم يكن لهما ذنب سوي المطالبة بحقوق عمالية قد يتفق او يختلف عليها البعض الا انه وفي كل الاحوال لم يكن الامر يستحق الاعدام, وكذلك الحال مع المفكر الاسلامي سيد قطب حينما اعدموه عام1966 بتهمة التآمر والخيانة وقلب نظام الحكم رغم انه في النهاية مفكر له توجهاته وافكاره وآراؤه التي هي ايضا محل اتفاق واختلاف ولم يستطيع حكم الاعدام علي جسده اعدام تلك الاراء والافكار. خلاصة القول ان من يطالب بإصدار قوانين استثنائية اوعقد محاكماتاستثنائيةعليهالهدوء والتروي لأن الشعب يريد التقدم للامام وليس السقوط فيالخلف. المزيد من مقالات عبدالمحسن سلامة