تعد ثورة 25 يناير العظيمة التى قام بها شباب مصر حدا فاصلا بين ما كان وما سيأتى، فهى أشبه بالحائط الصلد الذى بنى بدماء الشهداء وإصرار كل من شارك بها على نيل الحرية ومحاسبة نظام ورئيس ديكتاتور وبإذن الله سيكون ذلك الحائط قادرا على أن يفصلنا عن الماضى بكل ما كان فيه من مآس وظلم وعدوان على حرية شعب مصر، ويحمى كل إنجاز جديد سيتحقق على أرض هذا الوطن الغالى لما فيه رفعته وعلو شأنه بين الأمم، بدءا من إختيار رئيس صالح للبلاد من ذوى الخبرة السياسية المحنكة والقوة والذكاء والقدرة على إدارة شئون البلاد والعشق لتراب هذا الوطن ولا أرى كل هذه الصفات مجتمعه سوى فى مرشح أوحد على الأكثر حتى الآن.. وإنتهاءا ببناء مجتمع مصرى جديد لا جدال أنهكته سنوات طوال من النهب والسرقة والتدمير.. ولكن بين هذا وذاك.. هناك ما يجب أن نتوقف عنده كثيرا وهو الصالح العام للبلاد. فلا جدال أن بدء محاكمة الرئيس السابق مبارك ووالداه جمال وعلاء والصديق الهارب حسين سالم - الذى يعتبره الكثيرون الصندوق الأسود لثروات الرئيس السابق - ووزير الداخلية الأسبق حبيب العادلى وكبار معاونيه، بخلاف محاكمة أباطرة النظام السابق بدءا من زكريا عزمى وصفوت الشريف وأحمد عز ورشيد محمد رشيد ويوسف بطرس غالى وغيرهم، لا يعنى بلا جدال وبجميع الأحوال سوى أن الثورة قد حققت أعظم أهدافها وأسقطت الظالمين وإستعادت الحرية للشعب وبالتالى علينا جميعا أن نهدأ لكى نساعد الثورة أن تكتمل فحتى الآن لم نحقق سوى نصف ثورة، بمعنى أن النصف الآخر لن يسجله التاريخ سوى ببدء عجلة التنمية والتعمير والإصلاح فى شتى المجالات فى الدوران.. وكفى للثورة أن تصبح ذكرى سنوية عطرة نحتفل بها ونحيي ذكرى شهدائها فى شتى ميادين العمل والعطاء والإنتاج وليس بالإحتجاجات والإعتصامات المدمرة لعجلة التنمية والمهلكة للوطن. وبغض النظر عن كل ما تجريه الجهات الرقابية من تحقيقات فى قضايا الفساد التى نخرت عظام مصر ودمرت إقتصادها وباعت أرضها برخص التراب لكل من هب ودب، فإن الأمل مازال يراودنا جميعا على قدرتنا على حماية مكتسبات هذا الشعب، بشرط ألا نسير وفق سياسة هدم المعبد فوق رؤوس الجميع.. فالقادم لنا.. وفقط علينا أن نتصالح مع أنفسنا.. وأن نستحضر من داخلنا دوافع البقاء.. فمصر التى واجهها وهاجمها الغزاة طوال تاريخها من كل حدب وصوب وقهرتهم جميعا.. قادرة على تنبض الحياة بها من جديد.. بل وقادرة على أن تقهرنا نحن أنفسنا إذا لم نتحد لحمايتها وظللنا هكذا فى تشرذم وفرقة وعداء. إن صوت العقل يقول لنا دائما أن نتمهل قليلا قبل أن نصدر أحكاما بالخيانة والعمالة والإحتراق السياسى والتبعية للنظام السابق على الجميع وألا نتبع بإرادتنا سياسة الأرانب البرية - وفق وصف بديع لحالتها عند الفزع - حيث تهرب من صائدها بالقفز أولا دون إدراك أو وعى بما هى مقدمة عليه، أو إلى أين ستذهب بها قدميها من جراء هذه القفزة الهائلة, وهو ما يفسر لماذا تمتليء بجثثها سفوح الجبال؟! أسمع كل يوم من يقولون لنمحو العصر البائد من التاريخ.. لنمزق آثاره وصوره لنقضى على رجاله واحدا واحدا.. لنطهر البلد من هؤلاء, بل وإمتد بهم الامر إلى الدعوة لتدمير وتحطيم كل إنجازا ونجاح تحقق لمجرد أنه إقترن بالنظام البائد.. ما هذا الذى يقولونه ويبثونه فى نفوس الناس؟!.. نعم لنقتص من لصوص المال العام ومافيا السلطة.. لكم هذا ويحق لنا أكثر من ذلك والعدل سيأخذ مجراه.. فلقد دمر هذا النظام البائد الأخضر واليابس فى هذا الوطن ونهب ثرواته.. ولكن علينا أن ندع العدالة تأخذ مجراها وفق مقتضيات القانون حتى تحكم قبضتها على رقابهم فلا يستطيعون منها الفكاك.. وكفى إنتقاما وتشفى ولنعيد النظر بقلوب مليئة بالرحمة إلى وطننا!! إن التاريخ لن يسمح لأحد أن يمحوا من ذاكرته 30 عاما لمجرد أنكم تريدون ذلك؟.. يا أبناء هذا الوطن الصامتون الصامتون.. لنعمل فى صمت وقوة ونعيد بناء وطننا وعلينا أن نعى أمرا واحدا.. النظام البائد يستحق العقاب ولا خلاف على ذلك ولكننا بلا جدال لا نستحق أن نعاقب أنفسنا.. وكفانا جلدا للذات. المزيد من مقالات محمد غانم