من فضائل شهر رمضان المعظم اجتماع شمل الأسر علي مآدب الإفطار.. الابن الضال المهموم بعمله وبنفقات أسرته علي مدار العام يعود إلي حضن أسرته في شهر المودة والرحمة, والابنة المشغولة بعملها وبأسرتها تنتهز فرصة شهر الكرم لتؤكد قيم المحبة والانتماء والبر بأهلها, في الريف البيوت مفتوحة تستقبل الأهل والخلان والجيران وعابري السبيل, بيوت المسلمين تمتلئ باخوانهم المسيحيين علي موائد الإفطار, في شهر رمضان لا يمكن أن تفرق بين مسلم ومسيحي, فالكل روح واحدة ووجدان واحد..تعودت أن أوجه الدعوة إلي الأخوة المسيحيين كل عام للإفطار عندي بكامل اسرهم ونقضي معا يوما كاملا, وهي عادة توارثناها عن آبائنا حتي تصادق الأبناء واصبحنا أقرب إلي العائلة الواحدة... في بيتي يشعر الضيف العزيز بأنه من أهل هذا البيت.. ومستحيل أن تجد أحد الأخوة المسيحيين يمضغ شيئا بين شفتيه حتي ربة المنزل, وهي في مطبخها لا تأكل شيئا حتي تسمع مدفع الإفطار.... هذه أخلاق أغلب الأسر المصرية التي لا تعرف الحقد والجحود والتعصب والطائفية, والتي تؤمن بأننا أبناء أب واحد وأم واحدة وأصحاب وطن واحد عشنا علي ترابه وشربنا من نيله وأكلنا من خيره. لدي يقين لا يتزعزع أن ما يحدث من اعتداءات علي الاخوة المسيحيين في مصر صناعة أجنبية, وعمل من أعمال شياطين الإنس بهدف زعزعة استقرار هذا الوطن وإضعاف قوته وكسر عموده الفقري حتي لا تقوم له قائمة... إن المسلمين والاقباط في مصر تربطهم علاقات وثيقة ومتشابكة فهم يتزاورون ويتعاونون ويتشاركون في الأعمال والتجارة ويتبادلون التهاني في الاعياد والأفراح, وإذا حدثت بعض الخلافات, فهي مشكلات عادية تحدث بين أبناء الدين الواحد مثل الخلاف علي المال أو الارض, فلا يوجد صراع طائفي في مصر, فهذه سموم يحاول الخارج أن ينفثها في جنبات المجتمع المصري. إن رباط الأخوة قائم وصلب ومتين بين المسلم وأخيه المسيحي علي أساس المودة والصفاء والمصالح المشتركة مما يتطلب تعريف الناس بحقيقة رسالات السماء الصحيحة, حيث إنها رسالات تدعو إلي الحب والإخاء الإنساني والتعاون والبناء وترفض الفوضي والإجرام وإيذاء الآخرين وقتل الأبرياء وسفك الدماء التي جاءت الأديان للحفاظ عليها..في نقابة السادة الاشراف نفتح أبوابنا وعقولنا وصدورنا لاستقبال أخوة لنا في الوطن ليس فقط لأبناء المحافظة التي كنت أمثلها في البرلمان, ولكن لجميع الأخوة لا تفرقة بينهم وبين المسلمين.. فما نستطيع أن نقدمه من خدمات, فلجميع أبناء الوطن... ولقد نهجنا نفس منهج الأزهر الشريف الذي يقدم القدوة والنموذج الصحيح في ترجمة المشاعر النبيلة والأخوة الصادقة إلي أعمال حقيقية تربي في النفوس مشاعر قوية لا يفلح معها كيد الكائدين أو عدوان الظالمين... إن علماءنا الأفاضل تكرموا بالحديث في هذا المنحي وذكروا دلائل كثيرة ومتعددة تؤكد انفتاح الإسلام علي الإنسانية جمعاء, لكنني أتذكر واقعتين من التاريخ الإسلامي أري أنهما تدلان علي عظمة رسالة الإسلام, وحرصه علي الآخر, الفاروق عمر عندما حضر إلي ايلياء لعقد الصلح مع أهلها نظر خلفه, فوجد بناء بارزا قد ظهر اعلاه وطمس أغلبه, فسأل عن هذا البناء, فقيل له هذا هيكل لليهود طمسه الرومان بالتراب, فاخذ يحمل التراب علي جلبابه لينظفه فصنع الجيش نفس صنيعه حتي ظهر الهيكل نظيفا علي أحسن ما يكون مما شجع اليهود إلي العودة لهيكلهم ليتعبدوا فيه من جديد..أما الدليل الآخر فكان في عهد الخليفة المعتصم بالله, وهو من خلفاء الدولة العباسية, فقد أمر قائد جيشه الذي ذهب لفتح بلاد السند بعقاب إمام مسجد ومؤذن بالجلد لانهما قاما بهدم معبد واستخدما حجارته في بناء مسجد مما استدعي عقابهما, وأمر الخليفة باعادة بناء المعبد من جديد احتراما وتقديرا لاصحاب الرسالات... فكل صاحب دين له حرية الاعتقاد ولا إكراه في الدين, ولكل إنسان أن يعتقد ما يشاء بشرط الحفاظ علي السلم والأمان للدولة التي يعيش فيها..هذا هو السلف الصالح الذي يجب أن نسير علي هداهم ونقتدي بعلمهم وأعمالهم وأفعالهم وسلوكهم النابع من كتاب الله وسنة رسول الله صلي الله عليه وسلم.