بين الدراما والتاريخ! بعض ما ينشر هذه الأيام عن محتوي الدراما الرمضانية القادمة يؤكد حاجتنا إلي إزالة هذا الخلط الغريب بين التصوير الدرامي والكتابة التاريخية.. فالدراما فن يسبح في الخيال كلما كان ذلك مفيدا ومثريا للعمل الفني أما كتابة التاريخ فتتطلب وثائق مؤكدة ووقائع محددة لا يجوز الخروج عنها. أريد أن أقول بوضوح: إن الكتابة في الفن حرية بينما الكتابة في التاريخ التزام حيث أن رؤية مؤلف العمل الدرامي المرتكز إلي حرية الإبداع هي التي تحدد مساحة العمل الفني وما الذي يتحتم عليه اختصاره أو التغاضي عنه.. في حين أن كتابة التاريخ لها قواعد محددة يمثل الخروج عليها بالإضافة أو الحذف نوعا من التزوير الفاضح! وفي اعتقادي أن هذا الخلط الغريب بين التأليف الدرامي والتأريخ السياسي يرجع إلي الفوضي السائدة في الساحة الثقافية والفكرية والسياسية والإعلامية والتي تجعل من الصعب بمكان أن تعرف من هو الصحفي ومن هو الكاتب ومن هو المؤلف ومن هو المؤرخ... وتلك طامة كبري! ولأن الحال أصبح هكذا فلم يعد غريبا أن تجد من يمسك قلما ليكتب رأيا في صحف الصباح هو الذي يطل عليك في برامج التليفزيون ليلا ليقول عكس ما يكتبه بل وربما يكون ضيفا علي أحد البرامج التي تناقش عملا دراميا من إبداعه وبذلك يضيع الخط الفاصل بين مهمة الصحفي ودور الناقد ومسئولية المؤرخ وخيال المؤلف. وفي ظل غياب الانتماء والتخصص المهني يستباح كل شيء حيث تتلاشي معايير الدقة والأمانة والموضوعية والصراحة والصدق والشفافية لأنه من المستحيل الجمع بين المتناقضات التي يفرزها تشتت الانتماء والمهنية في ظل غياب الخصوصية الإبداعية التي لا تعرف مسمي الزوجة الثانية فالذي يتزوج نوعا معينا من الإبداع لا يحق له أن يعرف شيئا سواه. وأعظم المبدعين علي طول التاريخ هم الذين لم تتعدد أرديتهم المهنية مهما كبرت أسماؤهم أو علت مراتبهم وظلوا مخلصين للانتماء والتخصص والمهنية!
خير الكلام: ليست العبقرية في أغلب الأحيان سوي عمق المعرفة مع قوة الصبر والجلد! المزيد من أعمدة مرسى عطا الله