مولد سيدي التحرير! في موالد سيدنا الحسين والسيدة زينب ومرورا بالسيد البدوي وإبراهيم الدسوقي وحتي المرسي أبو العباس وعبد الرحيم القناوي الكل يستمر أسبوعا علي الأكثر ثم ينفض بالليلة الكبيرة والعالم الكتيرة التي تعود أدراجها في النهاية إلي الكفور والنجوع بالحمص والعجمية والحلاوة السمسمية والزمامير والبلالين. إلا أن لمولد سيدي التحرير شكلا آخر وعالما مختلفا ليس لاختلاف نوعية رواده والمؤن المستخدمة فيه كالذرة المشوي والترمس وغزل البنات والعرقسوس وأحيانا كنتاكي وهارديز ولكن لأن رواد الموالد التاريخية قد حزموا أمرهم مبكرا بتحديد الهدف وتاريخ العودة بينما رأي رواد الميدان أن الهدف مفتوح والعودة أيضا وهو ما جعل المستقبل غامضا كما الحاضر. ولكن قد تقف الدنيا ولا تقعد إذا أغلق رواد سيدنا الحسين أو أنصار أي طريقة شاذلية شارع الأزهر مثلا لمدة قد تتعدي الليلة الكبيرة بينما يستطيع أنصار الطريقة التحريرية إغلاق أهم ميادين العاصمة أشهرا عدة, كما أن سكان منطقة السيدة زينب سوف يترقبون المناسبة بشغف لما تدره عليهم من رواج بينما سكان الميدان قد ضاقوا ذرعا بأعمال العنف ووقف الحال التي لا يبدو في الأفق أي بوادر لانقشاعها. وإذا كانت الأنظار والآذان في أي من موالدنا الطبيعية سوف تتجه وتتطلع إلي ذائع الصيت ياسين التهامي مثلا لتتعظ من قصصه وتستمتع بمدائحه وأشعاره, ففي حالتنا التحريرية سوف نجد أن الميدان قد أصبح تهاميا بما فيه الكفاية حيث الكل شعراء ومداحون وخطباء والمشكلة هي عدم وجود السميعة بعد أن افتقدنا القيادة تحت تأثير الانفعال المبرمج في معظم الأحيان. هو إذن مولد وصاحبه غايب في ميدان لا يستوعب بأي حال من أقصاه إلي أقصاه بالقلم والمسطرة أكثر من 350 ألف شخص, وبخلاف الثوار هناك بلطجية وباعة جائلين وأمن محلي وأجنبي ومتطفلون ومتحرشون وملعوب في أدمغتهم, وإذا تضاءل هذا العدد في النهاية إلي خمسة آلاف ناقم علي الحياة فلا اعتقد أنهم يجب أن يحكموا مصر وهو ما يجب أن تفطن له القيادة السياسية والعسكرية للبلاد وذلك لان العقلاء في وطننا اكبر من هذا العدد بكثير, أما إذا كان الصوت العالي قد فرض نفسه ولغة التهديد والوعيد قد ألقت بظلالها فأعتقد انه قد آن الأوان لان ينتهي هذا الوضع لتعود الأمور إلي نصابها الصحيح. فلا يمكن لعاقل أن يقبل هذا التهريج الحاصل باسم الديمقراطية كما لا يمكن أن يغفر التاريخ للصامتين هذه السلبية التي سوف يدفعون هم ثمنها غاليا ولا للمزايدين أو المتحيلون ذلك التأجيج للأوضاع لسبب ودون سبب ولا للحكومة ذلك الخضوع للابتزاز علي حساب الصالح العام ولا للمؤسسة العسكرية الاكتفاء بسياسة رد الفعل. وإذا كنا منذ البداية قد وضعنا تعريفا واضحا للثورة و الثوار ومحددا للشهادة والشهداء وضوابط للاحتجاجات والاعتصامات وعقوبات لتعطيل المصالح والأعمال فإن ذلك كان سيوفر الكثير من العناء الذي سيسهم بالتأكيد في ترشيد الموالد وحفلات الزار. المزيد من أعمدة عبد الناصر سلامة