خطاب أول لرئيس الوزراء يزيد البلبلة يتلوه خطاب ثان يحاول إزالتها, وبيان للمجلس العسكري يشعل الغضب يتلوه مؤتمر صحفي يحاول أن يطفئه, وأثناء ذلك كله يستمر الاعتصام في ميدان التحرير ينتظر حلا. تمنيت في المقال السابق أن تنجح المظاهرة السلمية الكبيرة يوم8 يوليو في وضع حد لعصر البلبلة الذي عشنا في ظله أشهرا, وأن نجد أخيرا إجابات للأسئلة المعلقة عن الانفلات الأمني وتعثر العدالة وبطء القصاص لدماء الشهداء, وفوضي عروض الدية علي ذويهم بالترغيب والترهيب, وفوضي البلطجة وحرية الحركة لأنصار الثورة المضادة في الشارع, وفي أجهزة الإعلام دون رادع, وبدا لي أن هناك خطأ واحدا يربط بين ذلك كله هو المسئول عن البلبلة وغايته الانقضاض علي الثورة. وجاءت مطالب المتظاهرين في جمعة الإصرار شديدة الوضوح والبساطة, تجلو هذه البلبلبة وتتفق عليها كل الأطراف الوطنية, فالمطلوب هو إنجاز الأهداف التي قامت من أجلها ثورة يناير, أي المحاكمات العاجلة لرجال النظام البائد وفي مقدمتهم كبيرهم المخلوع وطواغيت أجهزته الأمنية من قتلة الثوار وزبانية التعذيب والقتل والسجون, والتعويض والتكريم الواجبين لشهداء الثورة وجرحاها, وتطهير أجهزة الأمن والإعلام, وتحقيق العدالة الاجتماعية بدءا بوضع حد أعلي وحد أدني ملزمين للأجور. ولم يتحقق حتي لحظة كتابة هذه السطور غير التغيير الكبير في جهاز الشرطة الذي أعلنه الأربعاء الماضي اللواء منصور عيسوي, وحسنا فعل حين أعلن قراراته مصحوبة بمبرراتها, تلك هي الشفافية المطلوبة بالفعل لنتفق معه بعدها أو نختلف, والزمن وحده هو الذي سيختبر هذه القرارات ويكشف إن كانت كافية وما إذا كانت كفيلة أم لا بوضع حد للانفلات الأمني الذي طال أمده. واستثناء هذه الخطوة لم تتبلور الأمور بعد, والمأمول أن تسود الشفافية في التعديل الوزاري وحركة المحافظين وأن تكون هناك أيضا مبررات واضحة لاختيار الوزراء والمحافظين, وتكليفات محددة يمكن في ضوئها محاسبتهم ومحاسبة وزارة الدكتور شرف. ويسبق ذلك ضرورة جلاء الموقف من بيان المجلس العسكري, ولن أتوقف طويلا عند لهجة النذير في بيان اللواء الفنجري والذي كان قبل ذلك البيان هو البشير الذي أحببناه الحب كله ممثلا لجيشنا الوطني, حين أدي التحية لشهداء الثورة, ولا يطاوعني قلمي الآن علي القول بأنه قد اغتال في نفوسنا حلما جميلا قبل أن يطوي هو نفسه أجمل لحظات تاريخه. وأنا أتلهف الآن علي أن يجد صيغة ما للاعتذار للشعب وعن نفسي سأقبلها فورا, سأنسي ما رأته عيني وما سمعته أذني, وسأسترد فقط صورة التحية النبيلة التي أسكنته قلبي وقلوب المصريين جميعا. أريد بعد ذلك الوقوف عند نقطتين في البيان خلفتا المزيد من البلبلة, فما هو المقصود بأن القوات المسلحة لن تسمح بالقفز علي السلطة لأي من كان (كذا)؟ وهي عبارة تكررت بتصرف أيضا في المؤتم الصحفي للمجلس: لن نسمح لأحد بالقفز علي السلطة من أي فصيل, وتلك عبارة يشي تكرارها حسب فهمي بأن لدي المجلس معلومات عن وجود نية لدي جماعة أو جماعات أو فصيل أو أكثر للقفز علي السلطة, فمن هي تلك الجماعات أو ذلك الفصيل وكيف يخططون للقفز علي السلطة؟ هذا كلام خطير لا يصلح فيه التلميح أو التورية بل يحتاج إلي مصارحة وشفافية كاملة ليعرف الشعب ما الذي يدبر له ومن الذي يدبره, بدون ذلك تصبح دعوة المجلس في البيان نفسه للمواطنين الشرفاء للوقوف ضد كل المظاهر التي تعوق عودة الحياة الطبيعية والتصدي للشائعات المضللة, تصبح هذه الدعوة نفسها سببا لرواج الشائعات التي لا يريدها المجلس ولا المواطنون الشرفاء. ومن حسن الحظ, أن الأهرام قد نشر في اليوم نفسه بيانا صادرا عن 19 حزبا وحركة وائتلافا توافق علي مبادرة سلمية الثورة ورفض أعمال التخريب, وطالب ذلك البيان الثوار بقطع الطريق علي محاولات أعداء الثورة زرع عناصر بينهم تزين طريق العنف أو تدفعهم الي الاضرار بمصالح الشعب مثل قطع الطرق وتعطيل وسائل النقل والمواصلات وغير ذلك من أعمال التخريب التي تضر بالشعب حتي ينفض الناس عن الثورة. هذا إذن بيان واضح ومباشر يحدد به الثوار ما هي الجرائم التي ينبغي أن يتصدي لها شرفاء الثوار والمواطنين, ويحدد أن المجرمين هم أعداء الثورة أو عناصر الثورة المضادة التي تريد بالفعل أن ينفض الناس عن الثورة حين تحاصرها اتهامات العمل ضد مصلحة الشعب. لا مجال هنا للتخمين والحيرة, غير أني أريد الوقوف عند العنوان: 19 حزبا وحركة وائتلافا! ما تلك الحركات والاتحادات والائتلافات التي تتكاثر كل يوم كالنمل وكلها تنتسب للثورة؟ وهي بالطبع الآن أكثر بكثير من العدد 19! إن يكن هدفها حقا هو حماية الثورة فلماذا تفترق وتأتلف ثم تفترق من جديد؟ ألا تنتبه الي احتمال أن يكون وراء هذا التشرذم أياد تشجع وتمارس سياسة فرق تسد؟ ألا يخطر ببالهم أنهم يشقون صفوفهم حتي يفشلوا وتذهب ريحهم؟ ليتني أكون مخطئا, وليت الثورة تنطلق موحدة الصفوف مثلما بدأت فنجحت, هناك من يتربص بها وبنا فلا تتركوا لهم الفرصة. المزيد من مقالات بهاء طاهر