العلم هو ركيزة نهضة أي مجتمع إنساني, فالعلم بجميع مجالاته هو المعرفة التي دونها لايستطيع الإنسان ان يفهم نفسه أو علاقته بالآخر أو العالم الذي يعيش فيه, أما الحرية: فتعني حرية التعبير, حرية العقيدة, الحرية من الخوف, الحرية من الحاجة, ولايمكن دونها كذلك لأي إنسان أو مجتمع ان يحقق ذاته أو أن يفجر طاقاته. إذن فهناك علاقة طردية بين العلم والحرية, فالتقدم في أحدهما يؤدي إلي التقدم في الآخر, فالعلم اليوم لم يعد انجازا مجردا ينفصل عن الحياة والمصالح والاطماع, حيث اصبحت تجربة العالم جزءا من لعبة السياسة وصارت الاكتشافات أداة من أدوات تكريس تفوق البعض أو قهر البعض الآخر, والدولة التي لاتجد علما تلعب به في السياسة تكون مضطرة ان تلعب بكرة القدم تارة والشائعات والأفلام والمسلسلات تارة أخري وبدل ان تؤمل الناس بالغد المشرق معتمدين فيه علي العلم والتكنولوجيا تراها تؤملهم بتفسير الاحلام والمنامات فإذا استيقظوا أفاقوا وانتبهوا علي خيبة أمل حتي اصبح تفسير الأحلام صنعة من لاصنعة له, والغريب ان الشعوب تقبل بهذا وتسعد به. فمن البديهي عند ارباب العقول الواعية ان العلم قوة تحريرية كبري تحرر الإنسان من الجهل والخرافات ومن التسليم بسلطة سياسية تستمد شرعيتها من الحق الآلهي بعيدا عن إرادة البشر أو تستمدها من الطواغيت الأرضية الذين نصبوا انفسهم آلهة للبشر وعلي هذا فان علاقة العلم بالحرية تطرح عادة علي مستويين متلازمين هما أثر الحرية في إطلاق الطاقات الإبداعيةللعلماء, وأثر نتائج هذا الإبداع العلمي علي توسيع نطاق حرية الإنسان, واحوال العالم قديما, وحديثا تشهد بأنه كلما تقدمت الشعوب علميا وفكريا وانشغلوا بالبحث في الكون كله وفكروا في علاقتهم به ونقبوا في الأرض وصعدوا في السماء, تقدمت في الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان, وكلما تخلفوا في العلم تأخروا ديمقراطيا وضاعت الحريات وحقوق الإنسان وتأله الحاكم وتجبر وسيطر علي الثروات مع السلطات. ويخلص من هذا ان الدول المتقدمة علميا وتكنولوجيا لابد ان تكون متقدمة في الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان والعكس بالعكس, وهكذا ينكشف السبب الحقيقي في حرص الحكام علي ان يبقي الجهل فساد التعليم سائدا فيه؟ والوطن العربي خير مثال علي ذلك, فمن اجل دوام عافية الزعيم لاتضيع حقوق الشعب فقط بل تضيع كل الشعوب ثم يتبع ذلك ضياع الوطن جزءا بعد جزء وقطعة بعد قطعة..ثم دولة بعد دولة. ايها السادة من اراد ان يصلح حال دولة أو جماعة أو مؤسسة عليه ان يبدأ أولا وقبل كل شيء باصلاح التعليم فيها ورفع المستوي الثقافي والفكري وتقديم العلماء والمفكرين علي الفنانين والممثلين ولاعبي الكرة.. وتوفير البيئة المناسبة لهم التي تمكنهم من نشر علمهم وتوريثه للشعوب مع توفير حياة كريمة آمنة حتي يتفرغوا لاداء الواجب عليهم.. اما بالنسبة لمصر فقد ظلت لعهود طويلة رائدة النهضة في العالم العربي والتي بنيت بسواعد ابنائها في جميع المجالات, في الفكر, في العقيدة, في السياسة, في الأدب, ومازال الأمل يحدو الكثيرين في ان تستعيد مصر هذا الدور, فهناك اقتناع دائم, بأنه متي ازدهرت مصر ازدهرت الأمة العربية وتماسك بنيانها.