جاء حكم محكمة القضاء الإدارى بحل المجالس المحلية بفروعها المختلفة ليفتح باب الجدل واسعا ليس حول الحكم الصادر فقط وإنما حول هذه المجالس وجدواها وماذا حققت وماذا يمكن أن تحققه مستقبلا فى ظل التطور الحاصل فى المجتمع؟. وربما لا يكون هناك خلاف بين المراقبين أو المهتمين بالشأن المحلى حول أهمية هذه المجالس باعتبارها البوابة الحقيقية للديمقراطية وحضانة التفريخ للمجالس البرلمانية، إضافة إلى أنها الأساس فى تطبيق مبدأ اللامركزية والرقابة على السلطة التنفيذية فى كل إقليم. إلا أنه أصبح مؤكدا أن القصور كان واضحا فى أداء هذه المجالس على مدى نحو نصف قرن لأسباب واضحة من أهمها تلك التشريعات والقوانين التى تنظم عملها ولا تتناسب بأى حال مع طبيعة مجتمعاتنا من جهة ومع تطلعات مواطنيها من جهة أخرى، إضافة إلى هيمنة الحزب الحاكم على هذه المجالس والنفوذ القوى للسلطة التنفيذية عليها أيضا خاصة سلطة المحافظين. وحتى نكون منصفين فإنه فى ضوء هذه الظروف مجتمعة قد أدت المجالس المحلية دورا واضحا ومؤثرا فى الرقابة ومتابعة المشروعات، على الرغم مما شابها بدءا من انتخابات شابتها أخطاء عديدة واختيارات استندت إلى المحسوبية والنفوذ فى أحيان كثيرة، إضافة إلى افتقادها العناصر الفاعلة فى بعض الأحيان. ويبدو أن الجدل حول المجالس المحلية فى مصر ليس وليد الازمة الراهنة فقد بدأ تطبيق نظام الحكم المحلى منذ عام 1961، حيث كان يتم اختيار جزء من أعضاء مجالس المحافظات بالتعيين والجزء الآخر بالانتخاب ولم تكن هناك مجالس محلية على المستويات الأدنى سواء للمراكز والمدن أو الأحياء والقرى، وعندما جاء دستور 1971 تم تقسيم الجمهورية إلى وحدات إدارية »محلية« ونص فيه على تشكيل مجالس محلية شعبية على مستوى الوحدات الإدارية المختلفة عن طريق الانتخاب المباشر على أن يكون نصفهم من العمال والفلاحين. وتطبيقا للدستور صدر قانون الحكم المحلى رقم 52 لسنة 1975 الذى قضى بأن يكون لكل وحدة محلية مجلس شعبى منتخب على جميع المستويات من القرية إلى المحافظة، وبمقتضى القانون رقم 43 لسنة 1979 زاد عدد الأعضاء فى مجالس المراكز والأحياء إلى أن صدر القانون رقم 145 لسنة 1988 الذى أدخل تعديلات مهمة على القانون السابق، حيث استبدل مسمى الحكم المحلى ليصبح الإدارة المحلية كما عدل مسمى وزير الحكم المحلى إلى وزير الإدارة المحلية وجعل من المحافظ امتدادا لمجلس الوزراء وليس ممثلا لرئيس الجمهورية كما يعتقد البعض. فى الوقت نفسه جعل القانون من وزير الإدارة المحلية وسيطا بين المحافظات ووزارة المالية بعد أن كان الاتصال يتم مباشرة فيما يتعلق بمناقشة الموازنات السنوية الخاصة بالمحافظات. ويرى الخبراء أن أهم سلبيات هذا القانون هو سلب حق الاستجواب من أعضاء المجالس المحلية على مستوى المحافظة، ومن هنا تأتى الدعوة إلى إصدار قانون جديد، خاصة فى هذه المرحلة التى ارتفع فيها سقف المطالبات حول الديمقراطية وحرية الرأى والتعبير. ولذلك فإن القانون المقترح أو المنتظر مناقشته خلال الفترة القليلة المقبلة يجب أن يأخذ فى الاعتبار أن المجالس الشعبية هى محور الارتكاز للتنمية الشاملة والمعبر الحقيقى عن المجتمع وهمومه، وذلك لخروجها من رحم الشعب كل الشعب ومن المهم دعمها بنص دستورى يحدد معايير المحليات باستقلال مالى وإدارى مع توزيع الاختصاصات بينها وبين السلطة التنفيذية، على أن يكون لها الحق فى فرض الرسوم والضرائب حسب طبيعة وحاجة كل إقليم. وإذا كان الأمر كذلك فإن ضوابط الترشح يجب أن تتناسب وأهمية هذه المجالس، بحيث لا يقتصر الأمر على مجرد إجادة القراءة والكتابة فى عصر ساد فيه الحاسوب وانتشرت فيه المواقع الإلكترونية. ومع إيماننا بأهمية وواقع اهتمام العائلات والعصبيات بالتمثيل فى هذه المجالس، فإن ذلك لن يتعارض بأى حال مع الاختيار الأصلح والأكفأ فى ظل منافسات لن تكون كسابقتها وفى ظل مواجهات حزبية من المؤكد أنها سوف تكون شرسة إلى أبعد حد، وهو الأمر الذى يحتم وجود إشراف قضائى كامل على مثل الانتخابات أيضا، خاصة فى ضوء ما يشهده المجتمع الآن من حراك غير مسبوق، خاصة على المستوى السياسى. ولكن تبقى ملاحظة جديرة بالتسجيل وهى أن القانون قد رسم طريقا لحل هذه المجالس بحيث يتم ذلك بناء على مذكرة تعرض على مجلس الوزراء بحل مجلس بعينه يكون قد ارتكب مخالفات جسيمة تستوجب الحل، كما لا يجوز فى المحافظة الواحدة حل أكثر من مجلس ويكون انتخاب مجلس جديد خلال 60 يوما للمجلس الذى تم حله. ولكن بعد أن تم حل هذه المجالس دفعة واحدة بحكم قضائى إدارى كيف يمكن تدارك الموقف.. وما هو السبيل لملء هذا الفراغ الذى أحدث بالتأكيد خللا قد لا يستطيع الكثير منا الوقوف على كل أبعاده، وهل مجالس التعيين المؤقتة يمكن ان تسد هذا الفراغ بصرف النظر عن مدى قانونيتها؟