محافظ المنوفية يتابع أعمال تطوير مدخل شبين الكوم والممشى الجديد    التعليم: افتتاح 15 مدرسة مصرية يابانية جديدة العام الدراسي المقبل    رئيس الحكومة: مصر تستقبل المزيد من الاستثمارات الجديدة وتشهد نموا ملحوظا في الصادرات    إسرائيل: الضابط الذي قتل يوم الاثنين جنوب غزة قائد بجهاز الشاباك    بلال: لو شكلت فريقا مع بركات وأبوتريكة الآن لهزمنا إنتر ميامي!    ضبط المتهم بتحصيل مبالغ مالية دون وجه حق من قائدي الميكروباص بالنزهة    بحضور أسر الصحفيين.. عروض مسرح الطفل بقصر الأنفوشي تحقق إقبالًا كبيرًا    بعد تعرضهم لحادث.. صور مراقبي الثانوية العامة داخل المستشفى بقنا    مجموعة الأهلي.. شكوك حول مشاركة حارس بورتو ضد إنتر ميامي    "أنا مصمم".. وصلة غناء من مرموش للاعبي مانشستر سيتي قبل مونديال الأندية (فيديو)    قرار مهم من "التعليم" بشأن سداد مصروفات الصفوف الأولى للعام الدراسي 2026    رصاصة غدر بسبب الزيت المستعمل.. حبس المتهم بقتل شريكه في الفيوم    رئيسة «القومي للبحوث»: التصدي لظاهرة العنف الأسري ضرورة وطنية | فيديو    «البحوث الإسلامية»: الحفاظ على البيئة واجب شرعي وإنساني    سلطنة عُمان تشهد نشاطًا دبلوماسيًّا مكثفًا لوقف التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل    الرئيس الإسرائيلي يعلّق على فكرة اغتيال خامنئي: القرار بيد السلطة التنفيذية    بدء الجلسة العامة للبرلمان لمناقشة الموازنة العامة    "الحرية المصري": نخوض الانتخابات البرلمانية بكوادر على غالبية المقاعد الفردية    حملات مكثفة لتطهير ترع مركزي صدفا وأبنوب بمحافظة أسيوط    إمام عاشور يروي لحظة إصابته ضد إنتر ميامي: «كنت بجري ومش حاسس بدراعي»    النواب يوافق نهائيا على الموازنة العامة 2025l2026 بإجمالى 6.7تريليون جنيه    تخصيص بالأسبقية.. مواعيد الحجز الإلكتروني لشقق صبا بأرقام العمارات    في أقل من شهر.. «المشروع X» يفرض نفسه في شباك التذاكر    أحمد فتحي ضيف برنامج "فضفضت أوي" على Watch It    نور عمرو دياب تثير الجدل بتصريحاتها الأخيرة: "أنا بنت شيرين رضا" (فيديو)    بلمسة مختلفة.. حسام حبيب يجدد أغنية "سيبتك" بتوزيع جديد    "هيخسر ومش مصرية".. حقيقة التصريحات المنسوبة للفنانة هند صبري    رئيس الوزراء يستقبل رئيس وزراء صربيا بمطار القاهرة الدولي    محافظ المنيا يُكرم مديرة مستشفى الرمد ويُوجه بصرف حافز إثابة للعاملين    ماذا يحدث لجسمك عند التعرض لأشعة الشمس وقت الذروة؟    طريقة عمل طاجن اللحمة في الفرن    نجاح طبي جديد: استئصال ورم ضخم أنقذ حياة فتاة بمستشفى الفيوم العام    عرض غنوة الليل والسكين والمدسوس في ختام الموسم المسرحي لقصور الثقافة بجنوب الصعيد    سموتريتش يفصح عن حصيلة خسائر الهجمات الإيرانية    الداخلية تضبط منادى سيارات "بدون ترخيص" بالقاهرة    السجن المشدد 3 سنوات لمتهم لحيازته وتعاطيه المخدرات بالسلام    السفارة الصينية في إيران تحث رعاياها على مغادرة البلاد في أسرع وقت ممكن    محافظ أسوان يشيد بجهود صندوق مكافحة الإدمان فى الأنشطة الوقائية    تراجع كبير بإيرادات أفلام العيد والمشروع x في الصدارة    زيلينسكي: روسيا هاجمتنا بالطائرات المسيرة بكثافة خلال ساعات الليل    وزير الرياضة يرد على الانتقادات: دعم الأهلي والزمالك واجب وطني.. ولا تفرقة بين الأندية    المرور تحرر 47 ألف مخالفة متنوعة خلال 24 ساعة    بينها «شمس الزناتي».. أول تعليق من عادل إمام على إعادة تقديم أفلامه    طلاب الثانوية العامة بالفيوم: "امتحان اللغة الأجنبية الثانية فى مستوى الطالب المتوسط لكن به بعض التركات الصعبة جدا    البحوث الفلكية: الخميس 26 يونيو غرة شهر المحرم وبداية العام الهجرى الجديد    دار الإفتاء: الصلاة بالقراءات الشاذة تبطلها لمخالفتها الرسم العثماني    الجهاز الطبى للزمالك يقترب من الرحيل.. وتغييرات إدارية مرتقبة    أستاذ هندسة بترول: هناك خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها من إيران أو إسرائيل    محافظ المنوفية والسفيرة نبيلة مكرم يتفقدان قافلة ايد واحدة.. مباشر    "ليست حربنا".. تحركات بالكونجرس لمنع تدخل أمريكا فى حرب إسرائيل وإيران    مستشفيات الدقهلية تتوسع في الخدمات وتستقبل 328 ألف مواطن خلال شهر    أسعار الأسماك والمأكولات البحرية في سوق العبور اليوم    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 17-6-2025 في محافظة قنا    جامعة قناة السويس: تأهيل طبيب المستقبل يبدأ من الفهم الإنساني والتاريخي للمهنة    «أمطار في عز الحر».. الأرصاد عن حالة الطقس اليوم الثلاثاء: «احذروا الشبورة»    بعد تلقيه عرضًا من الدوري الأمريكي.. وسام أبوعلى يتخذ قرارًا مفاجئًا بشأن رحيله عن الأهلي    «لازم تتحرك وتغير نبرة صوتك».. سيد عبدالحفيظ ينتقد ريبيرو بتصريحات قوية    ما هي علامات قبول فريضة الحج؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البحث عن الدولة الوطنية الحديثة

قد نفهم التاريخ المصري الحديث علي أنه سلسلة من الحلقات المتصلة لتأسيس دولة وطنية حديثة‏.‏ فلم يكن هذا الشعب شعبا خاملا قط‏,‏ بل إن ثوراته وهباته المتعاقبة في التاريخ الحديث جاءت لتعبر عن توق شديد إلي تأسيس هذه الدولة علي مبادئ العدل والديمقراطية والمساواة‏.‏ وهي وثبات ثورية لم تكتمل ولم يكتب لها النجاح, وأحسب أن ثورته المجيدة المعاصرة هي حلقة في هذا السعي نحو درء ظلم موجود وبحث عن عدل مفقود يتجسد في دولة حديثة تعلي من شأن الإنسان وتضع حقوقه في الصدارة وتقيم العدل في الأرض. وكلنا أمل في أن تكون الثورة المعاصرة هي الوثبة الأخيرة في هذا المسعي النبيل. لقد كان الإنسان المصري يثور من أجل استقلاله وحريته وكرامته, ويصبو نحو تحقيق المجتمع العادل الديمقراطي, ولكن ثورته تنتهي بعد أعوام تقل أو تكثر يعود المجتمع بعدها أدراجه. وفي كل مرة تتغلب قوي التسلط والبغي والحكم المطلق علي قوي الديمقراطية والحرية, فتفقد الثورة بريقها ويحيد رجالها عن مبادئها, وتعود التربة المصرية تبحث عن تخصيب جديد لولادة ثورة جديدة.
لقد كانت طلائع النخب المتعلمة المنبثقة من الطبقة الوسطي والتواقة إلي تأسيس دولة حديثة هي التي تقوم بدور المخصب لهذه التربة الثورية التي اعتادت علي حب فكرة العدل, ورحبت بالغرباء من أجل إقامته, وقاومتهم عندما حادوا عنه. وعبر التاريخ الحديث اختلفت طلائع النخب باختلاف الجماعات والقوي التي تتشكل في المجتمع. وكانت طليعتها هذه النخبة الأزهرية التي أجلست محمد علي 1769 1849 علي سدة الحكم. ورغم أن دولة محمد علي الفتية قد أصابها الوهن من شدة الهجوم عليها من الخارج, فإن الجيش المصري الحديث كان أحد الثمار الغضة لهذه الدولة. فقد أصبح الجيش فيما بعد في طليعة القوي الثورية; بل إنه شكل أول جماعة استراتيجية حديثة. ولقد بدأت بشائر الثورة الحديثة علي يد ضابط من هذا الجيش هو عرابي 18411911, تلك الثورة التي جاءت لا لتعبر عن الظلم الواقع علي الضباط المصريين في الجيش فقط, بل لتعبر عن بؤس المجتمع وشقائه. فالقارئ لأعمال بعض طلائع النخبة المفكرة ممن ساندوا عرابي في هذا الزمان, خاصة جمال الدين الأفغاني 18381897 وعبد الله النديم 18421896, يكتشف إلي أي مدي كانت هذه الثورة تعبيرا عن عدل مفتقد وظلم حال. ولقد فشلت الثورة, واستعمرت البلاد, ولكن بقيت شرارة الثورة دفينة في تراب الوطن.
ومع مطلع القرن العشرين كانت الطبقة الوسطي قد اتسعت قاعدتها, وبدأت في إفراز نخب مدنية وسياسية, شاركت في مشروع النهضة الذي قاده مصريون مخلصون, فأسسوا الأحزاب, والجامعة, والصحافة كمؤسسات يطل منها المجتمع علي الحداثة, وبها يرقي وينهض, وبدأت تتطاير في سماء الوطن صيحات الدعوة إلي الاستقلال, والحرية التي عبرت عنها كلمات مصطفي كامل 18471908 التاريخية. ومنها: إن الأمة التي لا تأكل مما تزرع وتلبس مما تصنع محكوم عليها بالتبعية والفناء, وأن من يتهاون في حق من حقوق دينه وأمته ولو مرة واحدة يعيش أبد الدهر مزلزل العقيدة سقيم الوجدان.
ومن هذه الطبقة بزغت النخب التي خصبت الأرض المصرية, فكانت ثورة 1919 التي لخص سعد زغلول 18581927 هدفها الأسمي بمقولته الشهيرة: الحق فوق القوة والأمة فوق الحكومة. والتي تعكس إعلاء شأن القانون العدل وتحقيق مرجعية الأمة أو الشعب كمصدر لشرعية الدولة والحكومة. ورغم أن الثورة قد حققت بعض أهدافها في الاستقلال والدستور, فإنها لم تتمخض عن إرساء دعائم نظام اجتماعي عادل. فقد استفحل دور رأس المال (المرتبط آنذاك بملكية الأرض والثروة العقارية والتجارية) وسيطر رجاله علي الحكم, فأصبحت القوة فوق الحق, وأصبحت الحكومة فوق الأمة.
واستفحل هذا الأمر مع تقدم الزمان, وأصبحنا في نهاية أربعينيات القرن العشرين علي مشارف صراع حقيقي بين عدد قليل من رجال الثروة والسياسة يسيطرون علي جل ما يملك المجتمع من موارد, وأعداد غفيرة من السكان تتزايد يوما بعد يوم من أبناء الطبقة الوسطي والشرائح العمالية الناشئة في الحضر, وفقراء المدن من المهاجرين. لقد اتسع المجتمع وتزايدت فئاته ومشكلاته, ولم يتسع فضاء السياسة لتأسيس دولة حديثة تستوعب كل هؤلاء, وتؤسس لهم نظاما عاما للحياة التي يسودها العدل والمساواة. ضاق الفضاء السياسي فلم ينتج إلا تسلطا واستحواذا علي ثروات البلاد وفسادا, وأصبحت أرض الثورة تحتاج إلي من يخصبها, وهي مهمة قام بها رجال من الجيش ممن انشغلوا بقضايا الوطن وذاقوا مرارة الانكسار في فلسطين. وكانت ثورة يوليو 1952.
ولقد حاولت ثورة يوليو 1952 أن تطرح مشروعا للنهضة, وساهمت في إحداث تحولات اجتماعية واقتصادية كبيرة, ولم يقتصر تأثيرها علي مصر بل امتد إلي الوطن العربي في دعوة صريحة لتوحد العرب تحت لواء القومية العربية, وإلي العالم الثالث تحت مظلة عدم الانحياز, بل إن ثورة يوليو ألهمت كثيرا من الثورات في البلاد التي كانت ما تزال ترزح تحت نير الاستعمار. ولكن مشروع النهضة لم يكتمل, بل إن النظام الذي أقامته الثورة ما لبث أن انهار في منتصف السبعينيات تحت زحف الدعوة إلي الانفتاح الاقتصادي والتحرر الاقتصادي. وبصرف النظر عن العوامل التي أدت إلي عدم استمرار هذا المشروع النهضوي, فإن الزخم الثوري الذي شحنت به هذه الثورة قد انقطع, كما أن أحلام بناء الأمة الحديثة وتحقيق العدالة الاجتماعية تحولت ودخلت في متاهات جديدة حول كيفية بناء هذه الأمة وسبل نهضتها دون أن يكون لهذا الخطاب فاعلية في الواقع المعاش للناس.
ولقد تعلق الأمل كثيرا بانتصار أكتوبر واستلهام روحه في بناء وطن جديد, ولكن هذا الأمل ظل أملا قوليا وخطابيا. لقد طرحت أفكار عديدة, وتحققت بعض مظاهر التنمية في مجالات مختلفة, ولكن ظلت القضايا الأساسية كما هي تبحث عن طريق: النهضة الشاملة, العدالة الاجتماعية, الديمقراطية.... الخ. وأكثر من هذا فإن التجربة التي دخلت فيها مصر منذ منتصف السبعينيات لم تفلح في اجتثاث مصادر الظلم في الحياة الاجتماعية والسياسية, وفي إيقاف ملاحم الفساد ونهب ثروة الشعب, تماما كما لم تفلح في تحقيق نهضة في الصناعة أو الزراعة أو التعليم أو إقامة الديمقراطية. لذا فقد تراكمت في تربة المجتمع بذور الثورة من جديد, وكانت هذه البذور تجتث من قبل اليد القهرية للنظام, ولكنها ما تلبث أن تنبت في مكان آخر. ولقد أطلت علينا باسقة سامقة في السابع عشر والثامن عشر من يناير عام 1977, وفي الحراك السياسي الذي صاحب مقتل السادات عام 1981, وفي الأحداث التي سميت بأحداث الأمن المركزي عام 1986 وكان ذلك وغيره فورات ثورية تريد للثورة المصرية أن تكتمل, تريد للدولة الوطنية الحديثة أن تقوم علي أسس سليمة ومكتملة بحيث تحقق للمصريين ما يصبون إليه من عدل وحرية وكرامة. ولكن النظام الحاكم لم يستجب لهذه الفورات الثورية إلا بالضرب والقهر وتطوير آليات الأمن والهيمنة; فبدأ الزخم الثوري المرابط في نفوس الناس يأخذ أشكالا جديدة من الصمت وعدم الرغبة في المشاركة واللامبالاة تجاه الدولة, إلي الاحتجاج الصريح والاعتراض القوي بالقلم وبالكلمة وبالحركة السياسية المعارضة وتكوين المجموعات المعارضة عبر المجتمع المدني وعبر وسائط الاتصال الحديثة, إلي أن تجمع كل ذلك في الخروج الكبير صبيحة يوم 25 يناير 2011 لقد كان هذا الخروج صيحة في وجه نظام ظالم, وكان أيضا صيحة للتعبير عن أمل دفين للعيش في كنف دولة حديثة عادلة,وأمل في أن يكتمل بناء الدولة الوطنية الحديثة الذي طال أمده.
المزيد من مقالات د.أحمد ابوزيد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.