جئت إلي دبي وفي ذهني ما حدث من زلزال اقتصادي نتيجة الأزمة المالية العالمية التي وضعت تجربة دبي, أمام اختبار شديد الصعوبة, حيث سعت تلك الإمارة الصغيرة محدودة الموارد إلي إيجاد مكان لها تحت الشمس, واستطاعت أن تفعل ذلك من خلال الاندماج في الاقتصاد العالمي ونجحت دبي بالفعل لسنوات طويلة في تحقيق معدلات نمو مرتفعة ربما تكون أكبر من معدلات النمو في دول بترولية خالصة, أو دول جنوب شرق آسيا المعروفة بالنمور الآسيوية، نجحت بعد أن تحولت إلي مركز تجاري عالمي, واستفادت من موقعها الجغرافي المتميز, وإزالة جميع العوائق أمام الاستثمارات الأجنبية لتصبح بيئة جاذبة للاستثمارات العالمية, وأنشأت مناطق للتجارة الحرة سمحت فيها بتملك الأجانب100% من أي مشاريع تقام فيها, كما جذبت الشركات العالمية المتعددة الجنسيات, وحدثت طفرة غير مسبوقة في الاستثمار العقاري والبني التحتية, وفي إطار سعيها لجذب أنظار الآخرين لجأت دبي إلي استخدام أفعل التفضيل, فهذا أطول برج في العالم برج خليفة.. دبي سابقا, وذاك أكبر مركز تسوق في العالم, وهكذا حاولت دبي جذب أنظار العالم, ونجحت فعلا, غير أن الأزمة الاقتصادية جاءت ومعها ريح عاتية نتيجة اندماج اقتصاد دبي في الاقتصاد العالمي, فكانت التأثيرات قوية ومؤثرة, حيث تراجعت السيولة, وتأثرت بورصة دبي بدرجة كبيرة, وخلال الفترة من أغسطس إلي نوفمبر2008 فقد المؤشر العام لأسواق المال المحلية في الإمارات, بما فيها سوق دبي للأوراق المالية,50%, وخسرت ما قيمته441 مليار درهم من قيمتها السوقية, وتراجع متوسط التبادل اليومي من2.431 مليار درهم في يوليو2008, إلي1.6 مليار في أكتوبر2008. أما أكثر القطاعات تأثرا فكان قطاع العقارات والتشييد نتيجة تضييق البنوك علي القروض العقارية ومنح الائتمان, وكان من الطبيعي أن تتعثر بعض المشاريع العقارية وتسريح بعض العاملين في تلك المشاريع, كما تأثرت القطاعات المرتبطة بقطاع العقارات مما أدي إلي تراجع الطلب علي الوحدات السكنية, وأسهم في تراجع أسعارها بشكل ملحوظ. أيضا انخفض الطلب علي العمالة, بل امتد الأمر إلي الاستغناء عن نسبة من العمالة في بعض القطاعات يقدرها بعض الخبراء بنحو30% من إجمالي عدد العمالة الموجودة. بداية التعافي مع بداية انحسار الأزمة المالية العالمية سعت دبي هي الأخري لتجاوز أزمتها, واتجهت حكومة دبي إلي زيادة الإنفاق الحكومي للحفاظ علي معدل نمو إيجابي, وجمدت الضرائب للحفاظ علي ثقة المستثمرين, واستفادت دبي من مساندة الحكومة الاتحادية في أبوظبي حيث أعلنت الحكومة الاتحادية ضمانها للودائع والمدخرات, وضخ المليارات في الجهاز المصرفي. لم تستسلم حكومة دبي للأزمة المالية العالمية, بل سعت بكل قوة للخروج من تلك الأزمة ومعالجة توابعها حيث تكاتفت جهود الدوائر الحكومية والقطاع الخاص للخروج من تلك الأزمة بحسب رؤية إبراهيم صالح المنسق لمؤسسة دبي للفعاليات والترويج التجاري, مشيرا إلي أن مهرجان دبي للتسوق يعتبر مؤشرا مهما لسير الحركة الاقتصادية في دبي حيث استقبلت دبي عام2007, وهو عام بداية الأزمة3.2 مليون زائر, وبلغ إجمالي إنفاقهم10.2 مليار درهم, في حين انخفض الإنفاق عام2008 إلي10 مليارات درهم, وفي عام2009 ارتفع عدد الزائرين إلي3.5 مليون زائر, إلا أن الإنفاق استمر في الانخفاض إلي9.8 مليار درهم, غير أن انخفاض الإنفاق في العام الماضي يرجع إلي ما طرأ علي الأسعار من انخفاض, سواء في أسعار الفنادق أو السلع, وهو ما حدث علي مستوي العالم كله. وبالنسبة لمؤشرات هذا العام فإن الأرقام الأولية تشير إلي أن هناك زيادة ملحوظة في أعداد الزائرين بما يشير إلي تجاوز الأزمة المالية العالمية وبما يمكن أن يزيد من قيمة الإنفاق ليصل إلي أعلي من معدلاته في عام2007 قبل بداية الازمة برغم استمرار انخفاض الأسعار. 9.2% نمو بول جريفث الرئيس التنفيذي لمطارات دبي يشير إلي أن مطار دبي سجل نموا9.1% في عدد المسافرين خلال عام2009 محققا40 مليونا و901 ألف مسافر, مقابل37 مليونا و441 ألف مسافر في عام2008, كما سجل المطار نموا في الشحن بلغ5.6%, ومن المتوقع أن يرتفع عدد المسافرين مع نهاية هذا العام إلي46 مليون مسافر بزيادة13.6% علي العام الماضي, وهو ما يؤكد قدرة دبي علي الخروج من الأزمة المالية وتوابعها, وقد أسهم في ذلك لجوء دبي إلي سياسة السماوات المفتوحة التي انتهجتها حكومة دبي, وتطوير مطار دبي ليستوعب تلك الزيادة. ويرفض الرئيس التنفيذي لمطارات دبي الدخول في تحالفات مع شركات الطيران الأخري برغم أن65% من حركة المسافرين في مطار دبي ترانزيت. سألته عن أجهزة الماسح الضوئي وهي يمكن استخدامها في مطار دبي؟ أجاب: لم نتخذ قرارا بشأنها حتي الآن, لكنني أفضل عدم استخدامها لأننا لسنا في حاجة إليها, كما أنها لا تلاقي قبولا لدي مواطني معظم الدول لأنها تتنافي وتقاليدهم. سألته عن النسبة التي يسهم بها قطاع الطيران في الناتج المحلي؟! أجاب:25% من إجمالي الناتج المحلي يأتي من قطاع الطيران, وقد ساعدنا علي ذلك موقع دبي, والبنية التحتية القوية التي بلغت تكاليفها أرقاما كبيرة, مما جعل المطار مؤهلا للتعامل مع أكبر عدد ممكن من شركات الطيران. العمالة الآسيوية بعيدا عن لغة الأرقام التي تشير إلي إمكان تعافي دبي من الأزمة المالية العالمية وتوابعها, واستمرارها كنموذج اقتصادي متفرد يستحق الدراسة, فإن هناك حركة لا تهدأ في الأسواق والشوارع ومواقع العمل والإنشاءات حيث بدأت الدماء تسير في شرايين تلك المواقع, وإن كان بمعدل أقل مما كانت عليه قبل الأزمة, وبدأت العمالة الأجنبية هناك أكثر استقرارا وثقة بالمستقبل بعد أن كانت لا تعرف مصيرها, وهل سوف تستمر أم يتم الاستغناء عنها؟! الحال نفسه ينطبق علي العمالة المصرية التي تؤكد أن الأحوال هنا في دبي باتت مستقرة أكثر مما كانت عليه وقت الأزمة, بل إن هناك بوادر تشير إلي طلب عمالة جديدة أو علي الأقل عودة جزء من العمالة التي تم الاستغناء عنها وقت الأزمة. اللافت للانتباه كثافة العمالة الآسيوية مقارنة بالعمالة المصرية والعربية في جميع مواقع العمل( عمالة مؤهلة أم عمالة عادية), وفي الفنادق ومولات التسوق وغيرها, وحينما سألت عن السبب عرفت أن أجور العمالة الآسيوية أقل, وانضباطهم أكثر, مما يتطلب جهودا إضافية من الوزيرة عائشة عبدالهادي لتوضيح موقف العمالة المصرية وقدرتها علي سد تلك الثغرات خاصة أن مواطني الإمارات العربية, بما فيها دبي, يكنون مشاعر طيبة تجاه مصر والمصريين, وتربطهم بالشعب المصري صداقات عميقة تدعمها علاقات سياسية متميزة بين القيادات السياسية في الدولتين.