قابلته في ميدان التحرير, كان مرهقا, مثقلا بالهم والسنين, ارتسمت علي وجهه ملامح الوطن سألته هل تتذكرني؟ وما الذي أتي بك إلي هنا أيها الرجل العجوز؟ أنا جارك القديم, لم أرك منذ عشر سنين تقريبا, كيف حالك, وزوجتك, وابناك النابهان وليد ومحمود فقد كانا وقتها يدرسان في كلية الطب, لعلهما الآن طبيبان شهيران. تفرس في وجهي مليا, تحجرت دمعة في عينه وقال: أنت تعرف انهما كانا مثالا للاستقامة والصلاح, ينفقان وقتهما بين المسجد والجامعة ويحلمان ونحلم معهما بمستقبل يمسح عنا عناء السنين وقسوة الأيام, وفي ليلة حالكة السواد اقتادهما جنود الحاكم دون أن ندري والي حيث لا نعرف, وغيبوهما في الزنازين لمدة عامين, ذقنا فيهما الأمرين, فقدت الأم البصر وصارت حطام إنسان, وأنا كما تراني أمامك تاهت روحي عن نفسي, ويعتصر قلبي حزنا كلما أشاهد إبني وقد تكسرت أحلامهما مع انكسار روحهما, وقد سكن فيهما الرعب والخوف, تحطم كل شيء جميل في حياتنا, وأتيت إلي ميدان التحرير ابحث عن وليد ومحمود في كل وجوه هؤلاء الشباب انتهي الرجل العجوز من مرثيته ونقلتها عنه ليطالعها كل من تأخذه شفقة أو رحمة علي هؤلاء الذين سرقوا أفراح الوطن, واستلبوا روحه قبل أمواله. إنها رسالة من كل وليد وكل محمود. المستشار يوسف رضوان رئيس محكمة الاستئناف