هل كنت تعلمين؟ أن غدا موعدك القريب للنهاية البعيدة؟ وأن يوما سنه الطبيب حد فاصل بين الحياة والرحيل؟ ونحن من حول السرير واجفون, شاردون,, حائرون ننظر في عينيك, تنظرين في عيوننا. أي اللغات تستطيع أن تقول ما نريد أن نقول, ونحن في قبضة مجهول عصي لا يجيب, ممزقون في تعاسة بلا نهاية: هل يفلح الطبيب في استئصال ما يغتال رأسك الوديع؟ أم أنه في فورة الحماس والشباب قرر الدخول في مواجهة, بالرغم من أن الكبار حذروا وأكدوا: لا تقربوها, واتركوها كي تعيش ما تبقي في سلام! وليس ثم فرصة لمبضع الطبيب! مندفعا في نزق الفتون, حالما بالمجد سوف يكتب التاريخ عنه أنه جازف حينما تقاعس الكبار, فكان قاتلا لها عند نهاية المطاف... كيف انحنيت كي أقبل الجبين في خشوع! يا وجهها الملائكي عمرا كاملا صحبتك, طفولة أفضت بنا معا إلي مدارج الصبا الوضيء والشباب والكهولة, أحلامنا, أفراحنا, وذكرياتنا, ولهونا المتاح وانكسارنا, وأنت أخت القلب, تصغرين عني, وتكبرين في وداعة, وفي رضا, وتختفين في حروف لاسمك الغريب, مذ لبسته أتوا به لتصبحي مليكة مثل شقيقيك الكبيرين, حتي يكون حرف الفاء ممتدا, مضمخا باسم مسيحي يضيء في سماء أسرة مسلمة ريفية ما عرفت يوما كغيرها من القري فواصل الأديان والأسماء والتعصب المقيت, وأصبحت فيكي دليلا لاسمها الذي لا يستطيع الآخرون نطقه, وإن أصروا, قدموا صورته الريفية الغريبة, فيكتوريا بنت محمد حديث كل من يسمع أو يقول. هل هذه نهاية المطاف للتي أيامها نبل وفيض من عطاء هائل لا حد له؟ وحينما انحنيت كي أقبل الجبين, باردا, يعلوه صمت متعب, كأنه منكسر إثر صراع طال حين كانت الأوجاع تنشب اليدين كي تغتال زهوة الحياة هل هذه اللحظة إذ تضمنا ختام شقوة الحياة, حظنا الأخير منك, لا جلسة لنا معا, تحكين فيها عن صديقك الأثير, ذلك الراديو الصغير في ليالي الرقدة الطويلة, تحدثينني عن اكتشافات وأصوات وأغنيات, وعن حكايات يتيحها في الليل ساهرا إلي جوارك. وكيف أصبح الراديو الصغير جسرك الوحيد للنجاة والنسيان والتشبث الأخير بالحياة, وأنت تصنعين عالما ينسيك شقوة السنين, وامتلاءها بكل ما يحرك الأسي, ويحمل الشجون, ساعتها, أدركت أن الرحلة الطويلة المدي لم تمح شيئا من كيانك الفطري, مازلت بنت القرية البعيدة, وأن ما جسدته من نبلك البديع لم يكن سوي نسيج الفطرة الذكية, صيغت لديك من تعفف ومن نقاء ومن رضا يفيضه إيمانك السمح الوضيء بالصفاء. وحين كنت تغضبين ساعة أو تعنفين لم يكن يدري القساة أن شرخا في بنيانك الأصيل في كيانك الشفيف, في سكونك الرهيف, قد بدأ, وأن كل ما يمس حس الضوء فيك جارح وموجع, وقاتل حين يجيء عاريا وفاضحا علي الملأ, وأن ليلك الطويل كان يخفي دائما نزفا عميقا موجعا لم يحتمله في نهاية المسار صبرك الذي اهترأ. لا موعد لطرد لوعة حري ولا نهاية ولا غد نراه مبهجا وواعدا, وأنت لست في مكانك الذي بروحك امتلأ, ولا سريرك الذي احتواك, حين صار وحده حدود عالمك, أبعد منه لا ترين شيئا يستحق أن يري, فأنت فيه وهو فيك, صرتما معا كيانا واحدا ينتظر النهاية, ويقطع الأيام في سكينة التسليم والرضا, مغتفرا جريمة الزمان, حين قاد خطونا إلي الخطأ. هل يطفئ الشعور بالفقد الجليل أنك الآن استرحت, واكتملت, يا عظيمة الصفات والهبات, يا سيدة الكمال والبهاء؟