إنه عنوان ثابت لمؤامرة إمبريالية مستمرة ضد الدول النامية حديثة الاستقلال بهدف إهدار ثرواتها, وتكريس تخلفها وفقرها.. وبعيدا عن نظرية المؤامرة, ثمة كرات كثيرة تتضارب وتقفز في ملعب أولويات ما يسمي بالمشروعات القومية بهذه الدول. منها سوء التقدير, ونقص الخبرة, وافتقاد أسلوب التخطيط ومنها إحلال النظريات الثورية الرومانسية الحالمة محل دراسات الجدوي العلمية الواقعية. ولم تنج مصر ثورة23 يوليو من معضلة, ولانقول مؤامرة اللعب في ترتيب أولويات مشروعاتها الكبري إذا كان مشروع السد العالي العملاق قد اصاب الهدف علي قمة أولويات مصر التنموية فقد دفعنا نحن المصريين دماء قلوبنا في مشروعات أخري مثل مديرية التحرير والوادي الجديد وكثير من مشروعات استصلاح الصحاري حيث أهدرت مئات الملايين في كثبان الرمال لسببين أولهما الرهان الخاسر علي مخزون المياه الجوفية وثانيهما نقل تقنيات زراعة الوادي الخصيب بأرضه السوداء ومياه نيله الوفيرة إلي أراضي الصحراء الرملية شحيحة المياه.. ومع حسرة الخسارات المتوالية انتشرت لدي روادها المغامرين مقولة ان زراعة الصحراء تتطلب عمر نوح ومال قارون وصبر أيوب!! وفي العهد الساداتي, توالت مع طموحات شعب مصر في الخروج الآمن من شرنقة وادي النيل مشروعات رائعة مثل المدن الجديدة بدءا بمدينة العاشر من رمضان ثم السادات وأكتوبر والعبور وغيرها, وبرغم أنها امتصت كثيرا من الزيادة السكانية ووسعت القاعدة العمرانية والصناعية علي خريطة مصر إلا أنها وفيما عدا مدينة السادات لم تتوافق.. حسب نظرية المدن الجديدة.. مع أوصولها العمرانية العلمية لانها تبعد عن العاصمة أو أقرب مدن لها بمسافات تقل عن ستين ميلا, وبذلك اصبحت في حكم الضواحي أو التوابع التي تزيدها تخمة وعبئا سكانيا, بدل أن تقطع حبالها المصرية عنها وتستقل بمواردها وسكانها وخدماتها.. الخ. وفي عهد مبارك البائد برز علي سطح المشروعات القومية مشروع توشكي الذي ينتقده معارضون بإهداره لمليارات الامتار المكعبة من أنقي مياه بحيرة ناصر التي تتعرض للبخر الشديد بنسبة يقدرونها ب15% فضلا عن ارتفاع تكلفة استصلاح الفدان بما قيمته25 ألف جنيه.. ومع بزوغ فجر25 يناير تتسابق حاليا مشروعات قومية لتوسيع الرقعة العمرانية إلي26% من مساحة المحروسة وتنتشر في منطقة القناه والصحراء الشرقية والغربية كما يثور الجدل حول مشروع مدينة زويل العلمية ومشروع ممر التنمية الذي أخشي أن تصيبه لعنة المدن الجديدة فيتحول إلي تابع لوادي النيل يفاقم من ازدحامه وتكدسه لقربه الشديد منه(8-9 كم) وايضا لرهانه الخاسر علي المياه الجوفية الناضبة غير المتجددة, وثمة مشروعات قومية لا ألمح لها أثرا مثل توسيع وتحديث القاعدة الصناعية وتحديث وميكنة الزراعة وتعمير وسط سيناء واسترجاع منظومة الشعب المصري الاجتماعية التي دمرها نظام مبارك وما قبله من آخر الفراعين!! ونعود إلي المربع الأول لنطالب ب كونسولتو مصري علمي اقتصادي سياسي وطني ليحدد لمصر صحة ورشاد أولويات مشروعاتها القومية وقد يرون البدء بالطاقة الشمسية أو بالرهان الأكبر علي التعليم واستعادة صحة وعافية المواطن المصري أو ترك كل هذا وذاك والتركيز علي طمي بحيرة ناصر الذي يمكن بمشروع لا يتكلف سوي خمسين مليون دولار أن يضيف للبنك المركزي المصري طنا من الذهب وطنا من البلاتين وما لايحصي من اليورانيوم يوميا. خميس البكري