إمتدت حالة الإحباط والذهول التي أصابت العاملين في معهد المصريات بجامعة لايبزج وفي المتحف المصري التابع له, إلي سكان المدينة الألمانية انفسهم الذين لم يصدقوا أن تفقد مدينتهم فجأة150 قطعة من الآثار المصرية. التي تشكل جانبا اساسيا من مقتنيات متحفهم المصري. فقد نزل قرار محكمة برلين الإدارية منذ أيام كالصاعقة عليهم عندما طالب الجامعة بتسليم هذه المجموعة الاثرية التي جمعها مؤسس قسم المصريات والمتحف المصري العالم اليهودي جورج شتايندورف, لمنظمة يهودية تطالب منذ عام1951, في كل أنحاء العالم بتعويضات لليهود الناجين من المحرقة والمتضررين من الحكم النازي. وفي مشهد مؤثر وقف أمين المتحف المشرف علي الآثارالمصرية ديتريش راوه امام الصحفيين ليعلن ان المحكمة اوقعت علي المتحف والجامعة اقصي عقوبة, فهي حتي لم تترك الباب مفتوحا للتصالح أو الطعن في الحكم. ولكنه قال في تصميم ان الجامعة ستفعل كل ما في وسعها للإحتفاظ بمجموعة الآثار كاملة نظرا لأهميتها البالغة لطلبة قسم المصريات وللمدينة, مشيرا إلي إمكانية تقديم شكوي امام المحكمة الإدارية الإتحادية. وحسب رواية الجامعة الألمانية فإن جورج شتايندورف عالم المصريات اليهودي الذي عاش من1861 وحتي1951 كان استاذا لكرسي المصريات بجامعة لايبزج وقد قام خلال الفترة من1903 و1931 بحملات تنقيب في الجيزة علي نفقته الخاصة وبتكليف من الجامعة ايضا وعاد إلي المانيا بمجموعة من ألآثار القيمة من منطقة الجيزة تضمن أحجار وأوعية فخارية منقوشة وايضا تمثالا للملكة نفرتيتي غير التمثال الجميل المعروض في متحف برلين وأنه أراد استكمال مقتنيات جامعة لايبزج من الآثار المصرية. وبعد عام علي وصول النازي للسلطة في المانيا عام1933 بلغ شتايندورف سن التقاعد ثم أرسل في1936 خطابا لجامعة لايبزج يعرض فيه بيع مجموعته الاثرية المصرية المعروض جزء منها في المتحف والباقي لديه في منزله وحدد شتايندورف سعرها ب8000 مارك رغم أنه قيم سعرها بأكثر من عشرة آلاف, ثم هاجر بعد بيعها بعامين للولايات المتحدة حيث عاش حتي وفاته عام.1951 وعندما طلبت منظمة مؤتمر المطالبات اليهودي باحقيتها في المجموعة أقرت لها الهيئة الألمانية الإتحادية المختصة بالممتلكات العامة محل الجدل بهذا الحق عام2007 وعليه فقد رفعت الجامعة دعوي قضائية امام المحكمة الألمانية ترفض هذا القرار. غير انه من سخرية القدر أن القانون الألماني لم ينصف الجامعة الألمانية كما لم يتمكن حفيد شتايندورف نفسه من مساعدة الجامعة, فقد حضر توماس هيمر وهو كهل يبلغ من العمر88 عاما خصيصا من الولاياتالمتحدة ليشهد بأن جده كان يعتزم إهداء الآثار لجامعته اساسا وأنه لم يجبر علي بيعها من قبل النازيين, بل باعها لاحتياجه للمال لشراء شركة لزوج إبنته وقال أن جده لم يشعر أنه مهدد من قبل النازية. غير إن المحكمة الألمانية لم تقتنع بذلك وإعتبرت أن هيمر ليس وريثا شرعيا للمجوعة كما أنه فوت فرصة تاريخية عندما كان بإمكانه خلال عامين علي إعادة توحيد المانيا حتي1992 ان يطالب كيهودي بالحصول علي المجموعة ويفعل بها مايشاء. ويقول راوه إن القانون الألماني بالفعل يمثل مشكلة هنا, فعلي الجامعة أن تثبت ان الحكم النازي لم يتدخل ويضغط علي شتايندورف لإتمام البيع بسعر بخس بإعتباره يهوديا, وهي معركة خاسرة من البداية لأن القضاء الألماني يعتمد هذه القاعدة في كل مبيعات اليهود بعد عام1935 وعلي المتضرر ان يثبت العكس! فالمسالة هنا كما يقول تحكمها اعتبارات تاريخية. كاذلك لم تقتنع المحكمة بأن قرار شتايندورف أتخذ بمحض إرادته لأنه كان يدرس عروضا من متاحف المانية اخري. ولم تقبل المحكمة ما قدمه المتحف من خطابات ارسلها شتايندورف للجامعة عام1945 يطالب فيها يمعاشه وحقوق الملكية الفكرية ولكنه لم يذكر فيها بكلمة واحدة مجموعة الآثار المباعة. اما المفاجأة فكانت تصريحات مسؤل المتحف المصري ديتؤيش راوه بأن شتايندورف رغم كونه يهوديا فقد حظي بمعاملة خاصة من النازيين و إحتفظ بمنصبه حتي عام1934 وسمح له بنشر اكبر موسوعة للمصريات في المانيا النازية شارك معه في كتابتها شخصيات نازية معروفة. ولكن بلا جدوي فقد اصرت المحكمة علي موقفها. بالطبع فإن القضية برمتها اثارت اهتمام السفارة المصرية في برلين والتي عقدت اجتماعا عاجلا صرح بعده السفير المصري رمزي عز الدين رمزي ان السفارة تقوم حاليا بالتنسيق مع الجهات المعنية في مصر والمانيا لجمع الحقائق والحصول علي جميع المعلومات ليتم النظر في كيفية التعامل مع هذا الموضوع إنطلاقا من الحفاظ علي تراث مصر. اما في جامعة لايبزج فقد فجر ديتريش راوه مفاجأة أخري عندما قال أن الجامعة ربما تقوم بشراء الآثار من مالكها الجديد وأنها في إنتظار أن يقوم مؤتمر المطالبات اليهودي ولديه فرع في فراتكفورت الألمانية بتقدير القيمة المادية للمجموعة فلربما تتمكن الجامعة من شراء مجموعتها المصرية من جديد, مضيفا بأسي أن المسألة برمتها تتعلق في الغالب بحصول المنظمة اليهودية علي المال, ولكن لايبزج مدينة تعاني من وضع إقتصادي صعب..