علي مدي أسبوع كامل من الحوار السياسي المكثف قضيته بين المشاركة في أعمال المؤتمر الذي نظمه مركز الدراسات الحضارية وحوار الثقافات بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة تحت عنوان: الثورة المصرية. : الملامح والفواعل والمآلات من30 مايو 1 يونيو.2011 وعلي مدي ثلاثة أيام وبين التنقل بين قري ومركز بركة السبع( محافظة المنوفية دائرتي الانتخابية) تلبية لدعوات كريمة للبحث والمناقشة في أمور مصر وثورتها وأمور وهموم الأهالي من الفلاحين والعمال والموظفين ووجهت بعشرات الأسئلة التي لم أستطع الاجابة عنها بالشكل الذي يقنعني شخصيا إما لنقص المعلومات وإما لأن الكثير منها يقع في الدائرة الحرجة الرمادية كان أبرز وأهم هذه الأسئلة علي الاطلاق سؤال: هي مصر رايحة علي فين؟!! ومنه تفرعت أسئلة كثيرة من نوع: هو فيه ثورة في مصر بجد؟! وأين هي الآن من الشعب المصري واحتياجاته؟ وأين هي من بقاء حال الجهاز الاداري والبيروقراطي خاصة في الحكم المحلي والإدارات الحكومية بأشخاصها وقوانينها وآليات أدائها المتخلفة علي ماهي عليه دون تغيير؟ أسئلة أخري كانت تتعلق ب الفزاعات التي يراها الناس مفتعلة لتكفير الناس بثورتهم وإجبارهم علي الندم لكونهم شاركوا أو حتي أيدوا الثورة وبالذات مايتعلق ب فزاعة الأمن وفزاعة إفلاس مصر, فالناس يتساءلون: هل فعلا الجيش عاجز عن تحقيق الأمن والتصدي للبلطجية والقضاء عليهم؟ وهل فعلا مصر تواجه الإفلاس أم أن كل هذا مفتعل ومخطط وأهدافه مكشوفة؟ وهنا كان السؤال الأصعب يفرض نفسه: من يقف وراء هذا كله؟ ومن يريد العودة بمصر إلي عهد مبارك مرة ثانية؟ هل هناك من هم أعداء للثورة مازالوا طرفا في معادلة القرار السياسي الآن؟ كيف وصلنا إلي هذه الكارثة ولماذا غابت عنا أخلاقيات الحوار والاحترام والثقة المتبادلة والتفاني في خدمة الآخر وأين هو شعار كلنا إيد واحدة وشعار سلمية سلمية وهما الشعاران اللذان جسدا معا عظمة ثورتنا ووحدتنا الوطنية؟! وأين هو ذلك الائتلاف الوطني بين كل القوي والتيارات السياسية التي انخرطت في الثورة وقادتها وأنجزت أول وأبرز أهدافها وهو هدف إسقاط رأس النظام وكانت ومازالت تحلم بإسقاط كل النظام وبناء نظام جديد يحقق أهداف الثورة في العدل والحرية والكرامة الوطنية؟ ربما يكون السؤال الأهم هو: أين الثورة في ظل هذا كله الذي نراه من تفكك في تماسك هذا الائتلاف وأين هذا التلاحم الذي حدث بين الشعب والجيش الذي حمي الثورة وأعطي الأمل في إنجاز أهدافها؟ مثل هذه الأسئلة الكارثية اعتقد أنها جزء من الأزمة السياسية التي تعيشها مصر الآن كما اعتقد أن الأزمة التي تحولت الي كابوس يهدد مستقبل الثورة هي نتيجة وثمرة من ثمرات ذلك الاستفتاء اللعين الذي أجري علي التعديلات الدستورية الذي نجح بجدارة في دق أسفين الفتنة بين قوي الائتلاف الوطني وبين المجلس الأعلي للقوات المسلحة الذي وجد نفسه طرفا في جدليات وخلافات وانقسامات هذه القوي حول أولويات العمل الوطني وآليات تحقيق أهداف الثورة. فإذا كانت فجوة المواقف والمصالح والادراكات قد اتسقت بين التيارات السياسية المصرية التي توحدت بالثورة داخل ميادين التحرير المصرية بسبب الخلافات التي تحولت إلي نزاعات ثم الي صراعات حول موضوع الاستفتاء علي التعديلات الدستورية التي حولها البعض إلي معركة بين: الإيمان والكفر فإن التفكك الذي أصاب لحمة هذه التيارات وقواها السياسية امتدت إلي شباب الثورة الذين تحولوا إلي عشرات الائتلافات السياسية وتوزعوا بين الأحزاب الجديدة والقديمة ومنهم من حرص علي أن يحافظ علي استقلاليته والنتيجة الحتمية لهذا الانقسام والتفكك كانت العجز عن تأسيس رأس مدني قيادة مدنية قادر علي أن يكون محاورا وشريكا للمجلس العسكري في إدارة أمور الدولة وقبلها أمور الثورة التي يري البعض أنها تتحول وبسبب الكثير من الممارسات السلبية والقرارات المنفردة والفوقية وبسبب توقف ان لم يكن غياب الانجاز الحقيقي في أهداف الثورة( إسقاط النظام القديم وبناء نظام جديد علي أسس من أهداف ومباديء الثورة) إلي مجرد انقلاب نجح فقط في إسقاط رأس النظام وتوقف عند هذا الحد. هل يمكن أن تئول الثورة في النهاية إلي مجرد انقلاب يكتفي بإسقاط رأس النظام دون إسقاط النظام ودون تحقيق الأهداف الأخري للثورة؟! السؤال خطير ومقلق وأخذ يتردد بسبب الجمود الذي تواجهه العملية الثورية وغلبة الميول الاصلاحية علي الميول الثورية عند القيادة العسكرية الملتزمة بمنظومة قيم ومباديء الحرص علي الأمن والنظام والخوف من التغيير أو التحسب لنتائجه وبسبب فشل القوي السياسية في المحافظة علي ائتلافها وعجزها بسبب اتساع فجوة عدم الثقة بينها عن تشكيل قيادة مدنية في موازاة القيادة العسكرية, وفشلها عن إدارة حوار جاد بينهما حول أجندة عمل وطني واضحة المعالم ومقبولة يجري الاتفاق حولها مع القيادة العسكرية. وحتي نواجه هذا الخطر ولكي نمتلك الرءوس الواضحة والشجاعة الكاملة للإجابة عن كل ماهو مطروح في الشارع المصري من أسئلة حرجة وحائرة لا تجد إجابات وحتي لا تنجح مخططات إفشال الثورة أو شرائها فمن الضرورة أن تبادر كل القوي السياسية بالتأسيس لحوار مباشر بينها يقوم علي المصارحة والشفافية ويتجاوز المصالح الذاتية الضيقة ويضع مصر وثورتها علي رأس كل الأولويات يكون هدفه إنقاذ الثورة التي نخشي أن تفلت من بين أيدينا ووضع برنامج عمل وطني محدد الأولويات وواضح الاجراءات, وأن يبادر الشباب بالتوحد والمبادرة في تأسيس قيادة مدنية بالمشاركة مع كل القوي السياسية وأن نحل سريعا معضلة الانقسام حول أيهما يسبق الآخر إجراء الانتخابات أم إعداد الدستصصصصور. الحوار الذي نعنيه ليس تلك الحوارات الشكلية والدعائية التي لم تحقق إلا المزيد من الانقسامات وتعميق الخلافات ولكن حوار تبادر به هذه القوي دون دعوة من أحد وأن يؤسس علي الثقة والوضوح ويتعالي علي كل المصالح والحسابات الرديئة وإلا فإن البديل سيكون خطيرا بين اندلاع ثورة علي الثورة أو تقزيم الثورة إلي انقلاب ليكون هذا أو ذاك هو الاجابة الحزينة لسؤال: مصر رايحة فين؟.! المزيد من مقالات د. محمد السعيد إدريس