هذا كتاب يجعلك تختلف مع ما قاله النفري كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة فعلاء لطفي الكاتب في قراءات مسمومة يثبت أنك عندما تفهم لن تعجز عن التعبير. مقسمة إلي خمسة فصول يتحدث عن السياسة ودورها في الداخل والخارج, وتجد نفسك أمام العديد من الملفات والقضايا التي لا تسقط بالتقادم. لكن أخطر ما توقف عنده الكتاب هو أحداث الفتنة الطائفية التي تتجدد كل يوم وكل ساعة ويصفها بأنها استراتيجية منتظمة تحمل اسم بيكو تلك الشخصية المحورية التي تستنسخ ذاتها من حين لآخر. لكنه يشدد علي أن كل السيناريوهات المطروحة لتفكيك الوطن يكون العنصر الداخلي فيها هو حجر الزاوية سواء للنجاح أو الفشل, محذرا من جماعات المراهقة السياسية التي تتخذ من شعارات الديمقراطية ستارا وذريعة لإشعال الفتن والمؤامرات, ويري أن طوق النجاة المشروع والوحيد هو التخلص من أبواق المصالح الضيقة التي لا تراعي حق المجتمع والوطن. ويأخذنا الكتاب في فصوله الخمسة إلي رحلة فكرية تستخدم منهجا ديكارتيا تشكيكيا أبرز أدواته أسلوب العصف الذهني بإثارة الأفكار وتنشيط الوعي السياسي في ملفات وقضايا ذات أبعاد سياسية خارجية وداخلية مشدودة جميعها برابط خفي لا يري بالعين المجردة إلي حس وطني عروبي لا مثيل له, يقارع الحجة بالحجة والمنطق بالمنطق من خلال قراءة نقدية لزعامات تاريخية تجمدت, وأحداث سياسية ولت منذ شهور قليلة مع انتقال الرئاسة الأمريكية إلي باراك أوباما, و قد تجده في أحيان كثيرة يطرح رؤية مقاربة لرؤية أوباما لكنه يبدو متأكدا جازما قاطعا بأن السياسات الأمريكية نتاج مؤامرة مستقرة وممتدة تنتقل من إدارة لأخري علي مدي سنوات وعقود طوال. الكتاب يضم خمسة فصول رئيسية وقد صدره بإشارات الوفاء والعرفان والتكريم بإهداء صفحاته إلي ذكري مكتشفه الكاتب الصحفي الراحل أنور زعلوك. ويتناول في الفصل الأول ما سماه بفكر التغلغل والاختراق وهو يظهر وفق تصوره عندما يأتي الخطاب الإصلاحي من الخارج في صورة توصيات ونصائح وإملاءات ثم تفاجأ بمن يتلقفه في الداخل ويبدأ العزف عليه صحفيا وإعلاميا دون تدقيق أو فحص, فقط تجذبنا الشعارات البراقة الخادعة. وبالتالي يصبح تحليل مصدرها وتعرية هذا الخارج مسألة مهمة عندمنا نبني توجهاتنا المجتمعية, علي اعتبار ان الكتابة الصحفية هي إحدي ادوات المشروع السياسي للمجتمع وأي تضليل يتسلل اليها سوف يتسلل بدوره الي المجتمع. وهنا أذكر نموذجين رئيسيين لتلك المصادر: الأول هو الخطاب المباشر مثل خطاب الاتحاد الدوري الذي يلقيه الرئيس الأمريكي أمام الكونجرس ويتطرق فيه الي بلدان المنطقة وقضاياها, أو خطاب استثنائي مثل خطاب أوباما في جامعة القاهرة. والثاني هو خطاب غير مباشر يصدر عن مراكز الأبحاث والدراسات في الخارج ويتناول أيضا الشأن الداخلي ويتعامل معه القطيع الصحفي وكأنه أمر مسلم به. الفصل الثاني ويتناول أدوات التغلغل أو ما نسميهم فسدة ومفسدون ويهدف الي تعرية مواقف سياسيين كذبوا علي شعوبهم وضللوهم وأدي كذبهم الي مقتل العشرات او المئات منهم مثل كولين باول الذي اعترف بكذبه في مسألة السلاح الكيماوي بالعراق, ثم مبادرة لورا بوش لمحاربة سرطان الثدي بالتزامن مع الكشف عن الانتهاكات الجنسية لمعتقلي سجن أبوغريب. الفصل الثالث نحن ومن حولنا, ويتناول الشأن العربي بكل أطيافه السياسية وملفاته وقضاياه, والرابع يرصد صناعة الفوضي وهي تبدو كنتاج لتدخلات خارجية في مراحلها الأولي لكنها لا تنجح دون وكلاء لها في الداخل نطلق عليهم توصيف الانهزامي او البهلوان السياسي او سوط سيده وكل عنوان يحمل جانبا من جوانب تلك الشخصية الانهزامية. والكارثة تتحقق عندما يتولي منصبا إعلاميا يكون فيه مسؤولا عن حشد طاقات الجماهير. لكن أبرز ما في هذا الفصل هو الحديث عن الإعلام العربي بين الخطأ والخطيئة. واستراتيجية بيكو التي نعيشها تقريبا اليوم من احداث فتنة طائفية. وفي الفصل الخامس والأخير والذي يحمل عنوان منظومة تفكيك مصر والادوات هنا هي الفتنة الطائفية الدائرة في مواقع متفرقة من الوطن, وهناك الدور الذي تلعبه جماعات المراهقة السياسية, ثم تيارات الإسلام السياسي واستدراجها للحوار خلف أبواب الغرف المغلقة مع قوي دولية انتهازية, ثم فتنة التوريث الدائرة والمعالجة المتشنجة لمسألة التغيير في مصر. والإلحاح علي تغيير الدستور.